السيد محمد حسن الأمين: لتحرير الإجتماع الإسلامي من السلطة

مجالات الفكر الاجتماعي الإسلامي

لفت العلامة السيد محمد حسن الأمين إلى انه من الأمور التي تلحّ عليه باستمرار خلال الخوض في مجالات الفكر والاجتماع الإسلامي، مسألة لم يلاحظ أن المفكرين المسلمين قد أعطوها ما تستحق من الاهتمام والبحث، أو هي على الأقل لم تكن من أولويات الفكر الإسلامي، وحتى الفكر الإسلامي الحديث، ويعني بها العلاقة بين الفرد والمجتمع، وما هي حدود حريّة الفرد، كما ما هي حدود سلطة المجتمع على الفرد الذي هو جزء من هذا المجتمع”؟
ولاحظ أنّ ما “يجري الاهتمام به في الفكر الإسلامي السياسي الحديث هو علاقة الفرد بالسلطة، وتشديد المفكرين على ضرورة انتزاع الفرد لحرياته الشخصيّة من السلطة السياسية التي تصادر هذه الحريّات”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين ينادي بتلاقح الأديان: حضارتا الشرق والغرب مسكونتان بالمسيحية والإسلام

تحرير الاجتماع الإسلامي من السلطة

وأضاف”:  من هذا المنطلق كتبت أبحاث كثيرة حول موضوع السلطة، وحول إعادة النظر في حدود السلطة السياسية التي تجاوزت عبر فترة طويلة من التاريخ حدودها على حساب الفرد، وحتى على حساب المجتمع”. وأردف”: لا أنفي أنّ بعض جوانب الفكر الإسلامي الحديث قد استطاعت ممارسة مستوى متقدّم من النقد للسلطة وصلاحياتها غير المحدودة، وإعادة الاعتبار لحريّة المجتمع، وتوسيع دائرة هذه الحريّة على حساب طغيان السلطة”.

الأمين: التحوّلات هي مصدر استمرار المجتمع وتقدّمه وتوفير أسباب الحياة الكريمة والمزيد من تحقيق كرامة الإنسان على هذه الأرض

وتابع”:  ولكنّ الذي ينقص هذه الأبحاث، والذي أعتبره شأناً لا يقلّ أهميّة عن السعي إلى تحرير الاجتماع الإسلامي من السلطة إلى أعلى قدر ممكن ألا وهو حريّة الفرد، ولكن ليس إزاء السلطة فحسب وإنما في مواجهة سلطة المجتمع، فللمجتمع سلطة على الفرد، وهي في بعض صيغ الاجتماع كالقبيلة مثلاً تكاد حريّة الفرد أن تنعدم انعداماً كليًّا، فيغدو الفرد وكأنه واحدٌ من قطيع تكاد تكون أفراده مستنسخة بعضها عن بعضها الآخر، ويغدو كل تمايز ـ بغض النظر عن إيجابيّة هذا التمايز أو سلبيّته ـ خروجاً على قيَم القبيلة وأمنها، ويُعاقب من يمارس هذا التمايز بعقاب العزل الجماعي من المجتمع نفسه”.

صيغة القبيلة

وقال: “لقد ضربت لهذه الظاهرة مثالاً من مجتمع القبيلة لأزعم أنّه بالرغم من تجاوز صيغة القبيلة إلى أنماط اجتماعيّة أخرى بما فيها نمط الاجتماع الديني فإنّ ظاهرة تسلّط المجتمع على الفرد ظلت قائمة في دائرة اجتماعنا، وخاصّة دائرة اجتماع دول العالم الثالث بصورة عامّة، وحتى في دائرة اجتماع المسلمين أيضاً، مما يجعلني أحسبُ بأنّ الجهاد في سبيل تحرير إرادة الفرد أو منح الفرد على الأقل الهامش الواسع والكافي من الحريّة الشخصيّة أمراً لا يقلّ في قداسته عن شكل آخر من أشكال الجهاد، ولكن لماذا هذا التأكيد على مسألة حريّة الفرد”؟

و أضاف”: إنّني أبدأ في الإجابة على هذا السؤال من الخطأ الشائع المرتكب في أذهان الكثيرين من المسلمين، والذي يفسّر الآيات القرآنية الداعية إلى الاجتماع والتماسك والوحدة تفسيراً خاطئاً، لأنّ قيم الاجتماع والوحدة والتضامن والتكافل.. ليست مانعة على الإطلاق من ضرورة التمايز بين الأفراد وظاهرة التعدد التي هي سِمة من سمات الكينونة الإنسانيّة، فكما أنّ أحداً من البشر لا يماثل تماماً أحداً آخر غيره فكذلك أفكار البشر ورؤاهم وتوجّهاتِهم وأساليبهم، هي أيضاً ليست متماثلة، وإن كانت متشابهة قليلاً أو كثيراً، ولكنها على الأقل لا تجعل من كل فرد نسخة مطابقة ومماثلة تماماً لأيّ فرد آخر، ولعلّ الحكمة الإلهية قضت أن يوجد هذا التعدد بين أفراد الأمّة أو المجتمع، من أجل أن يتوفّر هذا المجتمع على مصدر غنىً لا يمكن أن يتحقق إلّا بظاهرة الاختلاف والتعدد. وكما في معظم التفاسير فإنّ الله تعالى خلقهم للاختلاف الذي يؤدي بالضرورة إلى هدف التعارف. وإذا كانت هذه الآية توحي بأنّ الدعوة إلى التعارف هي موجّهة إلى الجماعات أي الأمم والشعوب والقبائل؛ فإنّ من الطبيعي أيضاً أن تكون الدعوة إلى التعارف موجّهة إلى أفراد كل مجتمع على حِدة”.

الراديكالية والاستبداد

ورأى “: إنّ التأمّل والتعمّق في نمو المجتمعات وازدهارها، ووصولها إلى درجات متقدّمة من الحضارة والرقي والتحقق في الميدان البشري، هي المجتمعات التي في غالبها اكتشفت أهميّة حريّة الفرد، ورأت أنّ هذه الحريّة هي مصدر هام وفاعل من مصادر الإبداع والإنجاز.

وأضاف”: ويمكننا في السياق أن نشير إلى أنّ بعض أنواع التقدّم التي نشأت في ظل الراديكالية Radicalism(*) والاستبداد، كالدول الشيوعيّة في عصرنا، والتي صادرت حريّة الأفراد، لم تستطع أن تستمرّ أو تُعمر لأكثر من جيل واحد ثمّ انهارت، وكان في رأينا انهيارها نتيجة لاعتبارات عديدة، ولكن أحدها ـ بل أبرزها ـ هي مصادرة حريّة الأفراد، وإذا اعتبرنا هذا الأمر ـ أي غياب حريّة الأفراد ـ سنّة أو قانوناً  من قوانين التاريخ فإنّ تغييب حريّة الأفراد تنطبق نتائجه على كل الأمم والشعوب بما فيها أمّتنا وشعوبنا الإسلاميّة، ولا فرق عندنا بين أن تكون حريّة الفرد مصادرة من قبل السلطة السياسيّة أو كانت حريّة الفرد مصادرة من قبل سلطة المجتمع الذي يعزل الأفراد الذي لا ينصاعون انصياعاً كاملاً لسلطة المجتمع وقيَمه وتقاليده”.

مجالات الفكر والاجتماع الإسلامي، مسألة لم يلاحظ أن المفكرين المسلمين قد أعطوها ما تستحق من الاهتمام والبحث

و تابع”: وعليك أن تدرك في مثل هذه الحالة القاسية من العزل كم يفوّت المجتمع على أفراده من فرص النبوغ والتجدد وفتح آفاق واسعة أمام المجتمع الذي ينتمي إليه على جميع الأصعدة الفكريّة والسياسية والاقتصادية والتقنية، وعلى كل ما يعتبر ضرورة للتحوّلات الاجتماعيّة التي لا يمكن للمجتمعات أن تتجنّبها وأن تكون بعيدة عنها.

اقرأ أيضاً: السيد الأمين: لتطوير نظام ولاية الفقيه.. وتنعّم الإيرانيين بالثورة النفطية

وإذ شدد على أن التحوّلات هي مصدر استمرار المجتمع وتقدّمه وتوفير أسباب الحياة الكريمة والمزيد من تحقيق كرامة الإنسان على هذه الأرض، قال”: إنّني أزعم أنّ غياب حريّة الفرد في مجتمعنا تجاه المجتمع هو تغييب لحق إنساني مكتسب من الخالق تعالى، وهو حق الفرادة فرادة الكائن الإنساني الذي يتيح له أكثر فأكثر تحمّل مسؤوليّاته كعضو في هذا الاجتماع، ويكفي دليلاً على وجاهة هذه النظرة أنّ الله سبحانه وتعالى إنما يحاسب ويجزي ويعاقب كل فرد من أفراد البشر وِفقَ اختياراته ومسلكه الشخصي، بما يعني أنّ الله سبحانه وتعالى وهبه الحريّة الكاملة وفرض عليه ممارستها لكي يستحق على ضوء ذلك الثواب والعقاب”.

(*) راديكاليّة Radicalism بمعنى التوجه  الصلب والمتطرف والهادف للتغيير الجذري للواقع السياسي.. ويصفها قاموس لاروس الكبير بأنّها: «كل مذهب متصلّب في موضوع المعتقد السياسي» نقلاً عن موسوعة ويكيبيديا.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج)

السابق
انتقام «سخت».. ايران ابلغت اميركا بالهجوم!
التالي
بالفيديو: حزب الله يسخر من الرد الأميركي بالكرتون