الثورة لم تقل كلمتها الأخيرة.. «الحكومية»

الحراك
لم تنطلق الثورة لتهدأ ، خفت وتيرتُها بعد استقالة الرئيس سعد الحريري ، واتخذت أشكالاً من الكر والفر في بعض المناطق، لكن يمكن القول إنها في استراحة الفرصة التي يعطيها الشارع للسلطة بانتظار تشكيل الحكومة العتيدة، والتي يفترض أن تكون وفق مطلب الثائرين، حكومة مستقلين من ذوي الاختصاص والكف النظيف.

غيّر الشارع كل المعادلات، وبات لاعباً أساسياً في الأروقة السياسية . بدا ذلك واضحاً من خلال ارتباك السياسيين في التعاطي معه منذ اليوم الأول لانطلاق الثورة، وتخبطهم في مشاوراتهم خلف الأبواب وصراعاتهم حول ترتيب مصوغ حكومي يرضي الشارع أولاً وأخيراً.
الوضع الاقتصادي المنهار والسياسي الفاسد والاجتماعي المهترىء، يتطلب خطة إنقاذ سريعة فيما التأني يتحكم بمسار المشاورات السياسية . فمطلب حكومة تكنوقراط هو ضرب من الجنون، في بلد تتعدد طوائفه وزعاماته وأحزابه وكلها يجب أن تكون ممثلة في السلطة، “والكعكة”، حتى وإن كانت تكنوقراطية، فعليها أن تراعي هذه التوازنات. وهنا قد يكون مصطلح “التكنوسياسي” هو الأسلم للمشهد السياسي في لبنان.

اقرأ أيضاً: أسبوعان لـ«التكنوقراط» و6 أشهر لانتخابات «الحراك»

مهما اختلفت تسميات الحكومة العتيدة، لا يمكن لها إلا أن تكون صوت وصدى الثورة الشعبية التي اجتاحت لبنان من شماله الى جنوبه، وبالتالي هي بحاجة لثقة الشعب قبل ثقة البرلمان. ويبقى أن أمامها استحقاقات وتحديات جدية عليها الالتزام بها أمام “برج المراقبة” وهو الشعب الذي أدى وللمرة الاولى في تاريخ لبنان دوره الدستوري بصفته مصدر السلطات. وهنا يبرز دور الحكومة المرتقبة في إعادة ترميم الثقة بين الشعب والدولة، ووضع نصب عينيها خطط للبدء كمرحلة أولى في إصلاح القطاعات الأساسية المهترئة الكهرباء والمياه والطرقات وتقديم الخدمات وتطوير الاقتصاد ومكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين أياً كانوا.

لكن كيف يمكن لذلك أن يتم؟ وهل مفعول الثورة سيرتد بسحر ساحر على السلطة لتقوم بكل هذه المهمات دفعة واحدة؟

يقول الدكتور انطوان صفير الخبير الدستوري والقانوني: إن الحكومة المقبلة يفترض بها أن تداوي المشاكل الاقتصادية البنيوية وتواكب الاصلاح العام وفق مقتضيات مؤتمر سيدر وتوجيهات المجتمع الدولي، وقدرة لبنان على تحمل الأزمات النقدية والمالية وحاجته الى استمرار الدعم المالي الخارجي، لذلك لا يمكن لكل هذا الحراك الا أن يرى قراراته وطموحاته تتبلور داخل مجلس الوزراء من خلال القرارات الحكيمة والسريعة والشفافة.

يضيف الدكتور صفير؛ إن لم تستطع الحكومة الجديدة مواكبة الاصلاحات والتلزيمات الشفافة، فإن الشارع سيعاود حراكه لاسقاطها، على اعتبار أن ما قبل 17 تشرين أول ليس كما بعده، لأن الشعب أصبح مصدر الرقابة على عمل السلطة التنفيذية وعلى قدرتها على التفاعل مع ما يقتضيه المنطق والواقع والحاجات التي يتطلع اليها الناس في سبيل إنهاض الجيل الجديد وتأمين المستقبل في التربية والتعليم والاستشفاء والتوظيف وادارة الموارد العامة واقامة المشاريع الاستثمارية والانشائية والوصول الى دولة حديثة، ولكن خارج إطار الصفقات والسمسرات وما كان يجري منذ ثلاثين عاماً.

طريق الإصلاح طويل، وملغّم، والوصول الى المدينة الفاضلة قد يكون أضغاث أحلام، لكنه على الأقل طريق فُتحت له السكك أمام أعين الرقابة الشعبية، التي باتت قادرة على رفع الصوت مجدداً في المنابر والساحات.

اقرأ أيضاً: رئيس برتبة «ناشط».. في «خريف» العهد

إذاً، عودة الثورة الى زخمها مرهون بحراك الحكومة، التي يزيد من ارتباكها يوماً بعد يوم خشيتها من فتح ملفات الفساد وما ستبع ذلك من مفاجآت تسقط القوى السياسية السلطوية الواحدة تلو الأخرى. لذلك، تتخبط السلطة في الخروج بحكومة تتصالح ولو بالحد الأدنى مع الثورة، وهي تجهد للإكتفاء بسقوط الحكومة من دون الوصول الى انتخابات نيابية مبكرة. فالمجلس النيابي الحالي الذي انبثق عن انتخابات العام 2018 لم يعد تمثيله عادلاً بعد تلك الانتفاضة الشعبية، التي ستغير حتماً خلال أي انتخابات مقبلة، وأياً كان القانون الانتخابي المعتمد، صناديق اقتراعها شكل البرلمان المقبل لتسقط وجوه وتبرز أخرى.
الثورة تراقب، الثورة تحاسب، الثورة عائدة بزخمها، فهي لم تقل بعد كلمتها الأخيرة.

السابق
في كفركلا.. توفي بعدما تدهورت سيارته
التالي
«حزب الله».. فرع إسكندنافيا!