أسبوعان لـ«التكنوقراط» و6 أشهر لانتخابات «الحراك»

الحراك

هل ينحدر الوضع اللبناني نحو الهاوية إثر تقديم رئيس مجلس  الوزراء سعد الحريري استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية ميشال عون (الذي اتهم بعض وزرائه ونوابه الرئيس المستقيل بعدم طرْح أي خيار حكومي على العهد أو التنسيق معه بخصوص الاستقالة، ورأوا أنها “حولت المطالب إلى تطيير العهد” وأنها “مدروسة وآخر أوراق التين”، معتبرين وجود الوزير جبران باسيل في الحكومة الجديدة أم عدمه يعود إلى “التيار الوطني الحر” وحده) التي أوصل إليها استهتار السلطات بالشعب المرابط على الطرقات 13 يوماً ووصْم حراكه المطلبي بالسياسة والتبعية للسفارات، والغياب شبه الكلي للمبادرات الجدية التي تتناسب ومطالبه المحقة، وكذا حوار الطرشان بين أركان الحكم في فترة ما قبل الاستقالة لإيجاد الحلول، في ظل ثقة شعبية معدومة بالطبقة السياسية ومطالبات بانقلاب كامل على مقومات العهد وأدواته، ووضوح المرحلة الثورية المقبلة لدى مكونات الثورة المتعددة المشارب والاتجاهات، بعد دعوة حزب “سبعة” الذي تقوده الإعلامية غادة عيد في بيان إلى “فتح الطرقات بعد تحقيق أول مطلب على طريق استعادة الوطن، وعدم التراجع قبل تشكيل حكومة مستقلين وذوي اختصاص مصغرة خلال أسبوعين حدًّا أقصى، وتحديد موعد لانتخابات نيابية مبكرة خلال مدة أقصاها سته أشهر ثم انتخاب رئيس جديد للجمهورية”. وأشار البيان إلى أن “سبعة” لن يقبل بأن يراقِب مجلس نواب “فاقد للشرعية الشعبية” – كما سمى البرلمان الحالي- ويحاسب حكومة تكنوقراط لا تمتلك شرعية سياسية (بمعنى أنها لم تنل ثقة مجلس نواب جديد منتخب) وتكون كبش محرقة في مواجهة الأزمة المالية.

اقرأ أيضاً: من كسب من استقالة الحريري ومن الذي خسر؟

“هيئة تنسيق الثورة” بقيادة القائد السابق لفوج المجوقل العميد الركن المتقاعد جورج نادر، وهي وليدة ثورة 17 تشرين وأصدرت بيانها الأول في اليوم السادس منها، دعت في بيان “الشعب الثائر إلى فتح الطرقات كبادرة حسن نية وتسهيلاً لتأمين الحاجات الحيوية والأساسية للمجتمع، بعد أن أثمرت ثورة الشعب تحقيق المطلب الأول وهو استقالة الحكومه، ما يفتح الباب أمام تحقيق بقية المطالب، بدءًا بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تجري انتخابات نيابية مبكرة”، كما دعت “إلى إستمرار نضال الساحات”.

وقال المحامي حسن بزي على “فايسبوك” إن مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام” التي يمثلها “مع طرح الفتح الكلّي للطرقات والبقاء في ساحات الشهداء ورياض الصلح (بيروت) وإيليا (صيدا) والنور (طرابلس) فقط إلى حين تشكيل حكومة جديدة”.

ونشرت حملة “لحقي” بياناً دعا إلى “إنهاء قطع الطرقات مع عدم ترك الشوارع والساحات حتى تشكيل حكومة موقتة من خارج مكونات الطبقة الحاكمة تدير الأزمة الاقتصادية وتقر قانون ضرائب وتنظم انتخابات نيابية مبكرة تنتج سلطة تمثل الشعب وتستعيد الأموال المنهوبة وتحاسب المسؤولين عن الدين العام”.
كما أعلنت حركة “شباب الثورة” التي يسيطر عليها الشيوعيون واليساريون في بيان بعنوان “ثورة مش فوضى”، إخلاءها الطرقات إثر إعلان استقالة الحكومة، وهي ليست إلّا المرحلة الأولى من رحلة الألف ميل، المرحلة الآن للتأليف الفوري لحكومة مصغّرة حيادية مستقلّة من المتخصصين تحضر لانتخابات نيابية مبكّرة وإعادة الأموال المنهوبة بعد انشاء محكمة محلية دولية”.

“الثورة بدأت للتو”، قالها أحد المحتجين الذين عادوا إلى ساحات رياض الصلح والشهداء والرينغ، بعد حملة اعتداء مناصري “الثنائي الشيعي” على المعتصمين فيها، وهي عبارة بالغة الصدق، فما استقالة الحريري إلا الخطوة الأولى والأكثر سهولة في درب الألف ميل الشديد الوعورة، فالاحتقان كبير بين مكون يشعر بتهديد امتيازات استأثر بها وراكمها مدى عقود وبين شركائه في الوطن الثائرين إما الفقراء المعدمين أو الناقمين على مسخ معالم الدولة، عبر النفخ في بوق كليشيهات باتت مستهلكة وممجوجة من اللبنانيين إلى أقصى الحدود، كـ”مقاومة إسرائيل” و”الدفاع عن لبنان” و”قدسية من قدّم ولده فداء للوطن” و”الخوف من الفوضى والعنف كما يحدث في المحيط”… وغيرها كثير، ويتمترس بعناد لحماية هذه الامتيازات خلف سلاحه بعد أن حوَّل وجهة نصاله من صدور الجنود الإسرائيليين إلى نحور شركائه في الوطن، ليبقيهم وجِلين من تحرُّك هذه النصال.
لقد كشفت عينة بسيطة من تولُّدات الاحتقان السالف الذكر في الساحات البيروتية الثلاث، هشاشةَ الاستقرار الأمني وسياسةَ “الخيار والفقوس” و”الصيف والشتاء تحت سقف واحد” في تصدي القوى الأمنية للشغب، ولا عجب في ذلك أمام حلم الثائرين الطَّموح الذي فاجأ الجميع وبات يهدد بقلب كيان والإتيان بغيره، ويكمن تحت كل تفصيلة فيه خطر انفجار شامل.

ومع إيصال الطبقة الحاكمة المنغمسة في الفساد والحامية له البلادَ إلى ما يشبه يأس المجتمَعين العربي والدولي من أي تدخل لحل الأزمة اللبنانية، ساد شبه تجاهل لما يحدث على أراضيها لتقديم أي مبادرة للحل من خارج الحدود، فدعا الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط كما نقلت “روسيا اليوم”، “القيادات السياسية إلى الشروع في إجراءات للخروج من الوضع المتأزم في البلاد، ومنع انزلاقها نحو مصير مجهول”، فيما دعا وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان “السلطات اللبنانية إلى المساعدة في ضمان وحدة البلاد”، لافتًا إلى أنّ “لبنان يمر بأزمة خطيرة جدًا”.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد كان الخارج أشد وضوحاً، إذ نشرت “سكاي نيوز عربية” عن رئيس دين الأسواق الناشئة بريت ديمنت، أن “السندات السيادية للبنان واجهت أحد أسوأ أيامها بعد استقالة الحريري”، وأن “تكاليف الاقتراض أصبحت باهظة على نحو معضل للبلد المثقل بالديون”. وقال ديمنت: “من الصعب النظر للاستقالة كعامل إيجابي، فالوضع شديد التعقيد، إذ على لبنان سداد فواتير باهظة، وسيكون من الصعب اجتياز الوضع الراهن دون إصلاحات اقتصادية حقيقية”. ونقلت “سكاي نيوز” عن مدير استراتيجية الأسواق الناشئة للأوراق المالية كريستيان ماجيو قوله “لو كانت الحكومة مسؤولة عن الوضع الاقتصادي الأليم لكانت استقالتها إيجابية، لكن من المعتاد أن رحيل أي حكومة دون خطة واضحة للمستقبل ليس شيئًا إيجابيًّا أبدًا”.

اقرأ أيضاً: تغطية «سموات» الثورة بـ«قبوات» المقاومة!

داخليًّا، أشار النائب السابق وليد جنبلاط (الذي كان علّق على الاستقالة بتغريدة جاء فيها: “تحملتُ الكثير عندما رفضتُ الاستقالة، وبعد أن أعلنها الشيخ سعد، الذي حاول جاهدًا وحاولنا معه الوصول إلى تسوية، أدعو مجددًا إلى الحوار والهدوء”)  في حديث لقناة خليجية شهيرة، إلى أن “حق التظاهر مقدس ولكن من دون قطع طرقات”، وأن “حكومة اللون الواحد انتحار وحماقة سياسية، وكذلك حكومة الوجوه القديمة، التي يجب اسقاطها بدءاً من الحزب التقدمي الاشتراكي، إذ إن الشعب يريد إسقاط النظام”، معترفًا “بصعوبة هذا الأمر إلا بإلغاء الطائفية السياسية”، وأنه لن ينضم إلى المتظاهرين “ولا إلى جبهة 14 آذار جديدة، فأعيد البلاد 14 عاماً إلى الوراء”. ولدى سؤاله عن 7 أيار جديد توجه جنبلاط “لمن يريد الاستفادة من الحالة اللبنانية لمحاولة إلغاء أو إضعاف حزب الله”، بالقول إن “حساباته خاطئة، لأن الحزب مكون أساسي”، معتبراً “صراع الأمم أكبر من لبنان، فلنحافظ على بلدنا دون مَحاور ونحن على مشارف مشاكل معقدة، كالانهيار النقدي الذي حذر منه رياض سلامة، ولذلك أرفض المراهنة على الخارج أياً كان”. 

السابق
محامو الثورة يلاحقون المعتدين من «امل» و«حزب الله» قضائيا
التالي
نصرالله لم يؤيد إستقالة الحريري.. ويبرر للمتظاهرين!