السيد محمد حسن الأمين: الإسلام المتقدم أكثر إستجابة للإصلاح الديني

أكد العلامة السيد محمد حسن الأمين ان "الإسلام المتقدم أكثر إستجابة للإصلاح الديني"، معولاً على عملية الإصلاح الديني للنهوض بالإجتماع العربي والإسلامي، مؤكداً انها " ليست هي وحدها المؤهّلة لمثل هذا الإنجاز".

من الشائع وخاصّة في زمننا الراهن الحاضر، وأمام العديد من مظاهر الضعف والتراجع ونشوب الفتن المذهبية والدينيّة وما تستتبع من حروب ومزيد من الفرقة والتشظّي في الاجتماع العربي الإسلامي، من الشائع أنه ـ أي هذا الواقع ـ هو مظهر من مظاهر غياب حركات الإصلاح الديني، ويكاد البعض، وربما كان هذا البعض من النخبة المتقدمة من الباحثين والمفكرين، أن يحصروا أسباب التخلف والتراجع الذي أشرنا إليه إلى سبب رئيسي واحد، وهذا السبب يتعلّق بالدين بين قائلٍ متطرف بأنّ الدين نفسه هو العامل الأساسي للتخلف والتراجع، بالقياس إلى التقدّم والتطوّر الذي تتسم به الحضارة الغربيّة، وهؤلاء بدأت طلائعهم منذ عصر النهضة الحديث ـ أي في أواخر العصر العثماني وأوائل فترة انهيار الإمبراطورية العثمانية ـ فافترضوا لا يمكن قيام نهضة تؤدي إلى قيام التطور العالمي إلّا بالتخلي عن الدين بصورة كاملة.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين يدعو إلى التجدد الحضاري الإسلامي لإعادة الاعتبار للعقل والحريّة

وهذا الاتجاه لا نريد الآن أن نناقشه وندحضه لوضوح خطئه وخطله وتراجع الاتجاهات التي كانت تمثّله، وكانت تسمى بالاتجاهات العلمانيّة المتطرفة.

وكان إلى جانبه تجاه آخر يماثله نسبياً من حيث رؤيته للمسألة الدينيّة، ولكن رؤيته كانت ترتكز لا على أنّ الدين بذاته هو سبب التخلف والتراجع، وإنما كانت ترتكز على أنّ المشكلة أو الأزمة لا تتصل بجوهر الدين، وإنما تتصل بغياب حركة إصلاح للفكر، وهذه الفئة رأت بل كادت أن تحصر إمكانيّة النهوض على مستوى الأمّة كلها بضرورة قيام حركة إصلاح كاملة للفكر الديني، واعتبرت أنّ إنجاز إصلاح الفكر الديني هو المسألة الجوهرية والأساسيّة، التي يجب التركيز عليها لقيام عصر نهضة يمكّن الأمّة العربية والإسلاميّة من إنجاز قفزة حضارية، وحدها يمكن أن تنقل المجتمع العربي والإسلامي إلى مدارج التقدم، وتجاوز عصر الانحطاط والتراجع، الذي هو سمة هذا الاجتماع المذكور.

ولا أنفي أنني كنتُ ميّالاً إلى هذه الرؤية بحماس كبير، شأني في ذلك شأن عدد كبير من هذا الفريق المهتم والمنشغل في التفكير والتنظير لمهمة الإصلاح الديني، بوصفها هي المهمة الأولى والأكبر لإنتاج المنهج الذي يؤدي إلى عملية التحوّل إلى إنجاز المهمة الحضاريّة المنشودة على مستوى الاجتماع العربي والإسلامي.

والحقّ أنّ هذا الاتجاه ما زال قائماً وربما اتّسعت دائرة المنتمين إليه، وخاصّة في هذه المرحلة ذات الطابع الفجائعي، التي تمعن تدميراً في الأمّة الإسلاميّة، وفي الدائرة العربيّة خصوصاً بسبب نمو وتوحّش حركات العنف التي تتسم بها الاتجاهات المتطرفة، والتي تنمو شيئاً فشيئاً، وتمعن في تدمير قيَم الترابط والتكامل والتفاعل الإيجابي بين أتباع المذاهب الإسلاميّة، فأصبح دعاة الإصلاح الديني أكثر إيماناً بوجهة نظرهم التي ترتكز على أنّ الإصلاح الديني هو المدخل الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم، والوصول إلى إنجاز المعطيات الفكريّة والدينيّة والأخلاقيّة التي تمهّد لقيام النهضة الحضارية المنشودة.

ونحن إذا كنا نوافق على المبدأ في هذه النظرية فإنّنا وإلى جانب الإصلاح الديني نجد أنّ المسألة هي أكثر تعقيداً مما يظنّ دعاة الإصلاح هؤلاء، وإنّ حركة الإصلاح الدّينيّة وحدها قد تكون سنداً فاعلاً لمسيرة التجدد الحضاري الكامل، ولكنها بالتأكيد ليست هي وحدها المؤهّلة لمثل هذا الإنجاز، فإنّ عناصر التخلّف العلمي والفكري والاجتماعي، وكلّ ما يتصل بالكيان المتشعّب والكامل لبنيتنا الحضارية، هو بحاجة إلى عملية إصلاح متعددة وشاملة، لكي تكون بالإضافة إلى مهمة الإصلاح الديني تشكّل ما يسمى ورشة كاملة، وذلك للاتصال الوثيق بين كل هذه المهمّات، فلا نهضة فعلية بدون نهضة تنمية علمية واقتصاديّة وفكريّة، فالدين وحده قد يكون ضماناً روحياً وأخلاقياً لقيام النهضة والتقدم، ولكن الدين نفسه يتضمّن في جوهره الدعوة للإنسان عموماً وللأمّة الإسلاميّة خصوصاً أنّ الإنجازات المادية والعلمية هي مهمّة بشرية، ويدعو البشر إلى إعمار الأرض، أي إلى التوفّر على الأسباب والمعطيات التي تمكّن من إعمار الأرض والمجتمع، ولا أرى أنّ الدين يعني في ذلك شيئاً غير دعوة الإنسان إلى تحمّل مسؤوليات تحقيق هذه الإنجازات.

أستطردُ هنا لكي أكون أكثر وضوحاً في شرح هذه الرؤية التي تربط بين الإصلاح الديني وحركات الإصلاح الدنيوي، فأتناول موضوعَين رئيسيّين لا بدّ من إعطائهما الأولوية في مجال الإصلاح الدنيوي المرتبط بحركة الإصلاح الديني، وهما: مسألة الحريّة بمجالاتها الواسعة، ابتداءً من حريّة الفرد في الاجتماع الإسلامي التي تتضمن حريّة الفكر والقول وحريّة الاختلاف، وتحريم كل مصادرة تنطلق باسم الدين لتقييد هذه الحرّيات.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الإسلام جاء ليحرر الدين من الدين

والموضوع الثاني هو موضوع العمل على تحقيق ما يسمّى بالتنمية، التنمية في جميع جوانبها العلمية والاقتصادية، وأخص مسألة التنمية الاقتصاديّة لأنني أرى أنّ عنصراً جوهرياً وأساسياً في إنتاج التخلّف على كلّ مستوياته في الاجتماع العربي والإسلامي ناشئ عن غياب درجة الحد الأدنى من التنمية، التي هي الوسيلة الأهم لتحرير هذا الاجتماع من ظاهرة الفقر الذي كان على مرّ التاريخ وما يزال السبب الأبرز لتخلف المجتمع، والذي قرنته الأدبيّات الإسلاميّة بالكفر، أي أنّ الدعوة إلى التنمية التي تقضي على ظاهرة الفقر في مجتمعنا ليست فكرة غريبة عن الإسلام نفسه فليكن في أدبيات نهضتنا الإسلاميّة المنشودة تشديد على أنّ فعل التنمية هو واجب مقدّس لا يقل عن واجبات أداء الفروض الدينيّة نفسها.

وباختصار أقول: أعطني مجتمعاً إسلامياً متقدّماً على الصعيد الاقتصادي والعلمي والتقني وأنا كفيل بأنّ مثل هذا المجتمع سيكون أكثر قدرة على الاستجابة لحركات الإصلاح الديني المتقدّمة والمنشودة، وأكثر وعياً واستيعاباً لفهم الأهداف والغايات التي يتضمّنها هذا الإسلام العظيم، والتي كادت أن تغيب غياباً كاملاً عبر تاريخ طويل من الاستبداد والفقر الذي رافق القرون الأخيرة من تاريخ الإسلام وما زال يربض على صدور الشريحة الأوسع من جماهير المسلمين في العالم العربي وفي غيره من ديار المسلمين.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج)

السابق
بعد ساعات من اللهب.. الأمطار تُبرّد قلوب اللبنانيين
التالي
النيران تلتهم لبنان.. والدولة تُلاحق ناشط سياسي!