السيد محمد حسن الأمين يدعو إلى التجدد الحضاري الإسلامي لإعادة الاعتبار للعقل والحريّة

لماذا نهض الغرب وتخلف المسلمون؟ سؤال يجيب عنه العلامة السيد محمد حسن الأمين في قالب فكري ديني ثقافي، يستند إلى قراءة خاصة مستخلصة من الواقع والتجارب.

ويجيب”: هذا الموضوع من الموضوعات الاستراتيجية التي أستند إليها وأصدر عنها كلّ ما فكرتُ وتعمّقت في طبيعة الأزمة التي يمرّ بها الإسلام بصورة عامّة، والتي تستند إلى يقين فكري ثقافي قرآني لديّ؛ لأنّ مفاصل الإسلام هو إحداث انقلاب فكري حضاري إنساني على هذا الكوكب الأرضي، إيماناً مني بأنّ الإنسان لم يخلق عبثاً وإنما لأداء مهمة وجوديّة كونيّة، وأعتقد أنّ مسيرة إنتاج الحضارة الإسلاميّة بعد رسول الله(ص)  لم تكن نتيجة قليلة الأهميّة، بل إنّ المؤرخ يلحظ ويشعر بكثير من الفخر والاعتزاز بما استطاع الإسلام أن يحقّقه عبر قرون قليلة من زمن البعثة، فقد استطاع أن ينشئ حضارة لم تكن لتتحقق لولا الرّسالة الإسلاميّة.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الإسلام جاء ليحرر الدين من الدين

وليس المجال هنا مجال التفصيل في المدى الواسع للعلوم والقيَم والتحوّلات الإنسانيّة التي تحقّقت عبر هذا الزمن القصير نسبياً، ثم ـ وكما نعلم جميعاً ـ أخذت هذه الحضارة بالانهيار والتراجع، وصعدت في مقابلها حضارات أمم وشعوب لم تكن شيئاً أمام حضارة الإسلام.

وثمّة ـ كما يعرف الكثير ـ سؤال طُرحَ في عصر النهضة الحديثة ـ أي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ـ هو: لماذا نهض الغرب وتخلف المسلمون؟

وفي رأيي أنّ هذا السؤال ما يزال مطروحاً، وأنّنا مطالبون بالإجابة عليه، ولا تتم هذه الإجابة بمجرد الدعوة للعودة إلى التراث، ولكنها تستلزم مع هذه العودة مناهج جديد مختلفة عمّا هو سائد، وإذا كنتُ أريد أن أوضّح ما أدعو إليه فإنّني أعود إلى جذور الحضارة الإسلاميّة إبّان ازدهارها، لأجد أنّ هذا الازدهار ولو أنّ قاعدته تستند إلى الوحي وإلى السنّة النبويّة إلا أنّه لم يكن مجانياً وبدون جهود عقلية جبّارة، استطاعت أن تنتج من هذا الوحي رؤيةً فكريّةً وثقافيّة مكّنتها من إنجاز هذا القدر الكبير من العلوم والآداب والفلسفة، وقيَم الاجتماع الإنساني، أي أنّ منشئي هذه الحضارة كان لهم من سعة الأفق والجرأة ما مكّنهم من إبداع رؤيتهم الخاصّة في فهم الوحي والمبادئ التي يتضمّنها، أي أنّهم كانوا مبدعين وليسوا متّبعين، وبمثل هذا المنهج ـ أي منهج الإبداع لا الاتباع ـ يمكن للمسلم اليوم أن يحلم بتجديد هذه الحضارة شرط أن لا يكون متّبعاً بل مبدعاً.

وهذا لا يتناقض مع احترام التراث والاستعانة به، ولكن دون أن يشكّل هذا التراث عقبة في سبيل تجاوزه ونقده والجرأة على نفي ما لا يصلح منه، والتفكير بقراءة معاصرة، وهذا يعني أنّ قراءة معاصرة للإسلام وللتراث سيكون من شأنها أن تجعلنا أكثر اهتماماً وتوجّهاً لمعرفة الحضارات المتجددة أو الجديدة، واستلهام العناصر التي مكّنت هذه الحضارات الجديدة من التفتح والازدهار، وسنجد بالتأكيد أنّ هناك عناصر مستلهمة من الإسلام نفسه، ومنها بل لعلّ أبرزها إعادة الاعتبار لقيمة العقل والحريّة، ففي فترة الانحطاط الإسلامي نلاحظ تراجع هذه القيمة وتصاعد قيَم التقليد والتقديس لما هو سائد وتحريم استخدام الحريّة في مناقشة حتى النصوص البشريّة، أي كأن المسلمين شعروا بأنّ ما تمّ إنجازه في القرون الأربعة الأولى من علوم ومعارف وفلسفات وفقه وعقائد .. هو نهاية المطاف، وأنّ على الأجيال التالية الالتزام الكامل بهذه المرحلة وقيمها ومفاهيمها، وأن لا داعي لإعمال العقل إلّا في استيعاب ما جرى إنجازه سابقاً.

اقرأ أيضاً: صعود وهبوط مستوى المسلمين.. السيد محمد حسن الأمين: لإعادة الإعتبار للنزعة العقلية في الفكر الإسلامي

إنني أدعو للتجدد الحضاري الإسلامي لإعادة الاعتبار للعقل والحريّة، وإلى إبداعٍ في مجال الفلسفة باعتبارها المعطى العقلي الذي يفتح أبواب المعرفة والإبداع أمام الإنسان.

كلّ الحضارات الحديثة استندت في نهضتها إلى هذا المدى الواسع من الحريّة وتقدير قيَم العقل، ونحن لا ينبغي أن نخاف من نتائج الحريّة الفكريّة وفكّ قيود العقل التي يرزح تحتها، حتى لو أدى ذلك إلى إنتاج ظاهرات سلبيّة، إلاّ أنّ الحريّة وانفتاح العقل سيؤدي بالضرورة إلى تصحيح ذلك، وإلى تكريس مناهج التفكير الجديد ذي الطابع الإبداعي في مقابل التفكير الاتّباعي.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج)

السابق
إحالة مخطوف الى القضاء.. يتاجر بالعملة المزورة والآثار
التالي
جون كيري.. الشاهد على «دبلوماسية» الاضطراب في الشرق الأوسط