بعد قصف «أرامكو».. هل حان وقت مراجعة السياسة السعودية؟

محمد بن سلمان
...خطوة جريئة أقدم عليها ولي العهد السعودي في حديثه عن قضية خاشقجي حين قال "حدث ذلك وأنا في موقع السلطة، أنا أتحمل المسؤولية كلها لأن ذلك حدث وأنا في موقع السلطة".

أهمية هذا الحديث تأتي من أنه صدر ونحن على أبواب الذكرى الأولى لقضية  الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي الذي كما هو معروف قتل بعد دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول بداية شهر تشرين الأول من العام الماضي، والتي لم تنته فصولا بعد ولا زالت سيفا مسلطا على رقبة النظام السياسي في السعودية  وموضع إبتزاز من قبل إدارة ترامب، وفي وقت يأتي العدوان الإيراني بغطاء حوثي معلن على منشآت آرامكو في المنطقة الشرقية من المملكة – وهو أمر له دلالته بإعتبار أن المنطقة الشرقية هي منطقة تواجد الأقلية الشيعية – يأتي هذا العدوان ليزيد الطين بلة بالنسبة لما تعانيه المملكة من تعثر في حربها باليمن وخاصة بعد التطورات الأخيرة في عدن والتي أظهرت ما يمكن أن يكون شرخا في التحالف السعودي – الإماراتي مهما حاول الطرفان التستر عليه.

اقرأ أيضاً: العراق: استبعاد الساعدي يضع «مكافحة الارهاب» في الجّيب الإيراني

في الوقت الذي تواجه فيه السعودية أيضاً حرباً ضروس على حدودها الجنوبية مع اليمن يسقط بنتيجتها لها قتلى وجرحى من الجيش السعودي والمدنيين، بالتزامن مع الهجمات بالطائرات المسيرة التي طالت عدة مواقع عسكرية ومدنية من مطارات وغيرها، يترافق ذلك مع ما يمكن وصفه بلا مبالاة أمريكية بما تكابده السعودية وهي المفروض أنها من أقرب الحلفاء إلى واشنطن في المنطقة بحيث تبدو السعودية وقد باتت تواجه لوحدها في الميدان العسكري في اليمن والمنطقة وخاصة بعد ما بدا أنه إنكفاء إماراتي غير معلن بعد تعرض بعض الموانئ والسفن الإماراتية لهجومات من إيران في الأشهر الأخيرة وزيارة مسؤول خفر السواحل الإماراتي بعدها إلى إيران  ما يدعو للتساؤل عن سبب وصول الوضع إلى ما هو عليه اليوم.
الواقع ومنذ ما قبل قضية الخاشقجي  والتورط السعودي فيها، لا ينكر منصف أو محايد التخبط والتهور في السياسة السعودية منذ تولي الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد في المملكة والتي جعلت منه الحاكم الفعلي للمملكة سواء في سياسته الداخلية والطريقة التي إتبعها في إعتقال أفراد من الأسرة الحاكمة وغيرهم من معتقلي الرأي ، أو في علاقاته مع محيطه كالذي حصل من حصار لقطر مثلا أو في طريقة تعامله مع أصدقائه في ما بات يسمى ازمة إستقالة الحريري، إلى الحرب التي تبدو بلا أفق أو نهاية في اليمن مع ما تحمله من مآسٍ لليمن أرضا وحكومة وشعبا . هذا التخبط والتهور السياسي للأسف لا يساعد المملكة في دفاعها عن نفسها على الرغم من بعض خطوات الإنفتاح الإجتماعية في الداخل السعودي والتي كان من الأفضل لو أتبعت بخطوات إنفتاح سياسية ولو محدودة في البداية داخليا وخارجيا بدل سياسة المواجهة مع المحيط العربي والإسلامي، وهي السياسة التي كانت عاملا مساعدا لخصوم المملكة لتشديد الضغط عليها  خاصة وأن علاقات المملكة قد تأثرت جراء هذه السياسات مع العديد من البلدان التي كانت تعتبر من حلفائها عادة مثل باكستان وماليزيا وغيرها من الدول فضلا عن علاقاتها الغير مستقرة مع عدد من دول الإقليم ومنها تركيا وإيران والعراق مما يجعل الكثير من الدول تستغل هذا الواقع وتتكالب على المملكة مستغلة طول فترة الحرب في اليمن وكذلك قضية خاشقجي كما هو حاصل اليوم.

اقرأ أيضاً: «إيران غيت» جديدة: «الأعدقاء» يهربون النفط.. والدولار «اللبناني» إلى سوريا!

من هنا وجب القول بضرورة مراجعة السياسة السعودية ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه في علاقات المملكة مع المحيط العربي الأقرب والمحيط الإسلامي الأبعد، ومحاولة وقف الإبتزاز الأميركي والتنمر والذي يظهر ويطفو على السطح مع كل أزمة تتعرض لها المملكة بدلاً من معاملتها كحليف وفي ولو بالموقف السياسي والدبلوماسي الحاد والجاد ، لا كما يفعل ترامب اليوم وكل همه أن يحاور إيران على حساب توتير الأوضاع في الخليج ليضع المملكة أمام خيارات صعبة. ونحن إذ نقول هذا إنما نقوله من منطلق محبة لا حقد ومن منطلق حرص على المملكة العربية السعودية ومكانتها ودورها، هذه المملكة التي بتنا نفتقد فيها للسعودية المتسامحة والعاقلة وصاحبة القوة الناعمة ، بل أكثر من ذلك بتنا نفتقد سلمان بن عبد العزيز الإنسان المنفتح والمحنك الذي طاف العالم في ثمانينات القرن الماضي حاملا معه تاريخ الرياض في معرض “الرياض بين الأمس واليوم” ليطلع العالم على التحولات الإيجابية في مدينته ووطنه. فأين نحن اليوم من السعودية التي نعرفها مملكة للخير والحكمة والتروي والتسامح؟

فهل يتدخل الملك سلمان ويأخذ بيد ولي عهده لمراجعة مواقف المملكة السياسية ليعيد تصويب البوصلة بما له من مكانة عالمية وتاريخ وحكمة ليجنب المملكة الأسوأ؟ وهل يكون تصريح ولي العهد اليوم حول قضية خاشقجي خطوة في هذا الإتجاه؟ نأمل ذلك لأنه في النهاية إذا تضررت السعودية فلا يظنن أحد في المنطقة أنه بمأمن من هذا الضرر.

السابق
طرق الموت تخطف ٤ قتلى.. خلال ساعات
التالي
«محمد السادس عشرون عاماً ملكاً» للكاتب والصحافي خيرالله خيرالله