فائض القوة عند حزب الله والمخاطر التي تواجهه

منذ خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في بنت جبيل في الذكرى الثالثة عشر لوقف العمليات الحربية الإسرائيلية في حرب تموز 2006 ، منذ ذلك الحين ويكثر مسؤولو حزب الله الحديث في الخطابات المعلنة عبر الإعلام المرئي والمسموع ، يكثرون الحديث عن فائض القوة عند حزب الله.

هذا الفائض الذي يتكون من التسليح النوعي الذي وصل إلى صواريخ بعيدة المدى ومتوسطة المدى وأخرى ذكية تطال كل بقعة من أرض فلسطين وثالثة مضادة للدروع تستطيع تدمير سلاح البر سيما دبابة الميركاڤا والتحصينات الإسرائيلية الحدودية المختلفة وتلك التي في عمق الأراضي المحتلة، إلى جانب المفاجاءآت التي يعد بها السيد نصر الله دائماً. وتقدَّر هذه الصواريخ بمئات الآلآف من الصواريخ المتفاوتة الأحجام والمهمات والتي تنتشر في معظم الجبال اللبنانية والمغارات والأودية والسهول والمواقع الاستراتيجية في مختلف المناطق اللبنانية وفي أماكن لا نعلمها، وبعضها كافٍ لتدمير الحدود الفعلية لما يُسمى بدولة إسرائيل والتي حددها السيد نصر الله في خطابه المذكور كحد أقصى بعشرين ألف كيلو متر عرضاً ومئة ألف كيلو متر طولاً.

فحزب الله لديه فائض قوة في عدد صواريخه التي ستمحو دولة إسرائيل الفعلية المذكورة عن الخارطة في ساعات دون حاجة للتدخل الإيراني والسوري ولبقية الحلفاء في المعركة…

اقرأ أيضاً: ما هو مصير «الاستراتيجية الدفاعية» بعد كلام عون عن تغيير التوازنات؟

كما أن حزب الله لديه فائض في القوة البشرية من مقاتلي التعبئة والمتفرغين والمتعاقدين، فهو بعد حرب تموز 2006 – وفي معلومات من مقربين – طلب منه الرئيس الإيراني السابق الدكتور محمود أحمدي نِجاد إعداد مئة وستين ألف مقاتل قادر على حمل السلاح فقام الحزب بإعداد مئتي ألف مقاتل من المتفرغين والمتعاقدين والتعبئة، وهؤلاء دخل نصفهم إلى سورية مع بداية الحرب الإقليمية ضد التكفيريين ما لبث أن انخفض هذا العدد في سورية إلى أقل من النصف مع تراجع التكفيريين وانكفائهم وفي ظل المخاوف من عمل عسكري قد تقوم به إسرائيل ضد لبنان مرة جديدة، ولعل عدد مجمل مقاتلي حزب الله وصل في الوقت الحاضر إلى ربع مليون مقاتل من المتفرغين والمتقاعدين وأفراد التعبئة، وهؤلاء تدربوا بين لبنان وإيران على مختلف فنون الحرب وتقنياتها ولا ينقصهم سوى طائرات حربية وتقنية تسليح جوية وإن كان تطور عمل مقاتلي الحزب شمل الاستفادة من تقنية طائرات الاستطلاع بدون طيار القادرة على حمل صواريخ حربية والقيام بمختلف العمليات التفجيرية على غرار ما قام به مقاتلو اليمن في مواجهة السعوديين والإماراتيين.

وبما سبق بيانه يكون جيش حزب الله في لبنان قد فاق تعداد مقاتليه عدد مقاتلي الحشد الشعبي العراقي بمرتين ونصف، حيث بلغ عدد مقاتلي الحشد الشعبي العراقي المئة ألف مقاتل من القادرين على القتال وحمل السلاح من مختلف الأعمار ومن مختلف المحافظات والديانات والطوائف العراقية، ففي الوقت الذي يبلغ عدد الشعب العراقي قرابة الثلاثين مليوناً والشعب اللبناني قرابة أربع ملايين يفوق عدد مقاتلي حزب الله في لبنان من الشيعة فقط مرتين ونصف عدد مقاتلي الحشد الشعبي العراقي الذي ينتمي إليه مقاتلون من كل الديانات والطوائف والأطياف العراقية! فهذا هو فائض القوة البشرية التي يتحدث عنها مسؤولو حزب الله في الأيام القليلة الماضية، والحزب في تشكيله لفائض القوة هذا عمل برأي مؤسس أفواج المقاومة اللبنانية الإمام المغيب القائد السيد موسى الصدر الذي كان يدعو لتحويل المجتمع اللبناني إلى مجتمع حرب لمواجهة مطامع إسرائيل بأرض لبنان ومياهه وثرواته.

فدعامة فائض القوة هذا – إذاً – هي عند حزب الله تتمثل بالقدرات الصاروخية والبشرية كما هو بات واضحاً ومعلوماً.

ولكن هذا الفائض يواجه مخاطر كثيرة منها خطر الهجرة، فهناك في السنتين الماضيتين ما يقرب من خمس وستين ألف شاب وشابة من خريجي الجامعات اللبنانية المختلفة هاجروا إلى دول العالم سعياً وراء أسباب المعاش، وهناك أضعاف هذا العدد منهم ينتظرون الفرصة المماثلة لهجرة البلد، مما يدعو الحزب إلى إيجاد فرص عملٍ للشباب والشابات لوقف نزيف الهجرة.

ومن هذه المخاطر آفة تعاطي المخدرات التي ازدادت نسبتها في السنة الماضية بين طلاب المدارس والجامعات ومختلف الشرائح الاجتماعية خصوصاً بعد الحديث عن قوننة زراعة الحشيشة مما بات يُهدد بانحلال القوى الشابة في الداخل بمعدلات غير مسبوقة في تاريخ لبنان ، حيث ارتفعت نسبة مراجعي مراكز تأهيل المدمنين – القليلة عدداً في لبنان – وذلك لغرض الإقلاع عن الإدمان ، كما زادت نسبة المحكومين بالإدمان والاتجار بالممنوعات في مختلف السجون اللبنانية !  فهذا خطر آخر يهدد فائض القوة البشرية لحزب الله مما يدعوه لتفعيل الدروس التوجيهية بالاستفادة من علماء الدين الشيعة المستقلين الذين نفاهم الحزب اجتماعياً وعددهم قرابة ربع معممي الشيعة اللبنانيين ، وهم يمتلكون فضيلة علمية وفقهية أكثر بكثير من معممي الحزب الذين كان يعبر عنهم الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين دائماً بقوله: هم: “بالزي الكامل مع القليل من العلم”.

اقرأ أيضاً: عن أسئلة المواجهة وحساباتها بعد حساب السيد نصر الله لمساحة «دولة إسرائيل» في خطابه الأخير..

ومن المخاطر – أيضاً – جفاف بعض منابع حزب الله الاقتصادية مما دفعه لقطع الكثير من مساعداته المادية من مالية وعينية لمختلف الشرائح وللتوقف عن كثير من التقديمات الاجتماعية، وهذا بدوره يهدد بتفرق جزء من فائض القوة البشرية عند الحزب وهذا بالتالي يدعو الحزب للبحث عن منابع مالية بديلة على الفور، أو لتحسين أدائه الأخلاقي لاستيعاب الناس ففائض القوة تسبب بنزعة فوقية يتعالى بها الكثير من مسؤولي الحزب على قواعده الشعبية فضلاً عن غير الحزبيين.

وهناك مخاطر أخرى ترتبط بسلوكيات بعض مسؤولي الحزب وببعض أنماط تعاطيه مع مخالفيه في الرأي في الدائرة الشيعية وبخصوماته القديمة مع بعض العلماء والمفكرين والمثقفين وغير ذلك مما يدعوه لإعادة النظر في حساباته بهذا الخصوص لما لكل هؤلاء من تأثير فكري واجتماعي وثقافي يساعد على ازدياد نسبة معارضي نهج الحزب في الداخل. ولمواجهة الجزء الأكبر من هذه المخاطر وغيرها لا بد لحزب الله أن يعود بقوة لمنطق الدولة لا الدويلة ضمن الدولة ليتمكن من معالجة الملفات الحياتية فيما بقي من الدولة، وليحول دون المخاطر المذكورة التي هي تهديد يومي ومستمر لفائض قوته على المستوى البشري الذي له ما له من تداعيات على قدراته التسليحية، فالسلاح يحتاج إلى الرجال ليُحتسب في فائض القوة فبدون الرجال لا يمكن حسابه في فائض القوة فهو زينة الرجال كما كان يُردد مؤسس المقاومة في لبنان الإمام المغيب القائد السيد موسى الصدر، والرجال هم البيئة الحامية والحاضنة للسلاح كما نردد دائماً.

السابق
قرار رسمي: لا ألقاب في التخاطب والمراسلات الإدارية
التالي
«القوات» ترد على بري: «لو»