المولدات الكهربائية ووضع السكان في منطقة جنوب لبنان

لطالما شكلت أزمة الكهرباء في لبنان أحد أهم هواجس المواطنين اللبنانيين ومطالبهم في آن واحد، في ظل الأزمات وتناقص إنتاج، وشح الكهرباء ما يعني المزيد من التقنين لأسباب اقتصادية وسياسية بالدرجة الأولى ومواد أولية بالدرجة الثانية، فكانت المولدات الكهربائية الحل البديل أمام المواطنين. ولكن هناك أسئلة كثيرة تتمحور حول هذا العنوان العريض.

توجهنا أولاً لأصحاب المولدات للبحث عن بعض الاجابات بأسئلة بدت عادية جدا، ولكنهم تحفظوا عن الاجابة بعد أن أبدو استيائهم، موضحين أن السبب هو أن المعلومات التي نطلبها هي خصوصيات عملهم ولا يجوز الإجابة عنها.

لكننا توجهنا إلى الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية و مختلف المناطق، أيضاً رفضوا الإفصاح عن هوياتهم او هويات قراهم خشية الوقوع في مشاكل، لكننا سنحاول طرح بعض الشهادات الحية لإستنتاج بعض الحقائق.

اقرأ أيضاً: قطاع إشتراكات الكهرباء في لبنان أقوى من الدولة

شهادات حية

يقول رجل عامل (54 سنة) وهو معيل لعائلة من ثمانية افراد في منطقة من ضواحي صيدا:

“أنا لدي عائلة من ثمانية افراد، بناتي في الجامعات لذلك الانترنت جزء مهم من حياتهم الدراسية، هذا أحد الأسباب التي لا أستطيع التخلي عن الاشتراك في خدمة المولدات الكهربائية من أجله، وضعي لا يسمح   لي بأن أشترك بأكثر من ه أمبير، هذه الكمية طبعا لا تكفي، تسمح لنا بإضاءة المنزل، بالإضافة إلى ثلاجة و تلفزيون و انترنت، بالنسبة لنا هذا  لا يكفي، لأنه يعني انه لا يتسنى لنا الاستحمام او الغسيل إلا عندما تتحول إلى ( الكهرباء العادية) حيث نشغّل الغسالة وسخّان المياه، الأسعار في تغير مستمر، بدءا من تسعين ألف ليرة لبنانية ال مئة و خمس و ثمانون ألف ل.ل.”.

وتوضح فتاة عاملة (31 سنة) تسكن لوحدها في قرية قريبة: “بما أني أسكن لوحدي، أحاول أن أكتفي ب ٥ أمبير فقط، مما يسمح لي بإضاءة لمبتين، و ثلاجة، وتلفاز, و شمعة مدفأة واحدة، بمجرد إضاءة اللمبة الثالثة تفصل الكهرباء، أدفع 110000 ليرة لبنانية مقابل ذلك، وهذا كتير  بالنسبة لي، الأسعار قد تفوق ذلك بكثير في الصيف، وأنا شخصياً  أجبرت على توقيع تنازل عن العداد مقابل تزويدي بخدمة المولدات الكهربائية، واضطررت إلى توقيعها حيث أن هناك مزود وحيد للكهرباء في القرية التي أسكن فيها”.

فتاة جامعية (22 سنة) أخرى تسكن مع أهلها في قرية قرب الصرفند تشرح وضعها: “بالطبع نحن لا نستغني عن خدمة المولدات الكهربائية، خصوصا بعد التقنين بالكهرباء, أهالي القرية إجمالا يدفعون 150 دولار شهريا مقابل 7 أمبير لكل منزل، يكفي لإضاءته، بالاضافة الى ثلاجة وغسالة وتلفازو انترنت.

شؤون جنوبية171

وتشرح امرأة عاملة (32 عاماً) تسكن مع زوجها العامل وأولادها الثلاثة في صيدا معاناتها: “أعتقد أننا كآخرين غيرنا نشترك بخدمة المولدات الكهربائية ب 5 أمبير فقط معظم أيام السنة لتشغيل الأساسيات، ولكن نضطر الى زيادة الاشتراك إلى 10 أمبير في أشهر الصيف كي نشغّل مكيف واحد فقط، أنا شخصيا لا أفضل تركيب عداد لأنني أظن أن أصحاب المولدات سيجدون طرق أخرى لاستغفالنا و طلب نفس الكلفة التي ندفعها الان، فأنا أفضل أن أحصل على الكهرباء في كل أيام الشهر على ألا تقطع عني قبل نهايته، نحن لا نستطيع العيش بدون كهرباء. أظن انه من المعيب أن دولة كلبنان في العام 2019 لا تستطيع تزويد مواطنيها بالكهرباء في حين أن دول أخرى تزود كل منزل بمواسير غاز وحرارة، أما الكهرباء فهي خدمة اساسية لا تنقطع”.

وفي مخيم عين الحلوة تقول إحدى النساء (36 عاماً): “أنا اعيش مع عائلتي، انا وابي العاملان الوحيدان في المنزل، بالطبع نحن مشتركين شهريا بخدمة المولدات الكهربائية، لا أعلم اذا ما كانت اسعار الاشتراكات داخل المخيم أغلى أو أرخص من خارجه، أظن أن الامر متعلق بأصحاب المولدات، ولكن أعتقد أن أصحاب المولدات داخل المخيم لا يلتزمون بالضرورة بتسعيرة الدولة, أما عنا نحن فندفع 100$ شهرياً مقابل 5 أمبير من الكهرباء، وهي كمية تسمح لنا باضاءة المنزل بالاضافة الى الثلاجة و التلفاز. لكن هذا يعود فقط لقدرتنا المادية على تحمل المبلغ، ولكنني أعرف جيدا أن في كل حي عائلة واحدة على الأقل غير مشتركة بخدم المولدات كونهم تحت خط الفقر، ومنهم من يشتركون فقط ب 2.5 أمبير لضرورة الانترنت والاضاءة كي يستطيع أولادهم الدراسة، ولكن أهالي المخيم من هذه الناحية يحاولون تقديم يد المساعدة للعائلات غير المشتركة، عادة يمد الجار وصلة كهرباء تسمح لجاره لاضاءة لمبة واحدة فقط، و قد يعطيه كلمة مرور الانترنت أحيانا. أخيرا لا أظن أنه يخفى عنكم سرا موضوع سرقة الكهرباء، حيث يقوم بعض الافراد بجرح أسلاك الكهرباء و حقنها بابر ماء وملح، ولكن من يلومهم، الناس تريد أن تعيش”.

اقرأ أيضاً: مولدات كهرباء دير الزهراني عائلية… ومطالبات بتسليمها للبلدية

خلفية اقتصادية واجتماعية

يمكن القول أن في جنوب لبنان خصوصا منطقة صيدا و ضواحيها معظم السكان المشتركين بخدمة المولدات الكهربائية يدفعون ما يتراوح بين 90000 ليرة لبنانية والـ 190000 ليرة لبنانية مقابل 5 أمبير من الكهرباء، والأسعار ترتفع و تنخفض وفقا للمتغيرات, مثلا في حال تواجد مصدرين موزعين للكهرباء في نفس المنطقة تنخفض الاسعار بسبب المنافسة, أما عند وجود محتكر للكهرباء فيفرض شروطه على المشتركين كالتوقيع على تنازلات عن العدادات كونها قد تشكل خسارة عند البعض ولكن غالبا تم عرض موضوع العدادات على المواطنين في معظم المناطق وترك الخيار لهم, أما فيما يتعلق بالدولة فهي ترى أن العداد من مصلحة المواطن فهي تساعده على مراقبة صرفه وتوفير ثلث المبلغ، ولكن نعود الى نقطة ان ال 5 أمبير كانت تكفي لتشغيل فقط أهم الاساسيات لاي منزل، فاذا كان الاصلاح الإداري لشركة الكهرباء شبه مستحيل في الاونة القادمة لاسباب سياسية واقتصادية – فتجدر الاشارة ان “اجمالي عجز الكهرباء المتراكم بلغ خلال الفترة الفائتة ما بين عامي (1992 – 2017) حوالي ستة و ثلاثين مليار دولار امريكي”، كما أن هناك المصالح المشتركة بين كل من الدولة وأصحاب المولدات، فالدولة تبيع آلاف صفائح المازوت لأصحاب المولدات-،  اذا على الأقل عليها خفض سعرها او الغاء الضريبة عليها، وبالتالي تخفيض أسعار الاشتراكات على المواطنين ما يمكنهم من الاستفادة من امبيرات اكثر, تسمح لهم بتشغيل ما قد يسهل حياتهم, فالطبقة الفقيرة يصبح باستطاعتها الاشتراك في خدمة الكهرباء، و الاحسن حالا يصبح بامكانهم تحسين معيشتهم وحياتهم اليومية، ولكن المؤسف أن ما يصب في مصلحة السكان قد لا يصب في مصلحة أصحاب الأموال والمشاريع التي توفر الخدمات الاساسية لحياة المواطنين.

(هذه المادة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” العدد 171 ربيع 2019)

السابق
ازدواجية مفهوم الدولة لدى حزب الله.. وكذلك السلطة اللبنانية؟
التالي
قرار للقاضي العقاري في النبطية بإجراء مسح للاراضي المحتلة في ميس الجبل والمتاخمة للحدود مع فلسطين