ورشة استنهاض الدولة في «المجلس الجنوبي» لعام كامل

محمد علي مقلد
ألقى الدكتور محمد علي مقلد كلمة عشاء المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، تعرض فيها لدور المجلس الذي كان نتاج المرحلة الشهابية، وأعلن في كلمته عن ورشة عمل خلال عام وتتركز على موضوع استنهاض مفهوم الدولة ولأهمية الكلمة والمناسبة تنشر "جنوبية" كلمة الدكتور مقلد.

أيها الأصدقاء
أصدقاء المجلس الثقافي وأصدقاء حبيب صادق
يسعدني، باسم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي وهيئته الإداريةوأمينه العام، أن أرحب بكم في هذا اللقاء السنوي على حفل العشاء، وأن أتوجه أليكمبأسمى آيات الشكر على حضوركم ودعمكم المادي والمعنوي واحتضانكم الدائم لمسيرة المجلس الثقافية.
واسمحوا لي أن أنقل، باسم الحاضرين في هذه القاعة، تحية التقدير والحب والاحترام لأستاذنا الحبيب حبيب الذي ما كان لهذا الصرح الثقافي لولاه أن يستمرمن غير انقطاع ، منذ أكثر من نصف قرن؛ ومع أن البعض أطلق على المجلس تصنيفاً يضعه في عداد الإقطاع الثقافي، بحجة وجود نواقص في تجربتنا الديمقراطية. غير أنه وللأمانة، ما كان لأحد منا، لأي واحد ممن تعاقبوا على عضوية الهيئة الإدارية، لا بمفرده ولا لنا مجتمعين، أن نوفر للمجلس من ديمومة في أنشطته وحضوره والتزاماته الثقافية والفكرية والسياسية ما وفره له حبيب.

اقرأ أيضاً: مؤسسة هاني فحص تكافئ نفسها بطارق متري

كما أننا، للحقيقة، نعتز بتجربة المجلس الثقافية الرائدة، لأنها واحدة من ثمار المدرسة السياسية الشهابية ولأنها الوحيدة التي استمرت من ستينات القرن الماضي إلى اليوم، ولأن المدرسة التي نشأت في ظلها أثبتت أنه الوطن يمكن له أن يتأسس وينمو ويترعرع، وأن يستمر موحداً في ظل القيم الإقطاعية، وأن حكم الميليشات العسكرية والسياسية هو وحده الذي دمر ويدمر ويحاصص وينشر في الأرض الفساد ويربي الأجيال على الفساد.
كما أننا نعتز بتجربة المجلس الثقافي للبنان الجنوبي الفريدة التي، في استمراريتها كمؤسسة ثقافية ناشطة على امتداد نصف قرن ونيف، لا يشبهها أحد ولا تشبه أحداً. أما عن استقلال قرارها، ونحن في غمرة الاحتفال بعيد استقلال الوطن، وعن مضيها قدماً، بلا كلل ولا ملل، ضد متاريس الطائفية وهدامي هيكل الثقافة الوطنية، فلا يسعنا إلا توجيه التحية لقلة نادرة من الشجعان رافعي راية الاستقلال الثقافي والسياسي في بلادنا.
غير أن الذين يشبهوننا ويمنحوننا الدعم ويحيطوننا بالرعاية والاهتمام، هم الأغلبية الساحقة من النخب اللبنانية(لا من الناخبين)، من نخب المثقفين والعلمانيين وأصحاب الكفاءات والمتمسكين بالقيم الأخلاقية والوطنية وبمعايير السياسة النظيفة والأكف النظيفة والسجلات العدلية النظيفة، وأنتم الحاضرون بعض هذه الأغلبية التي لا تكتب هويتها، كما يفعل بلطجية النظام، بالدم وتنظيم الحروب الأهلية، بل بالحبر والعلم والانتماء إلى الوطن من بابه لا من نوافذ تفتحها الميليشيات للنهب والمحاصصة والتخريب.

هذا اللقاء ليس فحسب مناسبة لدعمكم المجلس بالحضور والمشاركة . بل هو أيضاً تحضيراً لتكريم أمينه العام حبيب صادق. وإذا كان حبيبنا يأنف من كل أنواع التكريم الرسمي، فلن يبخل علينا بالموافقة على تكريم ينظمه ويحييه من شاركه في مشواره الثقافي من المؤسسات الوطنية، كاتحاد الكتاب اللبنانيين والنادي الثقافي العربي والحركة الثقافية انطلياس، ومنتدى الفكر التقدمي والمجالس الثقافية في سائر المناطق اللبنانية وأندية الجنوب الثقافية وعلى رأسها نادي الشقيف، ومن رعاهم في رحاب المجلس من الفنانين والشعراء والكتاب والمفكرين اللبنانيين والعرب، ومن شاركه في مشواره السياسي من أحرار السياسة، من السياسيين الأحرار، في الحركة الشعبية الديمقراطية التي أسسها في مواجهة المحادل الانتخابية، وفي المنبر الديمقراطي الذي تلاقت فيه كل قوى السيادة والحرية والاستقلال.

أيها الأصدقاء
الوطن يحتاج إلى ورشة تنقذه من براثن النهّابين والمرابين، ولا حل إلا بالدولة. الدولة الديمقراطية التي تنظم الاختلافات وتحمي التنوع وتصون الخصوصيات الثقافية والدينية، الدولة التي تصون الحريات وتعزز الانتماء إلى الوطن بدل الولاءات ما دون الوطنية والولاءات ما فوق الوطنية. الدولة، دولة القانون والمؤسسات، هي وحدها القادرة، بقوة القانون لا بقوة السلاح، على وضع حد فاصل بين الوطنية وتجار الوطنية، بين الدين وتجار الدين، بين السيادة ومنتهكي الدستور.
من أجل ذلك سنسعى إلى استشارة أهل الرأي والحكمة والنزاهة والاستقامة وأهل التجربة، لننظم معاً نشاطنا الثقافي لهذا الموسم ليكون عامنا الثقافي في المجلس عام إستنهاض لمفهوم الدولة، آملين من الحريصين على إعادة بناء الوطن والدولة، أفراداً ومؤسسات مجتمع مدني، حاضرين في هذه القاعة أو غائبين، المساهمة في صوغ الاقتراحات والتعاون لتنظيم ورشات نقاش شهرية يشارك فيها أصحاب التجارب الناجحة ممن يملكون الرؤية والتصور الواضح لكيفية الخروج من مأزق نظام المحاصصة، لعل عملنا هذا يكون هديتنا الثقافية لهذا الوطن الجريح.
عشتم وعاش الوطن

السابق
انتخابات نقابة الصيادلة: صراع بين الحزبيين والمستقلين
التالي
الفاتيكان يحذر لبنان.. الأسد سيبقى ولا عودة للنازحين