الدرّاجات النارية المخالفة… دوامة في نفق مظلم

الدراجات النارية المخالفة
مافيا استيراد قطع الدراجات النارية في لبنان تطيح بقانون نظام السير والسلامة العامة، "جنوبية" تفتح هذا الملف والضاحية نموذجا.

“هذه الدراجة مسجلة؟
يجيبني: ليست سيارة لأسجلها!
وأين الخوذة؟
“الحامي الله”.
يردد منطلقا بدراجته النارية بعد توقف قسريّ، أجبرته عليه سيارة ركنت فجأة أمامه، وكاد ان يصطدم بها او بعابر آخر او ربما بعمود كهربائي.
هو الموت يأتي على عجلتين، والحامي هو الله، في بلد لا تطبيق لقانون سير فيه يحمي المواطن.
فالتجول سيرا او بسيارتك في الضاحية الجنوبية لبيروت يستدعي استنفار حواسك وحالة التنبه القصوى، لئلا تقع ضحية صدم من قبل درّاج ناري يستخدم كل مهاراته في تقنية المناورة والالتفاف بين السيارات والمارة بسرعة جنونية، غير آبه لسلامته قبل التفكير بك وبحالك، فيزعق خلفك وحولك ولا يُنجيك من هول الصدمة الا سماع أزيز محرّكه الصادر عن بعد.
فبعد عمليات النشل والمخالفات بالجملة، منها عدم ارتداء الخوذة والمرور عكس السير والاستعراض البهلواني وصدم أبواب السيارات لدى فتح السائق الباب، وحتى عدم حيازة الاوارق الثبوتية او اشارات ضوئية لا فرق عنده طالما هو يسير فعين الله ترعاه.
فالدراجة النارية المخالفة ليست سوى”خردة” يستحيل تسجيلها لعدم استيفائها الشروط الميكانيكية والقانونية اللازمة.
والسؤال المعضلة: كيف ذلك؟ ومن هم المنتفعون؟
وسيلة النقل هذه تستدعي تشجيع استخدامها لجهة تخفيف استهلاك الوقود وزحمة السير وحملات وزارة الداخلية لقمع المخالفات، تحوّلت الى لعبة تشبه المطاردة بين القط والفأر.
وبين قرار منع الدراجات النارية في صيدا نهائيا عقب اغتيال القضاة الأربعة وحتى وضع خطط اخرى كتطبيق عدم سيرها ليلا، بين السابعة مساء والخامسة فجرا، وإقامة حواجز المصادرة ضمن خطة “اليوم الأمني”، يبقى قرار تنظيم هذا القطاع بشكل رسمي معلقا الىحين، في بعض المناطق وخاصة الاكثر اكتظاظا وشعبية.
ولكن ما هي قصة آلاف الدراجات النارية غير المسجلة لدى ادارة السير او بالاحرى التي تدخل السوق بأسعار تبدأ بخمسين ألف ليرة لبنانية!
وزير الداخلية السابق مروان شربل، يقول:”اكتشفت هذه المشكلة ووجهتُ كتابا للجمارك حيث يتم استيراد قطع دراجات صغيرة وقديمة ويتم تجميعها وبيعها بأسعار تصل الى سبعين ألف ليرة لبنانية، وتكون تكلفة تسجيلها حتما أكبر من ثمنها، لذلك عندما تصادر يفضل صاحبها عدم استرجاعها بل شراء أخرى”. ويتابع”عندها اجتمعت مع هيئة الجمارك في الوزارة وطلبت منهم التوقف عن استيراد هذه القطع لاننا نلم “زبالة” العالم وندخلها الى بلدنا ويجري الاستفادة منها دون رقابة وهي بالطبع تكون غير صالحة للسير وغير قانونية ليتم تسجيلها، اما الدراجات الجديدة والحديثة الصنع ويكون ثمنها مرتفعا يضطر صاحبها لتسجيلها كي لا تتم مصادرتها، وقد اصدرت قرارا يقضي بعدم تسليم الدراجة الا بعد تسجيلها”.

وزير الداخلية السابق مروان شربل

ويؤكد شربل ان “الحل الجذريّ هو التوقف عن استيراد هذه القطع، وقد طلبت حينها ذلك من الجمارك، ولكن هذا الموضوع يحتاج الى المتابعة حاليّا”.
ويلفت شربل الى ان الفوضى ومخالفات الدراجات النارية “لا تقتصر على ضاحية بيروت وهي، أي المخالفات، موضع ملاحقة من القوى الأمنيّة الفعّالة في كافة المناطق اللبنانية نظرا لما تلحقه من ضرر أمني وإجتماعي”.

اقرأ أيضاً: الدراجة النارية ليست آفة.. والدرّاج اللبناني له حقوق وعليه واجبات

خطة ضاحيتي…
وللوقوف على رأي البلدية حول الأمر، وضمن حملة “ضاحيتي” لتنظيم حركة المرور في الضاحية وتجميلها، تواصل موقع “جنوبية” مع رئيس إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام، وانتظرنا الرد على اسئلتنا الموّجهة بهذا الخصوص، فلم نلق تجاوبا، بعدها قصدنا نائب رئيس بلدية حارة حريك أحمد حاطوم، وكان له تصورآخر للمشكلة ورأيه في الحل، وهو يعتبر أن جوهر المشكلة يكمن في “تعقيدات القانون وطرق تطبيقه خاصة لجهة الاجراءات” التي تستهلك الوقت ولا تؤدي الى نتيجة او حل.

نائب رئيس بلدية حارة حريك أحمد حاطوم

ويقول: “إذا سُمح للمواطن الفقير باستيراد دراجة نارية ثمنها أقل من تكلفة تسجيلها فهو سيعمد الى شرائها، وفلسفة محضر الضبط هي بالأساس لعدم تكرار المخالفة الا انها ليست مجدية ولا تشكل أي رادع”. ويقترح”توقيف المخالف لمدة ثمانية وأربعين ساعة” او “خفض تسجيل الدراجة النارية لتتناسب مع وضعه المعيشي”.
ويضيف، حاطوم”تكمن المشكلة في طرق تطبيق القانون بحيث يكون المخالف على علم مسبق باليوم الامني وهو أمر مستهجن”.
ولكن أين تذهب الدراجات الناريّة المصادرة، وهل يتم بيعها في السوق بوضعها المخالف مجددا؟ لا يؤكد ولا ينفي حاطوم هذه العملية، ويتساءل “ما النفع، يتم مصادرة فوج، فيدخل فوج آخر، وندور في الحلقة ذاتها”.
ويختم”ضبط الموضوع هو في يد القوى الأمنية وجدّيتها، وما يُحكى عن قوى أمر واقع هو من باب المبالغة”؟

زياد عقل
رئيس ومؤسس الـ”يازا” زياد عقل

رئيس ومؤسس الـ”يازا” زياد عقل، يعتبر ان نسبة الدقة في احصاء وتسجيل ضحايا الدراجات النارية لا تكون دقيقة بالمجمل، والسبب في ذلك الى ان ما نسبته 80% من الدراجات النارية في لبنان غيرمسجلة بشكل قانوني. وبالتالي لا تحمل لوحات او ارقام وعند حصول حادث يتسبّب بجرح او وفاة أحدهم، لا يتم الإعلان عنه لعدم شرعية الدراجة، وتفاديا للدخول في الاجراءات القانونية المترتبة على ذلك لناحية غرامات الضبط والحجز”.
ويقول عقل”ان ذلك يخلق فوضى عارمة لدى كل الاطراف المعنيّة من قوى أمن وجمعيات ومنظمات توعية”.
حال الفوضى والتسيّب في قطاع السير يعكس يوميات وحال المواطن اللبناني ومعاناته، وأي ملف معيشي آخر يفتح سيطوى حتما على معطيات وارقام تنضح بالفساد والهدر والمحاصصة، والسؤال الى متى الاستهتار بسلامة المواطن وحقوقه؟

السابق
عون سيتسبّب بفراق انتخابي بين «أمل» و«المستقبل»
التالي
لائحة المصارف التي تمنح قروضاً لمشاريع الطاقة المتجددة في لبنان