أبعد من قانون السير.. كراهية اللبنانيين للنظام

قانون السير الجديد
وحّد قانون السير الجديد اللبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب والأطياف في تصدّيهم له حتّى قبل البدء بالعمل بالقانون الجديد. وهذه ظاهرة تستحق الوقوف عندها.

بعيدا عن التفاصيل، وما يحتويه قانون السير الجديد وما فيه وما عليه، وبدون الغوص في فقراته وغراماته ومن دون الخوض في الهوية السياسية لهذا القانون ومصدره ومن يقف خلفه ومن يقف امامه ومن دون الكلام عن اهميته او ضرورته، وبغض النظر عن اللحظة التي فيها ولد، وطبيعة هذه الولادة قيصيرة كانت او طبيعية..

بعيدا عن كل هذا وذاك، نستطيع القول وبالفم الملأن ان هذا “القانون” استطاع بما يشبه العجيبة ان يوحّد اللبنانيين من شتى المشارب والاتجاهات وعلى اختلاف منابعهم المذهبية او المناطقية وحتى السياسية، جعلهم يقفون صفا واحدا كالبنيان المرصوص (وهي من المرات النادرة جدا) في مواجهته والتصدي له وجعله محلا للتهمة والتجريح وحتى الاستهزاء والتجديف وصولا الى ما يشبه الاتفاق الجمعي المنطلق من اللا وعي اللبناني على ضرورة اسقاطه او حتى السعي من اجل قتله من قبل حتى ان يبصر النور فعليا.

هذه الظاهرة “التوحيدية” اعتقد انها جديرة بالتوقف والدراسة والتأمل، لانها تخبر بشكل واضح عن التركيبة السيكولوجية عند اللبناني وطريقة تفكيره، هذا من جهة ومن جهة اخرى نتلمس مرة جديدة عن الدورالسلبي الذي يلعبه الاعلام لبناني ومدى قدرته على التأثير في الرأي العام وما يعكسه هذا الاعلام من وظيفة مبتذلة عندما يتحول الى مجرد صدى لرغبات المشاهدين بدل ان يكون حامل رسالة توجيهية تخدم مصالح المجتمع والمواطن.

فقد اثبت اللبنانيون على انهم معادون لفكرة النظام ومركّبون على رفض سلوكيات الانتظام وبالتالي فان اللبناني كائن فوضوي يعشق التفلت ويهوى عدم الانضباط.

وباعتقادي هذا هو جوهر المشكلة في المجتمع اللبناني ومن هنا فقط يمكن ان نفهم هذا التخبط الكبير الذي نعاني منه في عدم المقدرة، بل قل عدم الرغبة في احداث تحول نوعي على مستوى التغيير والاصلاح السياسي ومن هنا يمكن ان نفهم هذه الازدواجية عند المواطن اللبناني الذي لا يبرح من التذمر و”النق” و”ويني الدولة” ومن ثم هو نفسه يعيد اسباب ومقدمات مشكلاته عبر اعادة انتخاب نفس الطبقة السياسية مرة تلوى الاخرى.

وفي هذا السياق لا بد من الاشارة ان ثقافة الفوضة التي تعشعش في عقول اللبنانيين انما هي نتاج مناهج تربوية تبدأ من المدرسة وصولا الى البيت ولا تنتهي الا عند الاحزاب، ففي كل من هذه المحطات الثلاث لا تعمل الا في زيادة شحنة التفلت من القوانيين وتقليص مساحة الانضباط وعدم انتاج مواطن “قانوني”.

وبالطبع فان المسؤولية الاكبر هنا تقع على كاهل الاحزاب السياسية التي تؤمّن لمحازبيها ملجأ ومقصدا يتوجه اليه المخالف عند وقوعه في جرم خرق القوانين، مما يعني ان في اللا وعي اللبناني لا قيمة حقيقية لمترتبات القصاص طالما هو مستند الى حصن منيع يحميه منها بمجرد احتسابه على واحد من الاحزاب الفاعلة، وفي الختام فان هذا التسونامي الرافض لقانون السير الجديد انما هو مؤشر حقيقي اضافي على بؤس حالنا الذي لن يغيره الله ما لم نغير نحن ما بانفسنا .

السابق
بالفيديو:كلب شرس ينهش طفل وهم يضحكون
التالي
التغيير في السعودية بمثابة ولادة ثانية؟