الشاطر والمشطور وبينهما الكامخ الإيراني

نص نشرته الإعلامية سحر الخطيب عبر صفحتها الخاصة فيسبوك...

عبثاً حاولت أن أفهم لما أسقط المتظاهرون في إيران “العراق” من حساباتهم الاحتجاجية.. لا غزة ولا لبنان قالوا . واتركوا سوريا… حسناً ولكن لماذا ليس العراق، العراق الذي قض مضاجع كل حكام الثورة وقيل أن كل ما فعلته ايران بعد حرب الخليج الأولى كان من أجل إسقاط ما مثل لها العراق يوماً من تهديد؟ وحده الكاتب الأردني معن البياري انتبه الى ما تم إسقاطه، ونوعاً ما فرحت حين رأيت أني لست وحدي في دوامة السؤال هذا.
عموماً، قرأت لكتاب عرب وأجانب وما زلت حتى اللحظة راقدةً على سؤالي عبثاً. خرجتُ بأرقام أفظع ما فيها أنها سيقت خطأ على تلفزيونات عربية مرموقة. في نشرةٍ ما، من أمسٍ ما، يقول تقريرٌ ان نسبة من هم تحت خط الفقر في ايران تبلغ أربعين مليونا!!! اي نصف الشعب الإيراني!!! رغم ان الرقم الحقيقي الموثق رسمياً هو ١١ مليوناً. ثم غزلت يدُ كاتب معروف عن الاقتصاد الإيراني، حتى يخال المرء ان روحاني قد خسف الأرض باقتصاد بلاده، رغم ان جولة سريعة على مراكز الدرراسات كانت يمكن ان تعلمه درساً بأن الرجل استلم اقتصادا متدهورا بلغت فيه نسبة التضخم من سلفه محمود احمدي نجاد ما نسبته 40% وتمكن من تحقيق تقدم في ذلك، بل انه حقق نمواً اقتصادياً بنسبة 5٪‏! طبعاً ثمة قراءات اقتصادية عميقة حاولت ان تشرح ما يحدث حقيقة في ايران وكيف ان روحاني عجز عن تحقيق تقدم في ما يسمى “الاقتصاد الشامل”.. أما الشرح المبسط لذلك فيعني ان الحكومة الأيرانية قد حققت تقدماً انعكس في دوائر محدودة ولم يطل الشعب بتاتاً . أفضل معلومة وضعتها في جعبتي هي أن الميزانية العسكرية لإيران قد زادت بنسبة 145% عما كانت عليه بداية عهد روحاني فيما ينهش الفقر الملايين!

إقرأ أيضاً: معركة إيران.. لن يأتي التغيير سهلاً، ولا سلمياً، ولا قريباً

كتب تيّم آرانغو في نيويورك تايمز في الصيف الماضي تقريراً جميلاً عن العراق وإيران.. زار الرجل بلاد الرافدين ليجد ان معظم رفوف حوانيتها قد ملئت ببضاعة إيرانية…. حتى لبن البقر إيراني! ويتندر أحدهم في النجف راثياً لحال بلاده، بأن بغداد تستقدم التفاح من ايران لتبيعه للحجاج الإيرانيين القادمين من طهران! “ياكلوا هناك أحسن”!!! حتى المخدرات تُستقدم من إيران. العراق إذاً لا ينتج شيئا لأبنائه.. في شباط ال 2003 زرت العراق قبل الغزو الأميركي، كانت الزيارة كالمشي على الجمر: كل سؤال في عهد صدام كان ممكناً أن يحرق صاحبه! كنت استمع أكثر مما أتكلم، وقادتني جولتي الى لقاء الدكتورة هدى عمّاش التي لقبتها الصحافة الأميركية في ما بعد بالدكتورة انثراكس في أكثر حقبات الكذب الأميركي، حين حفظنا عبارة أسلحة الدمار الشامل ! كانت الدكتورة عمّاش رغم قامَتها القصيرة إمراةً تفرض حضورها.. اذكر وشاحها، انسدل مراتٍ عدة على كتفيها وهي تخبرنا عن خيرات العراق، عن الحصص الغذائية التي تصل الى كل البيوت رغم الحصار، عن الرسم بماء الزهر الملون حين منع الحصارُ استقدام مركبات التلوين التي يمكن استخدامها في تركيب الأسلحة! في الزيارة عينها دُبّر لنا صف أطفال لم يتجاوز اكبرهم السادسة، اصطفوا كحبات رملٍ وكانوا ينشدون مرغمين الشعر لصدام حسين…
اتساءل ماذا حلّ بهم اليوم!!!
على تلك الأرض ايضاً وأيضاً، وقف قيس الخزعلي ذات يوم.. ما غيره!! جلب الرجل معه شاعراً بحسب نيوورك تايمز وأنشد بملء حنجرته شعراً لقاسم سليماني!!!!

إقرأ أيضاً: هل تنزع إيران حجابها؟

حين قرأت ذلك، أحسست أن سؤالي عن تغييب العراق عن حناجر المتظاهرين الإيرانيين قد وجد ضالته… الضالةُ الخدّاعةُ حين تقع كقارئ على تقارير عدة – أترك صدقها لحكم الأيام- تٰرجع شرارة التظاهر إلى مجموعات محسوبة على احمدي نجاد.. البعض أسماها انتفاضة الرغيف فتذكرت فجأة الشاعر كامل الشناوي حين سخر يوماً من مجمع اللغة العربية، فألف طرفة عليه، بأنه ترجم الساندويتش بالشاطر والمشطور وبينهما الكامخ فصدق الجميع الخبر – النكتة… واليوم يصدق الجميع ان في ايران النظام آيل الى السقوط بفعل انتفاضة الشاطر والمشطور وبينهما الكامخ!!!!!
رغم كل ذلك تحية لمجتمع حيّ يحاول التغيير سواء استطاع اليه سبيلا او لا…

السابق
نديم قطيش يدعو حزب الله لحماية «المراقد المقدسة» في مشهد
التالي
إيران… ثلاثية الفساد والفقر والاستبداد