قنبلة عين الحلوة: لبنانية لا فلسطينية

حركة فتح عاجزة عن حسم المواجهة بالسرعة المطلوبة، في المعركة الحالية في مخيم عين الحلوة، بل ربما لن تستطيع إلى ذلك سبيلاً، فيما نشهد استقتالاً من قبل خصمها الظاهر "بلال بدر" وخصومها المتوارين خلف مثل هذه الظواهر الشاذة في المخيم.

مخيم عين الحلوة وكأنّه مطلوب أن يبقى دائماً ساحة تفجير أو عرضة لتفجير، قنبلة موقوتة تنفجر لتولد قنابل جديدة قابلة للتفجير، مسلسل من معارك الزواريب والأحياء وساحة لتصفية حسابات داخلية أو إقليمية، هكذا دأبت هذه المساحة الجغرافية التي لا تتجاوز 2 كلم2  التي يتركز فيها العدد الأكبر من الشتات الفلسطيني في لبنان، وهذا ما يشهده مخيم عين الحلوة اليوم من اشتباكات عسكرية تضيف إلى مآساة اللجوء وإلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، موتاً مجانياً وتدميراً للبيوت وتغلق نوافذ العيش الضيقة أصلاً.

لم يعد خافياً أنّ المعركة الجارية اليوم تحت عنوان إلغاء المربع الأمني الذي يسيطر عليه ما يسمى مجموعة بلال بدر لم تكن إلاّ محاولة التفاف على مطلب معالجة جذرية لأوضاع المخيم الأمنية والعسكرية فضلاً عن البعد الحياتي المتمثل بمعاملة اللاجىء الفلسطيني بشروط إنسانية تتيح له أن يكون مصدر استقرار، ولكي لا تبقى المخيمات بيئة جاذبة للعنف والاقتتال، وقابلة للاستثمار الأمني من قبل جهات إرهابية أو غير إرهابية، محلية وإقليمية.

المشكلة التي يعانيها المخيم اليوم من خلال المعارك الجارية، لا تكمن في أهمية القضاء على مجموعة بلال بدر الإسلامية، والتي قتلت من أبناء المخيم العشرات، وتحولت إلى عصابة مسلحة للإيجار، بل في سؤال أكثر أهمية يتصل بوظيفة سلاح المخيمات وماهية نظرة الدولة اللبنانية لهذا السلاح، وكيف يجب التعامل معه سواء من قبل لبنان أو الفلسطينيين أنفسهم، وما هي رؤية لبنان للوجود الفلسطيني وتحديداً مخيم عين الحلوة، لا سيما أنّ مخيم نهر البارد لم يعد مسموحاً فيه حمل السلاح بقرار من السلطات العسكرية اللبنانية، فإذا كان ذلك قانونياً فلماذا لا يجري اتباع القاعدة نفسها في مخيم عين الحلوة؟ وبالتالي ماهو القانوني: السلاح أم منع السلاح؟


ليس خافياً أنّ حركة فتح منذ قرر لبنان إلغاء اتفاقية القاهرة، ومنع انطلاق العمل الفدائي ضد العدو الاسرائيلي من لبنان، تراجع الاهتمام العسكري لديها على الأراضي اللبنانية وترهلت من دون أن تفتقد ميزة أنّها إرث أبو الفلسطينيين ياسر عرفات لدى شعبه، ورغم ذلك شهدت مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، صعود التيارات الإسلامية وحضورها العسكري والأمني، لكن للمفارقة انّ هذه الجماعات على اختلاف تسمياتها الإسلامية وتنوع مشاربها الإقليمية لم تسع إلى خرق القرار اللبناني لتوجه سلاحها ضد الاحتلال الاسرائيلي، لكنّها برعت في التخريب على الشعب الفلسطيني وأجادت فنون الاغتيال والقتل داخل مخيم عين الحلوة.

إقرأ أيضاً: استثمار خبيث بدم عين الحلوة

حركة فتح على الأرجح تمّ دفعها من قبل جهات لبنانية رسمية وغير رسمية لحسم المواجهة مع جماعة بلال بدر، قد تنجح وقد تفشل، وفي الحالين فإنّ ظاهرة بدر ليست ظاهرة غير قابلة للتكرار، بل الأرجح أنّ عدم المبادرة الجادة من الحكومة اللبنانية إلى معالجة جذرية لملف السلاح الذي يتدفق إلى المخيم من دون توقف تحت أعين الاجهزة الرسمية وغير الرسمية. والتحدي سيستمر فبلال بدر ظاهرة طبيعية ونتيجة موضوعية لسياسة غير موضوعية، ولا قانونية تعتمدها الحكومة اللبنانية تجاه المخيم، هذا إن لم نقل أنّ هناك من يريد أن يبقى مخيم عين الحلوة ساحة إطلاق رسائل أمنية غب الطلب. والحكومة اللبنانية متهمة ومسؤولة عمّا يجري مادامت ترفض أن تقدم أيّ رؤية لمعالجة جدية لموضوع السلاح الفلسطيني وأوضاع المخيمات.

إقرأ أيضاً: الحسم العسكري في عين الحلوة..ومجموعات بدر تتفكّك

إنهاء ظاهرة بلال بدر في حال تحققت، سنكتشف أنّ نتيجتها الوحيدة هي سقوط ضحايا وتدمير بيوت ومتاجرة في المخيم، فيما ستظهر أكثر من مجموعة داخل المخيم مستعدة لأن تبيع نفسها لأي شارٍ على تخوم المخيم، سواء كان هذا الشاري لبنانياً أو طرفاً إقليمياً أو جماعة ارهابية. المشكلة لن تحل، هذا ما تقوله وقائع زمن الوصاية السورية وزمن الوصاية الإيرانية اليوم، وزمن موجة الإرهاب وفروعه، مخيم عين الحلوة سيبقى قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه من يعتقد أنّه يتحكم بإدارة الاقتتال والتهدئة فيه، وفي وجه أبنائه ومحيطه اللبناني المتنوع، قنبلة موقوتة متناسلة، طالما أنّ السلطات اللبنانية لا تتعامل بمسؤولية وطنية مع المخيمات تحفظ فيها وديعة اللجوء، ولا تخلّ بواجب حماية لبنان وسيادته.

السابق
الأردن..مع أميركا في مواجهة النظام السوري
التالي
ما مصير زيارة البابا للقاهرة بعد تفجير الكنيستين؟