«صندوق الفرجة النيابي» وguinness book: الأقدم والأكثر كسلاً وصمتاً وسفراً

 

في المجلس نواب «غصباً عنهم» وآخرون «غصباً» عن أحزابهم.

في مجلس النواب اللبناني أرقام قد ترشّحه لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية. فإلى جانب بلوغ نحو ثلثي النواب الذين مدّدوا ولايتهم سن التقاعد القانونية، قد يكون بينهم، أيضاً، «الأقدم» في العالم، الى جانب «الأكثر كسلا»، و«الأكثر صمتاً»، و«الأكثر سفراً”… و«الأقل فهماً” في «ألفباء» التشريع ودهاليزه.

اثنتان وخمسون سنة قضاها نائب النبطية عبد اللطيف الزين في سدّة النيابة قد تخوّله نيل لقب «عميد النواب في العالم»! دخل «البيك» الجنوبي البرلمان في الثلاثين من عمره (عام 1962). في سن الثانية والثمانين، لا يزال يحتلّ كرسيه في المجلس، ويفترض أن تنتهي «ولاياته النيابية» في سن الرابعة والثمانين، إلا اذا اقتضت الضرورات تمديداً جديداً يجعل عدد سني نيابته يلامس الـ 60. برغم ذلك، فإن الزين كان، ولا يزال، نائباً خدماتياً بامتياز. هو واحد من نوّاب «الزمن الجميل»، إذا ما قورن بـ «الزمن الرديء» الذي تحمل بوسطاته ومحادله الى ساحة النجمة نوّاباً يعتنقون عقيدة «صفر خدمات… صفر تشريع».

بالأرقام، إلى جانب «المعتّقين» من مجلس الـ 1972 مثل النائبين الزين وبطرس حرب، في المجلس النيابي عدد كبير ممن سيطفئون، مع انتهاء ولايتهم الممددة، خمساً وعشرين شمعة احتفالاً بقضائهم ربع قرن موكّلين عن الشعب، كرئيس المجلس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، ومعظم أعضاء كتلهم.

وبالأرقام أيضاً، في المجلس النيابي، الأشبه بـ «صندوق الفرجة»، 128 نائباً، عدد كبير منهم ورث النيابة مع «عفش البيت»، أبا عن جدّ، أو أماً عن زوج، أو حتى عن عمّ أو شقيق. وبينهم واحد وافته المنية وأربعة «هاجروا» من البلاد منذ انتخابهم (وربما قبل ذلك بكثير)، وستة أعلنوا مراراً عدم رغبتهم في النيابة وعزوفهم عن الترشح، وخمسة تخلت عنهم أحزابهم وسمّت بدائل للترشح مكانهم، ونحو 40 عاطلا عن التشريع والخدمات، ونحو 78 نائبا تخطوا سنّ الستين عاما (بمن فيهم رئيسا المجلس والحكومة)، فيما أكثر من نصف الباقين يشارفون على بلوغ الستين، حتى ولو حاولت صبغات الشعر إعطاء انطباع بعكس ذلك.

36 من النوّاب الممدّد لهم لا تاريخ تشريعياً يبرّر بقاءهم ولا نشاط خدماتياً يغطي تقصيرهم التشريعي
في «صندوق الفرجة» النيابي، زعيم أكثرية نيابية يزور البلد في المناسبات، وهو قادر، من قلب الصحراء، على إلغاء انتخابات وفرض تمديد وتعطيل دستور. وفيه أيضاً «مصدّر بطانيات وحفاضات وحليب» يدعى عقاب صقر غادر «زحلة بالقلب» إلى قلب اسطنبول فباريس ثم بروكسيل، فيما «يُحكى» عن نائب جزيني في تكتل التغيير والاصلاح يدعى عصام صوايا يذكره محرك «غوغل» في خبر يتيم مفاده أن العماد ميشال عون أوعز الى صوايا «المقيم بشكل الدائم في الولايات المتحدة» (!) العودة الى لبنان تحسباً لأي جلسة تصويت تعقد حول القانون الأرثوذكسي. وفيما لم يُرصد لصوايا خطاب أو إطلالة طيلة فترة نيابته، يحرص نائب المختارة نعمة طعمة، الذي يكاد يكون مقيماً في طائرته الخاصة، على توزيع بيانات سياسية باسمه لاثبات وجوده.

مستقيلون ولكن…
لا تقف عجائب البرلمان اللبناني هنا. ففي المجلس الممدّد لنفسه ستة نواب سبق أن أعلنوا عزوفهم عن الترشح، كل لسبب مختلف، واجتمعوا على دعم التمديد لولايتهم. من هؤلاء النائبان القواتي جوزيف معلوف والمستقبلي معين المرعبي الزاهدان بالنيابة، ونائب رئيس المجلس فريد مكاري المتعفف عن الترشح مجدداً، «لا هو ولا أي فرد من آل مكاري»، والمحاضر في الوقت نفسه حول ضرورة التمديد وايجابياته، فيما لنائب المستقبل جان أوغاسبيان قصة مختلفة، إذ إنه تراجع عن قراره عدم خوض السباق النيابي عبر نقل – أو اجبار التيار له على نقل – ترشيحه من دائرة بيروت الأولى الى الثانية. وبغض النظر عن مدى تصالح هؤلاء مع أنفسهم، فإن تصويتهم يبقى مفهوما اذا ما وضع في اطار الالتزام بالقرار الحزبي. غير أن ما يدعو للتساؤل اعراب نائب مستقل كمحمد الصفدي عن نيته عدم الترشح، ثم ذهابه بقرار شخصي لتثبيت ولايته عامين وسبعة أشهر اضافية، فيما لم يرَ النائب سليمان فرنجية ضيراً في الانتظار سنتين وسبعة أشهر إضافية قبل تسليم المشعل لنجله طوني في زغرتا.

ورغم معارضة تكتل التغيير والاصلاح للتمديد، إلا أن الأمر لا بد نزل برداً وسلاماً على قلوب عدد من نوابه، باستثناء اثنين يمكن وصفهما بأنهما نائبان «غصباً عنهما»، هما إدغار معلوف وسليم سلهب، اللذان سبق أن أعلنا عزوفهما عن الترشح ومددت ولايتهما من دون تصويتهما. وعلى المقلب الآخر، خمسة نواب بقوا مُدّد لهم «غصباً» عن أحزابهم التي رشّحت آخرين في مناصبهم، كالنائب القواتي ايلي كيروز في بشري؛ ونائبي القوات اللبنانية في زحلة طوني بو خاطر وشانت جنجنيان ونائب التيار الوطني الحر في كسروان نعمة الله أبي نصر ونائب تيار المستقبل في عكار خالد ضاهر.

 عجز وشكاوى بالعشرات

في معادلة حسابية بسيطة، يتبين أن نحو 36 من النوّاب الممدّد لهم لا تاريخ تشريعياً يبرّر بقاءهم ولا نشاط خدماتياً يغطي تقصيرهم التشريعي، ولا ظهور سياسياً يعفي حراس المجلس من حرج عدم التعرف عليهم لدى نزولهم الى ساحة النجمة مثل سيبوه قالبكيان وبدر ونوس وقاسم عبد العزيز وايلي عون. أما البطالة النيابية، فيمكن أن يُسأل عنها ناخبو سامر سعادة في طرابلس، وناخبو روبير غانم الذي يضع نصب عينيه ما يخدم وصوله الى بعبدا فوق أي خدمات أخرى.

كما يُسأل عنها ناخبو زياد القادري الذي بدأ ولايته بحماسة واجتهاد كبيرين لم يبق منهما شيء، وناخبو سيرج طورسركيسيان في الأشرفية الذين لا ينكرون «هضامته» الخدماتية التي لا تغني ولا تسمن، وناخبو دوري شمعون الذي مدّد لنفسه «تفاديا لشرب كأس الفراغ المرة»، فيما أهالي منطقة دير القمر في الشوف يشربون مُرّه منذ ست سنوات. أما الصدمة الكبرى فكانت من جرأة النائبة نايلة تويني على الخروج من «عزلتها» عند التمديد. شأنها في ذلك شأن النائب أمين وهبي الذي هجر ضيعته وابتعد عنها انمائيا وخدماتيا واجتماعيا ليعود ويذكرها أخيرا بمشروع لتوسيع الطريق مرّ من أمام منزله. وعلى المنوال نفسه، يُسجّل ابتعاد علي عسيران وأنور الخليل، والشكاوى ضد أيوب حميد من أبناء منطقته، وحصر عبد المجيد صالح خدماته بفئة صغيرة لا تتعدى العشرة أشخاص، وتصرّف هاني قبيسي كنائب عن النبطية لا دائرة بيروت الثانية، فيما تكفي نظرة خاطفة على البلدات التي يفترض أن آل الجميل، يمثلونها لقراءة المكتوب بأكمله.

في المجلس النيابي الممدد لنفسه، نواب آثروا مبايعة أنفسهم رغم تقاعسهم عن انجاز المهمة التي أوكلت اليهم في بلداتهم الصغيرة أولا وأقضيتهم ثانيا والبرلمان ثالثا. فعدا عن رسوبهم تشريعيا وفشلهم في سنّ القوانين واقرار الموازنة والعمل داخل اللجان، معظمهم غير قادر على حشد شارع منزله الضيق ولا اثارة اهتمام مجموعة صغيرة من الأشخاص تتعدى أصابع اليد الواحدة. نواب استهلكوا على مرّ السنين كل طاقاتهم وبات لزاما عليهم التنحي والتقاعد في منازلهم، لا في المجلس النيابي، رغم اصرار «الشركات الحزبية» على تجديد عقودهم حتى استنفاد آخر ناخب في رصيدهم.

نواب حزب الله يتحدّون النظام
يتشابه أداء نواب حزب الطاشناق وحزب الله نظراً الى النظام الحزبي الذي يمنع على النائب القيام بخدمات عبر مكتبه ويحتم عليه خدمة الأهالي عبر مكتب النواب التابع للحزب، وفيما يلتزم نواب الطاشناق هذا الاجراء حرفيا مكرسين بعدهم عن الناس عبر تغيبهم عن حضور الواجبات الاجتماعية، بات لافتا أخيرا سعي بعض نواب حزب الله الى خرق “النظام” ومتابعة شؤون أهالي بلداتهم عن كثب والعمل على التفاعل اليومي معهم، أمثال علي فياض وعلي عمار ونواف الموسوي وحسن فضل الله.

على المقلب الآخر، هناك نواب من الحزب يرتاحون لـ “الاستراتيجية الخدماتية الشاملة”، فيعمدون الى التخلي عن واجباتهم، أقله في المناطق التي يقطنونها. كثيرون يشكون من “غيبوبة” كامل الرفاعي وخمول نوار الساحلي؛ ولديهم أمنية واحدة: أن ينجز حسين الموسوي خدمة واحدة مقابل كل عشرة خطابات!

السابق
«داعش» يقرّ سك عملة معدنية خاصة به
التالي
16 منظمة عربية ولبنانية دانت تعرض صفا للتحقيق في الاردن