الإرهاب العراقي بين الفكّين السعودي الإيراني (2)

الارهاب
بدأت ايران بقطف ثمار سياستها العنيده والمثابرة رغم مشاكستها لأميركا والغرب عبر مشروعها النووي واصرارها على التمسّك بما أسمته حقّها في "التخصيب". بينما السعودية بدأت تحصد الخيبة، نتيجة سياستها البدائيّة المتكاسلة القائمة على الدعم العشوائي للجماعات الجهاديّة السلفيّة. والعراق لا يزال ساحة تصفية الحسابات بينهم.

ينبغي ألا ننكر أنّ الساحة العراقيه في جانب منها تحوّلت منطقة تجاذب عربي فارسي أساسه الصراع الذي انفتح أخيرا وظهر بشكل سافر بين السعوديّة وايران.
فمع تفاقم خطر الإسلام السلفي بعد ضرب أبراج نيويورك بدأت أميركا تنظر الى السعوديّة على أنها مصنع لانتاج الإرهاب الإسلامي. وقد حاولت المملكة السيطرة على تلك الجماعات الجهاديّة وتطويعها ففشلت، وأصبح جهاد تلك الجماعات  يتّصّف بالطابع الفوضوي الذي لا يمكن السيطرة عليه.

يتحدث الكاتب السعودي خالد الدخيل عن السياسة الأميركية في المنطقة وعن أنّ “الحكومة الامريكية تفضل كسر احتكار السنّة للحكم في المنطقة بعد 11 سبتمبر (أيلول) ولذلك رأت في الشيعة خيارا جيدا في العراق رغم إدراكها أن الشيعة حلفاء لإيران سياسيا ودينيا”.

ومع انتصار الثورات العربيّه في بعض البلدان العربية، كما في مصر وتونس واليمن، ضعف النفوذ السعودي ثم انتقل ما بات يعرف بتنظيمات “القاعدة” وأخواتها من “جبهة النصرة” وغيرها الى سوريا بعد اندلاع ثورتها مهدّدين بتقويض انجازات الثورة السورية ومنعها من الإنتصار بفعل ما تحمله عقيدتهم من أحكام تكفيريّة ومن مشروع خاص يرمي الى جعل بلاد الشام إمارة إسلاميّة. بما لا يتفق مع طموحات الشعب السوري ومبادىء الثورة السوريّه، ويتعارض مع تطلعات المجتمع الدولي الطامح الى إقامة دولة سوريّة حديثة ما بعد الأسد، تستند الى مبادىء الديموقراطيّة وحقوق الإنسان.

هنا برزت الأزمة السوريّة بعد العراقيّة بين أميركا والسعوديّة كحائل دون الاتفاق على مصير ما سوف تؤول الأوضاع في بلاد الشام. فبينما ترى السعوديّة في سوريا تعويضا لها عن انكسارها في العراق وانّ الاطاحة بنظام بشار الأسد بشكل عاجل هو الطريق الوحيد لتعديل التوازن الجيوسياسي بينها وبين ايران، ترى أميركا أن من مصلحتها الا تركن الى تسليم حلفاء السعوديّة السلطة في سوريا نتيجة للتجارب الفاشلة السابقة بينها وبين المملكة.

بدأت ايران بقطف ثمار سياستها العنيدة والمثابرة رغم مشاكستها لأميركا والغرب عبر مشروعها النووي واصرارها على التمسّك بما أسمته حقّها في “التخصيب”. بينما السعودية بدأت بحصاد الخيبة والأشواك، نتيجة سياستها البدائيّة المتكاسلة القائمة على دعم عشوائي للجماعات الجهاديّة السلفيّة. فها هي المليشيات الاسلاميّة التي دعمتها في سوريا تتناحر فيما بينها بعد أن فقدت الرياض السيطرة عليها وأصبحت تشكّل تهديدا عاما على الداخل والخارج، فيما قوات الأسد تستغل تشرذمها وتتقدّم على الجبهات كلّها، بدعم من مقاتلي حزب الله المزوّدين بالعتاد والخبرات الإيرانيّة.

لذلك فإن الولايات المتحدة اعتبرت أن السعوديّة رسبت في إمتحان الجدارة وإثبات القوّة وبدأت بالتطلّع الى الجار الفارسي القوي الذي نجح في الإمتحان وتمكن من إثبات تفوّقه عندما تمكّن من التحالف مع الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، بعد جلاء الأميركيين عن البلاد عام 2011، ودعم نظام الرئيس بشار الأسد ومنعه من السقوط مقابل الجماعات المسلحة التي تقاتله، وكذلك في لبنان مع سيطرة حزب الله القوي على الدولة ومفاصلها، وصولا الى التحكّم في حركة  المعارضة بالبحرين، انتهاء بصعدة في اليمن حيث تواجد الحوثيين الشيعة الذين أصبحوا قوّة لا يستهان بها في جنوب الجزيره العربية.

ويقول خبراء متابعين لما يحدث في العراق أنّ الصراع السعودي الايراني على العراق وسوريا تحديدا سوف يبقى مفتوحا في الأمد المنظور الا اذا تغيرت طبيعة الأنظمة لدى الجارين القويين أو لدى أحدهما على الأقل. فإذا دانت بلاد الرافدين وبلاد الشام ﻷحد هذين المحورين دون الآخر فإنّ خللا رهيبا في التوازن سوف يحدث، ما سيؤدي إلى تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة كلها لصالح الطرف المنتصر.

السابق
لماذا لا يعتذر تمّام سلام؟
التالي
الاسلام والغرب: الإستبداد على أساس ديمقراطي!