الاسلام والغرب: الإستبداد على أساس ديمقراطي!

السيد هاني فحص
نحن مضطرون أن نميل الى الشراكة الثقافية او الحضارية مع الغرب، بشروط منصفة اهمها شرط التأهل الذاتي لدينا. شراكة قد تكون من اهم الشروط والمؤهلات التي تساعدنا على الخلاص من سلبيات التغريب او التغرب، بالمعنى الالتحاقي او الاستلحاقي، اي الاستعماري المتجدد علينا وعلى قابلية فينا ورغبة من المستعمر. فهل في امكاننا ان نتوقع ونعمل لنشهد حالة من التفاعل والتواصل بين العالم الاسلامي والغرب؟

إن الاسلام او المسلمين، وتحت ضغط الظروف الداخلية والخارجية، وبسبب الانسدادات المتعددة والمتراكمة على صعيد الدولة والمجتمع، يعرضون انفسهم او يتعرضون لما يمكن دعوته تظهيراً للخلاف او دفعاً للاختلاف الى مستوى الخلاف القابل لأن يتحول الى صراع فتاك بين الجماعات المذهبية وداخل المذهب الواحد.

فقد اصبح الجسم الاسلامي في حالة تموضع مخيف لتنوعاته التي كان من المفترض ان تنتظم على حال من وحدة المتعدد، ما يدعو اهل الاعتدال والرؤية والتقوى والمعرفة الى استدراك المخاطر واعادة التعدد الطبيعي الى سياق الوحدة.

قد تمكننا هذه النظرة من تحقيق رغبة مشروعة في رؤية او جعل العلاقة بين الاسلام والغرب اقرب الى المنهجية، او بعيدة عن المعرفة الناقصة والفرضيات الذهنية الصرف، والتي تغري بالقطيعة التامة، وهي مستحيلة كما هو التماهي مستحيل. ولا بدّ من مسلك وسطي يحدّد احتمالات ومواقع الاتصال والانفصال معاً. على الا نقع ثانية في التعميم والاطلاق. فالاتصال والانفصال نسبيان وتاريخيان، بمعنى ان هناك مواقع انفصال قد تصبح قابلة للاتصال وكذا العكس. هذا يلزمنا ويلزم الغرب بتجديد معرفة كل منا بالآخر، والا وقعنا في اهمال المتغيرات، ما يشكل اعتداء على الثوابت. بينما التحدي المعرفي والعملي الحقيقي هو الحفاظ على الوصلة المتحركة، سعة وضيقا، بين الثابت والمتغير حفظاً لكل منهما بالآخر.

لا نستطيع إنكار وجود تداخلات عميقة، شكلت مفاصل حضارية مشتركة بيننا وبين الغرب، بصرف النظر عن ظروفها بداية ونهاية. ولعل تجربتنا في الاندلس احدى تجلياتها العظمى، وقد كانت تكفيرا حضاريا حقيقيا عن خطيئة الفتح الذي لم يكن يشكل ضرورة اسلامية بقدر ما كان استجابة لرغبات سلطوية. ولم يكن يقع في سياق الرؤية النبوية والحضارية للدعوة الاسلامية بل أملته مطامع وطموحات كان من الصعب على العلماء المسلمين الموضوعيين، الذين لا يفكرون بناء على طلب السلطات فق،ط قبولها أو الرضا بنتائجها المدمرة للإسلام والمسلمين والآخرين.

وقد كانت تلك التجربة الرائدة ثمرة اختيار المسلمين للايمان الكبير والتوحيد الابراهيمي جامعاً، في ورشة علمية واجتماعية وعمرانية معروفة. ولم نعدم التنعم المحدود بمثل هذه الثمرة، على مرارتها في الحروب الصليبية التي مهّدت، من خلال تأثيرات المسلمين على الغربيين، لعصر الانوار في أوروبا وانفجار اشكاليات الكنيسة والمجتمع والدولة… حتّى العهود الاستعمارية المباشرة، خصوصا منذ اواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وغير المباشرة في اعقاب الاستقلالات التي كانت بحاجة الى استكمال، ورغم السلبيات العظمى والفادحة… لم تخلُ من بعض التأثيرات الايجابية لفكرة بناء الدولة والمؤسسات والقانون وفصل السلطات.

من المؤسف ان قلة منا قرأت هذه المشاهد والوقائع قراءة هادئة وهادفة، بينما تكررت قراءتها الصحيحة والسقيمة في الغرب، بغاية الافادة منها في اتجاهين متعاكسين: اتجاه اعتبرها دالّة على امكانية بناء علاقة شراكة عادلة ولو نسبياً، وعلى اساس حقوق الانسان، واتجاه اعتبرها دالة على ضرورة القطيعة تمهيداً للاستحواذ والهيمنة علينا. وقد يعني ذلك كله اننا مضطرون أن نميل الى الشراكة الثقافية او الحضارية، بشروط منصفة اهمها شرط التأهل الذاتي لدينا.

على انّ هذه الشراكة الممكنة، او الواجبة، يمكن ان تكون من اهم الشروط والمؤهلات التي تساعدنا على الخلاص من سلبيات التغريب او التغرب، بالمعنى الالتحاقي او الاستلحاقي، اي الاستعماري المتجدد علينا وعلى قابلية فينا ورغبة من المستعمر.

فهل في امكاننا ان نتوقع ونعمل لنشهد حالة من التفاعل والتواصل بين العالم الاسلامي والغرب؟ مع ان الظروف الراهنة لا تشير بوضوح الى ذلك. رغم الخطاب اليومي الذي نسمعه في تأييد حركات الشعوب ضد أنظمتها الاستبدادية التي بقيت وتبقى مقبولة ومحمية من الغرب الى أن يبلغ ضعفها وجورها وتخلفها مداه وتنهض الشعوب ضدها ولا يبقى بإمكان أحد أن يحافظ على استمراريتها.. فتتجه الأنظار الى القوى الشعبية العفوية المصرة على الربط المنهجي بين الخبز والحرية.

وربما كانت هذه الأنظار تتأمل عميقاً في المعطيات التي تمكّن الغرب ثانية من تنشيط حركة إنتاج الاستبداد على قاعدة الديموقراطية ومن داخلها، كما حدث خلال العملية الاستعمارية التي لم تنسَ المصطلحات الديموقراطية أثناء تأسيسها للاستبداد تحت ظلها الديمقراطي والمركزي.

السابق
الإرهاب العراقي بين الفكّين السعودي الإيراني (2)
التالي
فساد السياسة