عن شرطي حاقد وسائق بسيط على دوّار السفارة الكويتية

تجتمع سيارات الأجرة صباحا بصورة عشوائية، تتحرك بمشهد كوميدي كأنه خارج من برنامج رسوم متحركة للأطفال دون الثلاث سنوات. أصوات الزمامير تزعج حديثي الإستيقاظ، وتوقظ النائمين الذين يذهبون إلى أعمالهم باكرا في الصباح، بضريبة النهوض غير المكتمل. موظفو الأمن في السفارة الكويتية كعادتهم ينتشرون حولها، يمنعون من أراد أن يتوقف لدقائق في الشارع المحاذي.

دوار السفارة الكويتية، لا إشارات سير، لا شرطي سير، لا خطوط أو ما يتعلق بتنظيم السير. فوضى عارمة كما في معظم المناطق اللبنانية المزدحمة ومع هذا: القانون يسقط فجأة من السماء.

أنتظر إلى جانب الطريق، تمر سيارة الأجرة. الزحمة البشرية، وزحمة السيارات كفيلتان بعدم السماح لسائق سيارة الأجرة بالتوقف إلى يمين الشارع. يسألني عن الوجهة المقصودة فأجيبه، أقطع الشارع، أدخل السيارة وهي متوقفة في الجانب الشمالي من الشارع. وفجأة، يغط علينا شرطي السير، تماما كرسوم الأطفال، يؤنب سائق الأجرة بنبرة المحافظ على النظام: "على الشمال!؟ تفضل على اليمين"، يأخذ دفتر سوقه، ويجازيه بضبط مخالفة قيمته أربعون ألف ليرة لبنانية ، في الثامنة صباحا.

تعاطفت مع المخالف الذي لم يحرك ساكنا، تماما كالمجرم المتلبس بجريمته، كنت أنظر إلى شرطي السير بنظرة حاقدة، وكأني غير مصدقة أن قيمة الضبط اربعون ألف ليرة ، وكأن سائق الأجرة الذي لم يتكلم، يقول لي:" والله ما استفتحت". شعرت كأني وجه النحس الذي ركب هذه السيارة، كيف لي ألا أدافع عن حق هذا السائق بالاعتراض، وهو لم يدافع عن نفسه بكلمة: ولو دافع هل كان هذا الشرطي الممتلئ حقدا أن يغير شيئا؟

أول ما تبادر إلى ذهني أن مزاجية هذا الشرطي ناشئة عن خلاف زوجي صباحي، قبل خروجه إلى عمله، لدرجة أن ملامح وجهه تشعرك بأنه يحوك آلاف المخالفات لينتقم من الحياة، من سير حياة فوضوية، قد لا يستطيع أن يلجمها في منزله، نزل إلى الشارع صباحا، إلى دوار السفارة الكويتية، وبدأ يمارس أشكال إنتقامه.

وأنا لطالما نظرت إلى سائقي الأجرة على أنهم المسؤولون عن كل الفوضى في قطاع النقل، عن النمر المزورة، عن زحمة السير، عن إزعاج أصوات الزمامير، عن الشتائم والحركات الاخلاقية. ولطالما كنت أنتظر سيارة الأجرة كعقاب يومي أفرضه على نفسي، لأدخل هذه المركبة المؤلفة من حركات الشطارة اللبنانية و لعبة مخالفة النظام.

لكنني تعاطفت وانفعلت مع هذا السائق، الذي لم يقل سوى كلمة واحدة قبل أن أنزل وقد رأى في عينيه أني أنزعجت من تصرف الشرطي. قال إنه شيعي: "شرطي شيعي يستقوي على أبناء طائفته، ولو كان مسيحيا لكان تسامح معي"!!!

ختم جولة أفكاري والعصف الذهني الذي استفزه المشهد الصباحي، لأعرف من الظالم ومن المظلوم. على الأرجح أن مشكلتنا تبدأ من المنزل، حيث نضع قوانين لا نطبقها واذا طبقناها تطبق مرة واحدة وتغيب آلاف المرات.

وهكذا فإنّ الشرطي لم يضع خطوط واضحة لعلاقته بزوجته، خرج منفعلا، صب جام غضبه في الشارع، وسائق سيارة الأجرة لم يلتزم ولا مرة بالقانون. تعلّم أن القوانين التي لم يطبقها في حياته يجب عليه أن يطبقها مرة واحدة، هكذا هي الصورة تماما، كمشهد في حلقة رسوم متحركة، تحتاج إلى أطفال دون الثلاث سنوات ليشرحوا لنا قوانين السير على السفارة الكويتية.  

السابق
قبيسي: سوريا تتعرض لمؤامرة تستهدف وحدتها
التالي
حزب الله و “امل”- الجنوب عقدا لقاء تنسيقيا: لن ننسى وقفة سوريا إلى جانب لبنان وحقه في مقاومته