سقط قانون العنف الأسري!

تشي المعلومات التي ترشح عن أعمال اللجنة الفرعية النيابية التي تشكلت لدراسة ومناقشة مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري، أن المجتمع المدني والجمعيات النسائية على رأسه، ومن ضمنها منظمة «كفى عنف واستغلال»، صاحبة المشروع، لم تعد مضطرة لخوض معركة ساخنة لإقراره، كون المشروع قد أفرغ تماما من مضمونه.
وجرى وأد مشروع القانون بكل بساطة لأن اللجنة النيابية قامت بنسف القانون من أساسه، مطيحة بالفلسفة الجوهرية لوضعه، وهي حماية النساء من العنف الأسري، تحت ذريعة المساواة، راضخة للضغوطات الدينية وللمعترضين على حماية النساء من العنف المنزلي، تحت ذرائع شرعية ودينية، الأديان نفسها منها براء.

ووصلت التعديلات التي أنجزت حتى اليوم إلى درجة رأى معها عضو اللجنة النائب نبيل نقولا أنه «لا داع لمتابعة العمل ، وانه على النواب ان يكونوا اكثر صراحة وشفافية وليقولوا أنه لم يبق شيئاً من مشروع القانون كما قدمته جمعيات المجتمع المدني واقره مجلس الوزراء في العام 2010 بعد تنقيحه».

وبذلك اضحى على المجتمع المدني ان يعيد ألأمور إلى بداياتها، كون ما يحصل في المجلس النيابي حالياً، قد اطاح، وبكل ما تحمل الكلمة من معنى، بالقانون الذي كان مجلس الوزراء قد اقرّه على شكل مرسوم حمل الرقم 4116 في العام 2010.
وعلمت «السفير»، التي حصلت على نص التعديلات التي وصلت إلى المادة الثامنة من مشروع القانون، أن خلافات حادة برزت بين اعضاء اللجنة انفسهم من النواب ما بين مؤيدين للمشروع، وبين آخرين منسجمين مع المواقف الدينية لطوائفهم من جهة، ومع الفلسفة الاجتماعية الذكورية الشائعة في البلاد من جهة ثانية. ووصلت الأمور في إحدى الجلسات إلى ترك احد النواب الجلسة معترضاً على تعديلات جوهرية تمس روحية القانون نفسه.
واعترض بعض النواب على وضع قانون خاص لحماية النساء من العنف الأسري، تارة عبر التذرع بالمساواة بين الجنسين، ذكوراً وإناثاً، وطوراً عبر دمج بعض المعطيات القانونية التي يلحظها القانون إلى قانون العقوبات اللبناني، وبالتالي إغراقها في مزيد من التعميم.

وتأكدت «السفير»، عبر نص التعديلات، ان النواب عدّلوا المادة الأولى من مشروع القانون التي تتحدث عن تطبيق احكامه على «قضايا العنف الممارس ضد الإناث في الأسرة»، لتصبح «ضد الإناث والذكور» معاً، كما انهم اسقطوا البندين الرابع والخامس اللذين يعاقبان على الاغتصاب الزوجي، كما نسفوا البنود المتعلقة بالعنف المعنوي والاقتصادي، ومنعوا على الجمعيات حقها بالتبليغ عن العنف، كما ردوا المواد الأخرى إلى قانون العقوبات العام الذي يعني جميع المواطنين.
وتعليقاً على نسف تخصيص الإناث بالقانون تحت ذريعة المساواة التي تبدو مقبولة للوهلة الأولى، تساءل مصدر قضائي رفيع، له «باع طويل» في النضال من اجل إنصاف النساء وحمايتهن من العنف الأسري، عن «السبب الذي من أجله نشرّع. فهل أن الذكور في مجتمعنا غير محميين، وهل إذا تعرض أي رجل لعنف أسري سنجده عاجزاً عن الذهاب إلى المخفر وتقديم شكوى؟ وهل سيهمل هناك، وهل سيضغط عليه الجميع للمصالحة، وهل يخشى الطرد من المسكن الزوجي، وخسارة حضانة الأطفال وقطع النفقة ورزقه وارتكاب المزيد من العنف بحقه؟».

ويقول المرجع القضائي لـ«السفير»، إنه «إذا كان الجواب نعم فمن المؤكد انه يجب ان يكون هذا القانون شاملاً للذكور، وإذا كان لا، وكان الذكر محمياً في القوانين المدنية والجزائية وفي التشريعات الدينية، كما في العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، فهل نشرّع لمن هو بغير حاجة لأي حماية إضافية؟ ويؤكد المرجع القضائي «أننا بذلك نكون امام ما يسمى في النص القانوني «لزوم ما لا يلزم، ولسنا نخال السادة النواب لديهم الوقت لتشريع ما لا يلزم في حين ان المجلس النيابي يعج بمئات مشاريع القوانين الحيوية التي تهم مصالح العباد والبلاد، ولا يجدون الوقت الكافي لمعالجتها».

وبالعودة إلى فلسفة محاولة إيجاد قانون خاص بحماية النساء، فقد قصد واضعو القانون معالجة المسألة التي تحتاج إلى توضيح وتصويب وتعديل واضعين الأصبع على الجرح النازف في العائلة وفي المجتمع، ولم يسعوا، وفق المصدر القضائي نفسه، «إلى تضييع الوقت أو التلطي وراء تشريعات طنانة ورنانة لا تفيد على أرض الواقع بشيء».
وتجد وسط المتابعين لمسيرة إقرار القانون خيبة امل تصل إلى حد اليأس من البلاد، كون القانون يتوسل المقاربة المباشرة للواقع الناتئ والنافر في الأسرة والمجتمع ويسعى إلى تشخيص الداء ووصف العلاج في مقاربة عصرية وإنسانية تراعي مصلحة الأسرة التي ظلت ألأساس في التشريع.

ويرى المرجع القضائي انه «لا مجال لأسرة صحية وسوية إذا كان احد اعضائها ينزف الماً ووجعاً وتحقيراً وتهشيماً وتهميشاً، خصوصاً ان عنوان القانون الذي استهدفه التعديل ومنع تخصيصه للنساء، وجد ليغطي حالات معيوشة ومحسوسة ويتعاطى معها المجتمع يومياً.
ويعود المرجع القضائي إلى الرحلة الشاقة والعسيرة للمرأة المعنفة منذ التعنيف بأوجهه المتدرجة والمتدحرجة إلى ما قبل الشكوى، وإلى حد التجروء على الشكوى، وما بعد هذه الجرأة من تبعات وتداعيات يراد لها أن تكون عبرة لكل امرأة تعتبر فلا تتجرأ على هذه الجرأة في الشكوى وفي عدم القبول بما تتعرض له».
 
وترى مصادر مطلعة على آلية وضع مشروع القانون، «ان القانون جاء ليعبّد للمرأة الأم والشقيقة وألإبنة والزوجة والشريكة رحلة عمرها ليس بالورد والأريج وإنما بالحد الأدنى اللائق المنبثق من كونها إنسانة لها الحق بالكرامة والاحترام واللياقة». فالمرأة ليست كائناً بنصف عقل ولا سجادة بحاجة إلى المعالجة دورياً ولا كيساً لتلقي الكدمات ولا آلة متعة، بل هي إنسانة مثل شريكها لها ما له من حقوق وعليها ما عليه من واجبات. من هنا، يقول المتابعون لمسيرة إقرار القانون، أو نسفه كما أصبحت اليوم، «يأتي التأكيد على أن ضرب عنوان مشروع القانون ليس بريئاً ولا يمكن التلطي وراء فكرة المساواة بين الذكور والإناث ضمن هذا المنحى. وتحت عنوان المساواة انقلبت وجهة المعالجة في اللجنة الفرعية في المجلس النيابي، وتم تحوير النقاش من اجل مطالبة الرجال بالمساواة مع النساء، في حين ان الواقع الفاقع بظلاميته يفيد العكس».
ويعتبر المتابعون للقانون ان المشروع بصيغته الهجينة المعدّلة الحالية التي جاءت بها اللجنة الفرعية ليس «إلاّ ضرباً لأساس هذه المقاربة وإمعاناً في منع النساء من التمتع بالحماية القانونية أسوة بالشريك الرجل، مع العلم أنه لا دين ولا شريعة إلهية تبرر للرجل ان يعنف زوجته أو أمه أو ابنته أو شقيقته».

ويتعجب كثيرون من الحال التي آل إليها وضع مشروع قانون حماية النساء من العنف المنزلي اليوم، بعد مسيرة التدقيق والتمحيص والمشاورات والتعديلات التي مرّ بها قبل وخلال إقراره في الحكومة. وتدل المعطيات إلى ان العمل على المشروع بدأ في العام 2007 وجرى تمريره إلى حقوقيين وممثلين عن المجتمع المدني وإلى مراجع دينية إسلامية ومسيحية. كما تم تحويله إلى لجنة وزارية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ومن ثم لجنة وزارية أخرى برئاسة الوزير ابراهيم شمس الدين. وانجزت اللجنة برئاسة شمس الدين تعديلاتها على المشروع بعدما خاطبت المراجع الدينية الإسلامية والمسيحية، وكان من بين اعضائها رئيس هيئة التشريع والاستشارات (بالوكالة) في وزارة العدل القاضي انطوان بريدي. وبعد كل هذه المداولات رفع مشروع القانون إلى مجلس الوزراء ثم استعاده وزير العدل يومها إبراهيم نجار وأعاده إلى هيئة التشريع في وزارته بعدما كانت أضافت المادة الثالثة المتعلقة بالعقوبات. وأخيراً اقرّت حكومة الرئيس سعد الحريري المشروع كمرسوم بعد ان ضمنته المادة 26 وهي المادة الأخيرة، وتقول بإلغاء احكام قانون حماية النساء من العنف الأسري في حال تعارضها مع احكام المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية. ويومها التزمت حكومة الحريري في بيانها الوزاري إقرار المشروع كما قادت وزارة العدل حملة «إنجازات» تحت عنوان «نحو»، ومن بينها لافتة «نحو إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري».

وتتساءل مصادر متابعة للقانون عما استجد ليعاد تحويل مشروع القانون إلى لجنة فرعية في المجلس النيابي، وهنا يستغرب النائب نبيل نقولا، وهو عضو في اللجنة الفرعية النيابية الخاصة بدراسة المشروع، إحالة قانون خاص إلى لجنة فرعية. ويقول نقولا «إن مشروع القانون يخص فئة وحوادث معينة تتأتى عن العنف ضد المرأة وليس قانوناً عاماً»، مؤكداً «ان طريقة تعديله كما يحصل في اللجنة النيابية المصغرة تفيد وكأنه قانون عام».
وبعدما يرفض نقولا الحديث عن تفاصيل التعديلات كونها «ما زالت داخلية في اللجنة»، يؤكد انه «لا نية لإقرار المشروع كما ورد من جمعيات المجتمع المدني»، سائلاً عن علاقة الجمعيات الدينية ورجال الدين في ما يخص قانوناً جزائياً يعني كل المواطنين وليس فئة معينة او طائفة بحد ذاتها».

ويرى نقولا أنه «عندما تكون إمرأة لبنانية مؤمنة بشريعة معينة يمكنها ان لا تذهب إلى التشكي، فالقانون يتيح للمرأة التي تريد ان تحافظ على حقوقها عبر القانون، وتريد أن تخضع لحماية الدولة وقوانينها الجزائية، ولمن تشعر أن الدولة المدنية هي ضمانتها وإنها عبر القانون تصون حقوقها».
ويرى نقولا عدم تعارض مشروع القانون مع قانون العقوبات «فلا أحد يريد نقض قانون العقوبات، بل على العكس، وفق نقولا، فكل المواد الموجودة مقتبسة من قانون العقوبات العام لتوضع في إطار خاص يحمي افراد الأسرة من العنف المنزلي».
ويعبر النائب نقولا عن استنكاره لما يحصل في اللجنة الفرعية بالقول «انا لا افهم لماذا يتم تشطيب هذا القانون بشكل مجحف بحقه وبحق الذين قدموه»، ليسأل «ماذا بقي من القانون؟»، ويجيب «طبعاً لا شيء بعدما عادت الأمور إلى ما كانت عليه في السابق».

وعودة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق يعني بالنسبة إلى نقولا «أنه على المرأة ان تعاني من المخافر والنيابات العامة وكل ما يدور في فلك الشكوى من إذلال بحق المرأة وبحق المعنفة داخل الأسرة».
ويرى نقولا اننا «ما زلنا في لبنان، وبالتحديد في ما يخص قوانين الأسرة وقوانين ألأحوال الشخصية والزواج وأطفال الشوارع محكومين بقوانين دينية من غير المسموح تخطيها، وهي مكتوبة بالخط الأحمر». ويشير نقولا إلى ان قوانين الدولة التي يجب ان توضع في هذا المجال هي لمن يريد حماية الدولة وليس حماية الطائفة أو المذهب، ولذا يمكن لأي إنسان لا يرغب بالخضوع لهذه القوانين الوضعية ان يبقى تحت مظلة القوانين الشرعية والروحية والمذهبية التي يؤمن بها». 

السابق
باسيل: هذه ليست حكومة بل محكومة
التالي
سلهب: حل الملف الاقتصادي مجتزأ والكل خسر حتى الحكومة