هل مازالت الأسواق الشعبية…شعبية؟

أسواق شعبية تتبعثر فيها الحكايا والأقاصيص والظروف الإقتصادية. بسطات تنتشر على جنبات الطريق. أصوات تصدح في كل مكان. نسوة وأطفال، صبايا وشباب. كلهم يحطون رحالهم داخل تلك الأسواق، التي باتت الملاذ، بل المتنفس الوحيد لذوي الدخل المحدود. بيد أنها تقف اليوم حائرة متسائلة عن سر تضاءل الرواد عشية العيد.

ترسم الاسواق الشعبية صورة المواطن، الذي مزقته الأسعار، وكوت جيبه، وسرقت"حلم" العيد، ذاك الذي كان تاج الامل المدموج بفرحة، تغيب بسبب السياسة "القاهرة" التي تقضم جيوب المواطن، وتنكل بمقدراته اليومية المحدودة، وتطمر كل معانيه، فيما تحاول الاسواق أن تجرجره من جديد وإن "بصورة مزيفة" كما تصف فاطمة شمس واقع الحال.

تحول العيد الى لغم موقوت بنظر المواطن، ينفجر ما إن تطأ قدمه السوق، محاولا تسوق حلة العيد لأولاده: "لا شيء يرحم في هذا البلد، نلجأ الى السوق الشعبي الذي ما زال يحمل الرحمة داخله، وإن كانت تتناقص وتيرته مع الأيام ويجتاحه الغلاء، ومع ذلك ما زالت يطلق عليها تسمية :سوق شعبية".

فهل مازالت الأسواق الشعبية فعلا شعبية؟ أم أصبحت قيمة مضافة جديدة؟ سؤال ترسم إجابته أحوال الأسواق الشعبية المنتشرة في منطقة النبطية بين أنصار، النبطية، أو جباع، التي تكتظ بالبسطات وتفقد الرواد.

رحلة الغوص في أسواق النبطية تنطلق من سوق أنصار التقليدي الشعبي، الذي يهز صراخ الباعة سكونه: إفتتح منذ ثماني أعوام. تستقبلك بسطاته بحركة الباعة التي تنشط عشية العيد. عجقة رواد من قرى الدوير، جديدة أنصار، سيناي، كوثرية السياد والرز،. في السوق لافتة كتب عليها: "أي قطعة بـ3000 أو 5000"، وضعها رفيق علي حامد أمام بسطته للأحذيه، علها تستقطب النسوة، ولكن "ما في حركة بيع"، يقول، إذ تحول السوق "الى صندوق فرجة، يقصده الشباب والصبايا للتنزه، كمكان آخر خارج سرب الحياة التي يعشونها".

ملامح عدم الرضا عن ارتفاع الاسعار كانت بادية على وجوه رواد السوق، الذين اشتكوا من الغلاء ومن الاسعار التي "تبقى أرخص من المحال ولكنها تتعارض مع كون السوق شعبي"، على ما تقول وفاء وتضيف: "يشكل السوق عبئا على ذوي الدخل المحدود، ولكن غالبا ما تكون حصة الطفل هي الأقوى، إذ ان العيد من دون ثياب جديدة لا معنى له، والطفل لا يعرف الظروف القاسية التي نمر بها".

أما سوق جباع فتسير مع الحياة التي يعيشها أبناؤها. اذ بحسب ابو يوسف، صاحب احدى البسطات: "حياتنا تسير على خط رسمه الحكام والاقدار بحسب رغبتهم، لا حسب رغبتنا نحن. فالسوق يشبه سمفونية من الالوان البصرية والسمعية والنفسية التي تختلط فيها التفاصيل وتتسلل كخدر خفيف الى كيان الزائرين".

"اللي عندو عيلة ما الو غير السوق الشعبي"، عبارة تحملها أم يوسف محمد شعارا لها، وهي التي اعتادت أن تزور سوق جباع الشعبي، الذي يقام كل نهار جمعة، وفيه تحتل البسطات الساحة العامة في البلدة، وتغلب عليها الملابس والأحذية والأدوات المنزلية والبالية، وتشد الزائر الى السوق أصوات الباعة التي تصدح من كل مكان.

ورغم أن الأسعار داخل الاسواق الشعبية توازي أسعار المحال، ترى هنا سيدة تنتقي بنطالا لابنها وهناك فتاة تتجول بين البسطات تسرق النظر على هذه وتلك، تتوقف عند بسطة الحاج ابو توفيق تسأل عن الاسعار ونوعية البضاعة، هل هي صينية ام وطنية، يجيبها: "تركية يا بنتي، شوفي الاسعار رخيصة مش غالية". لا تكترث لما قاله ابو توفيق. تكمل الجولة علّها تجد أسعارا أقلّ، لكن "كالعادة يستغلّ التجار موسم العيد لرفع الأسعار، رغم غزو البضاعة الصينية كلّ الأسواق"، لكن تلك المنافسة لم تدفع الى تحريك عجلة السوق الذي يشهد ركودا، رغم التخفيضات التى لجأ اليها بعض التجار.

الغوص في داخل الاسواق الشعبية يكشف الحالة المزرية التي يعيشها المواطن، ذاك الذي يبحث داخلها عن متنفس يمكنه ان يسد رمق أولاده المتعطشين الى الالعاب والحلة الجديدة. لكنّ ذاك التعطش أظمأته أكثر "حرارة" الأسعار وغياب الإهتمام الحكومي"، يقول حسين صاحب بسطة ملابس يتنقل بها بين سوق جباع وانصار والنبطية وبنت جبيل، لافتا الى أن "كل سوق له مكانته وزبائنه، ولكن هذا العام يبدو مختلفا، فسوق جباع كان أفضل حالا من سوق أنصار".
  

السابق
عون: نهج الحريري لا يزال مستمراً
التالي
الصدر عاشوراء ثانية عند الشيعة