لبنان يتقاعس عن تقديم تقاريره الدولية عن حقوق الإنسان

يجب على لبنان، بصفته دولة طرفاً في اتفاقيات دولية أساسية متعلّقة بحقوق الإنسان، أن يقدّم تقارير دورية إلى اللجان المكلفة رصد تنفيذ تلك الاتفاقيات ومراقبته.
وإذ يبدو طبيعياً أو مألوفاً أن يتحفّظ على بنود منها أو بروتوكولات تابعة لها، يبقى من غير الطبيعي أن يتخاذل في تقديم التقارير المتوجبة عليه، خصوصاً أن في ذلك برهانا أوليا وبسيطا على مدى التزامه بالمعاهدات والاتفاقيات التي وقّع عليها.

فيكون واجباً على الحكومة الجديدة، إن التزمت بشعارها «كلنا للوطن، كلنا للعمل»، أن تصوغ اثني عشر تقريراً، تأخرت الحكومات السابقة في تقديمها ما بين ثلاث إلى أربع عشرة سنة، وتتعلّق بست اتفاقيات محورها حقوق الإنسان، وقــع عليها لبنان.
قبل حوالى سنة، أصدرت جمعية «ألف» تقريراً يتناول تلك التقارير المستحقة على لبنان، والأسباب التي حالت دون التقيّد بمواعيد تقديمها. كما كان النائب غسان مخيبر قد تقدّم بسؤال إلى الحكومة اللبنانية في العام 2003، حول أسباب التأخير في تقديم التقارير، مطالباً إياها بالالتزام بتقديمها أمام اللجان الدولية المعنية بأسرع وقت: «حتى الساعة، لم تتم الإجابة عن سؤالي» يقول مخيبر لـ»السفير»، موضحاً أن ما يترتب على الوضع القائم ليس الا «البهدلة» أمام المحافل الدولية، كلما اجتمعت لجنة أو كلما استحق تقرير. وتشير «ألف» إلى ثماني اتفاقيات أو معاهدات تتعلق بحقوق الإنسان، صدّق لبنان ست منها وأدخلها حيّز التنفيذ، فيما بقيت البروتوكولات التابعة لعدد منها غير مصدقة.

وهكذا، صدّق لبنان على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وأدخله حيّز التنفيذ في العام 1972، من دون أن يوقّع على البروتوكول الاختياري الأول التابع له المتعلّق بتقديم شكاوى من قبل الأفراد، او البروتوكول الاختياري الثاني المتعلّق بعقوبة الإعدام. كما صادق لبنان وأدخل حيّز التنفيذ الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل التي صادق على بروتوكولها الاختياري حول بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، ووقّع على بروتوكولها بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، من دون أن يصادق عليه أو يدخله حيّز التنفيذ.

ومن المعلوم أيضاً أن لبنان أدخل حيّز التنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، لكنّه رفض التوقيع على بروتوكولها الاختياري. كما صادق ووضع حيّز التنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، لكنّه لم يضع حيّز التنفيذ البروتوكول الاختياري التابع لها على الرغم من مصادقته عليه.
وهو، إذ وقّع على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول التابع لها، لم يدخل لا الاتفاقية ولا البروتوكول حيّز التنفيذ. تلفت «ألف» في تقريرها إلى أن الآلية المتبعة عادة لتلقي التقارير، تبدأ ببرقيات ترسلها لجان الأمم المتحدة المعنية بالاتفاقيات إلى وزارات خارجية البلدان، فتطلب منها إرسال تقاريرها الأولية أو الدورية. وتنتهي باجتماع تلك اللجان لمناقشة التقارير، بحضور وفد حكومي رسمي من الدولة الطرف لمناقشته وطرح الأسئلة عليه.. علماً بأن كل معاهدة أو اتفاقية تخضع لجدول زمني ودوري يحكم مواعيد تقديم التقارير.

لكن، بين البرقية واجتماع المناقشة، ماذا يجري في لبنان؟

في المبدأ، تطلب وزارة الخارجية من الوزارات المعنية بكل اتفاقية تزويدها بالمعلومات، على أن تجمعها وتصوغها في تقرير. وتلفت «ألف» هنا إلى أن آلية عمل وزارة الخارجية غير واضحة، كما أنه لا توجد هيئة رسمية مستدامة مكلّفة متابعة وضع التقارير وصياغتها وإرسالها في أوقاتها المحددة إلى اللجان الدولية المعنية.

وبالتالي، سجّلت «ألف» في تقريرها تقاعس الدولة اللبنانية عن تقديم عدد من التقارير، إذ استحق تقريرها إلى لجنة حقوق الإنسان، على مستوى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك منذ أكثر من ثماني سنوات. كما تقاعست عن تقديم ثلاثة تقارير إلى اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مسجلة فترة تأخير زادت عن الأربع عشرة سنة. كما استحق تقريراها إلى لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ولجنة حقوق الطفل، في ما خص البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، بشأن بيع واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية منذ ثلاث سنوات، وإلى لجنة مناهضة التعذيب، التي تنتظر منها تقريرين، أكثر من ثماني سنوات.

وإذا كان بإمكان الدولة شطب سجل تقاريرها المتأخرة عند تقديمها تقرير واحد، فقد تلجأ اللجان في بعض الأحيان إلى مناقشة وضع الدولة المعنية من دون وجود تقرير منها، ما يشكل ضغطاً أقوى على الدولة. لم يخضع لبنان لمثل تلك التجربة، لكن ذلك لا يعفيه من التقارير المستحقة، وإلا لظهر كدولة لا تحترم تواقيعها، على حدّ تعبير مخيبر، الذي يطالب بآلية واضحة لوضع التقارير خصوصاً وأن المسؤولية تضيع حين تطالب «الخارجية» بمعلومات معيّنة ولا تجيبها الجهة المختصة أو المسؤولة عن جمعها. كما كشف أن بعض المواضـــيع باتـــت تعتبر محرجة بالنسبة إلى لبنان، مثل التعذيب، حيـــث تخــجل الوزارات المعنية من الإفادة بما لديها من معـــلومات أو ممارسات، مؤكداً أن مشاركة لبنان في التقرير الدوري حول حقوق الإنسان أمام مجـــلس حقــوق الإنسان في السنة الماضية لا يعفيه من التــقارير المتوجبة عليه.. مفصـــحاً عن أن «الحكـــومة ما كانت لتقدّمه لولا الضغط عليها من قبل المجتمع المدني».

السابق
صور تستضيف رحلة العلم اللبناني
التالي
مسابقة أهضم طفل على الفايس بوك