الراي: لبنان في قبضة… “توترات مريبة”

في غمرة المرواحة التي تحكم ملف تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان المترنحة بين «هبات التشاؤل» التي تعاظمت معها التساؤلات عن المكامن الفعلية للتعقيدات التي تبدو مرتبطة بـ «الكمائن» الشعبية لأكثر من نظام في المنطقة، بدأت التوترات الامنية والحوادث الجوالة التي يشهدها لبنان على نحو متصاعد ترسم لوحة مثيرة للمخاوف الجدية من ان تكون البلاد على مشارف موجة مفتعلة من الاهتزازات، إما نتيجة للانعكاسات التي تتركها التطورات الاقليمية على لبنان، وإما على سبيل الانخراط في حرب محورية وتوريط البلاد فيها.

ولعل أشدّ ما أثار اهتمام الأوساط المراقبة وتخوُّفها من امور مبيّتة للمرحلة المقبلة هو مسلسل غير مترابط ظاهراً بين حلقاته، ولكنه يصب في خانة واحدة هي استهداف هيبة الدولة ومحاولة النيل من القوى الامنية والعسكرية على غرار ما حصل في اليومين الاخيرين.
فمن جهة بدأت الاعتداءات على القوى الامنية المشتركة من درك وجيش، خلال حملتها لإزالة مخالفات البناء على الاملاك العامة والمشاعات العائدة للدولة، تتخذ منحى خطيراً جداً يعكس خطة ممنهجة لكسر هيبة هذه القوى ومنعها من تنفيذ المهمات الموكلة اليها.
واذ تكاثرت في الايام الاخيرة حوادث الاعتداءات على القوى الامنية بوتيرة يومية وخصوصاً في مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق جنوبية تقع تحت نفوذ «حزب الله» وحركة «امل» (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، فقد بلغت هذه الظاهرة ذروة خطورتها امس مع «هجوم» استهدف وحدة امنية مشتركة في منطقة صور (الجنوب) وادى الحادث الى سقوط قتيلين مدنيين، احدهما فلسطيني وحرق آليات عسكرية. وافادت المعلومات القليلة عن اسباب الحادث بان ظهوراً مسلحاً كثيفاً سجل في مكان وقوعه ما يوحي بان ما جرى كان مفتعلاً ويأتي استكمالاً لنهج واضح في عدم التزام القوانين وترك الساحة مفتوحة امام هذا النوع من الاستباحة على خلفية قضية اجتماعية – أمنية مزمنة.

وكانت صور استفاقت على مشهد «مواجهة» بين القوى الأمنية ومجموعة من اصحاب مخالفات البناء في محلة المساكن الشعبية شرق صور، حيث تجمهر الاهالي واعترضوا عناصر الدرك. وخلال المد والجزر، اشارت تقارير الى إطلاق نار «منظّم» من مجموعات مسلحة من 20 شخصاً على القوى الأمنية، التي ردّت على النيران. وخلال هذه «المواجهة» سقط الفلسطيني وسام الطويل وعلي ناصر (لبناني من بلدة شيحين) الذي قيل انه ناشط في حزب فاعل في الجنوب، كذلك اصيب كل من ابراهيم طالب وجهاد حمود (من بلدة حداثا).

وعلى الفور، تجمع الاهالي، وعمدوا الى حرق آليتين عسكريتين تابعتين لقوى الامن الداخلي في منتصف الطريق التي قطعت بالاطارات المطاطية. وعم الغضب الاهالي الذين ظلوا في الشارع، احتجاجا على ما حصل.
وتلافيا للتداعيات، عقد اجتماع طارئ في ثكنة صور العسكرية ضم قادة امنيين وممثلين لـ «حزب الله» و«أمل». وبحث المجتمعون في الإشكال الذي حصل، وخلصوا الى تشكيل لجنة تحقيق ميدانية برئاسة قاضي التحقيق نبيل وهبي للوقوف على أسباب مقتل الشخصين. وفي السياق نفسه، وقع إشكال آخر بين رجال الأمن والأهالي في منطقة الأوزاعي (الضاحية الجنوبية لبيروت)، تخلله قيام الأهالي بمحاصرة سيارة تابعة للقوى الأمنية. كما نقل تلفزيون «المؤسسة اللبنانية للإرسال» أن «تعرضا للصحافيين تم في المحلة بالرجم والشتم والإتهام بالتحريض وحوصروا من الأهالي».

وكانت قيادتا «امل» و«حزب الله» في منطقة بيروت، دانتا بعد اجتماع حضره عدد من رؤساء البلديات وخُصص لبحث انتشار ظاهرة البناء العشوائي في الضاحية الجنوبية، «كل اشكال مخالفة القوانين لا سيما ما له علاقة بالتعدي على الاملاك العامة والخاصة وجوار حرم المطار»، واكدتا «رفع الغطاء عن اي من المخالفين، وان لا حماية لاحد في وجه القانون تحت اي ظرف»، داعيتين «القوى الامنية الى القيام بواجبها في منع المخالفات والمسارعة الى ازالة اي مخالفة فور وقوعها».
ولاحظت اوساط سياسية ان هذا التحدي السافر للقوى الشرعية لم يعد يقتصر على قوى معروفة باستقوائها على الدولة، بل بدأ يتمدد ليطاول قوى اخرى ثانوية ذات خلفيات اصولية او اقليمية على غرار ما اثارته مسألة التظاهر في طرابلس.

ذلك ان عاصمة الشمال تبدو على موعد خطير اليوم مع تحدٍ مزدوج للسلطة، اذ اعلن «حزب التحرير» الاسلامي (ولاية لبنان) انه لن يلتزم قرار منع التظاهر اليوم وسيمضي في تحركه المناهض للنظام السوري وفي المقابل يُخشى ان تمضي جهات في جبل محسن ذات الغالبية العلوية في تحدٍ مماثل دعماً للنظام السوري.
ومساء امس، كشف المسؤول الاعلامي في «التحرير» احمد القصص ان «الحزب توصل لتسوية مع القوى الامنية تقضي بتغيير مسار التظاهرة وحصر التجمع في مكان محدد»، واوضح ان «هذه التسوية تؤكد ان الحزب لا يخرق القرار الصادر عن مجلس الامن الفرعي الذي سمح بالتجمع في قاعة مقفلة او ساحة محددة بعد التنسيق مع القوى الامنية والعسكرية المعنية».في هذه الاثناء، لفت امس دخول هذا الملف على خط الاتهامات السورية لـ «تيار المستقبل» ونائبه جمال الجراح بتمويل وتسليح مجموعات تشارك في الاحداث التي تشهدها سورية، اذ ربطت صحيفة «الوطن» بين «المستقبل» وبين التيارات السلفية و«حزب التحرير».

وفيما لفت استقبال الرئيس ميشال سليمان السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي، تفاعلت قضية المناشير «المفبْركة» التي وزِّعت في طرابلس حاملة تواقيع حزب الكتائب وتيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«حزب الوطنيين الأحرار» و«التحرير» و«التيار السلفي» والتي تدعو الى التظاهر ضدّ النظام السوري، اذ نفت كل قوى 14 آذار، اي علاقة لها بتلك المناشير او «ببعض الدعوات للتظاهر تحت مسمى التضامن مع الشعب السوري، كما قال «المستقبل» الذي اهاب في بيان له بجمهوره ومناصريه «الالتزام بتوجهات رئيسه دولة الرئيس سعد الحريري لجهة الالتزام بمقتضيات الاستقرار الداخلي وعدم الانجرار وراء اية دعوات مرفوضة بالنسبة للتيار».

في هذه الأثناء، انهمكت الأجهزة الأمنية والدوائر السياسية في التحري عما «بين سطور» شريط الفيديو الذي ظهر فيه الاستونيون السبعة الذين كانوا خطفوا في زحلة (البقاع) في 23 مارس الماضي وناشدوا فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني سعد الحريري والملكين السعودي عبد الله بن عبد العزيز والأردني عبد الله الثاني والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تنفيذ مطالب الخاطفين لتحريرهم وإعادتهم الى منازلهم.

ونُقل عن مرجع أمني بارز، «ان محيط الرسالة لا يوحي أن الفيلم سُجِّل في لبنان، وهو امر يدعو الى معاودة البحث في معلومات جمعتها الاستخبارات الفرنسية ودلت الى أن الخاطفين تمكنوا من الخروج ورهائنهم من لبنان الى الأراضي السورية بعد أقل من 18 ساعة على الخطف، من خلال الالتفاف على موقع العملية والدخول عبر مواقع «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» التي تتصل بالأراضي السورية بمعابر آمنة خارجة عن سيطرة اي من القوى الأمنية».

ومجمل هذه «التوترات» املت على الحريري العائد الى بيروت من الرياض ترؤس اجتماع أمني تم خلاله البحث في الأوضاع الأمنية المستجدة والاتفاق على تأكيد «التشدد الحازم في تطبيق قرار مجلس الأمن الفرعي في الشمال لجهة منع التظاهرات في طرابلس ووجوب اتخاذ كل الإجراءات الضرورية واللازمة لتطبيق القرار المذكور، وملاحقة كل من يحاول العبث بالأمن والاستقرار في هذه الظروف الحساسة والدقيقة التي يمر بها لبنان والمنطقة».

السابق
الجريدة: إزالة مخالفات بناء تحصد قتيلين وجريحين والمواجهات امتدت إلى الأوزاعي
التالي
فرعون: منبر “الحرية والعدالة” تكملة لعمل الأمانة العامة في إطار أشمل