إيران بين الزوارق الأميركية والسفارة السعودية

أن تحمي كل دولة حدودها الإقليمية والوطنية، هو أمر أقرته الأعراف والقوانين والشرائع الدولية، وتعتبر حماية الحدود وحفظها من أيّ اختراق خروجاً كان هذا الإختراق أو دخولاً، هو المعيار الأوّل والمؤشر الأساسي على حيوية السلطة وقيامها بواجباتها، ولا يجوز التسامح بهذا المطلب بأيّ شكل من الأشكال وتحت أيّ ظرف.

من هذا المنظار بالتحديد تعاملت تركيا مع الطائرة الروسية التي اخترقت أجواءها لدقائق معدودات، ولم تجد بدّاً من إسقاطها، الامر الذي الذي أدّى الى التسبب بأزمة كبيرة بين البلدين، كانت إرهاصات تلك الأزمة قد بدأت بالظهور من خلال تضارب المصالح بينهما على الساحة السورية. فمن بديهيات القول أنّ طبيعة وحجم ردة الفعل التركي آنئذٍ لم تكن بحجم نتاج الإختراق الروسي، وانّما كان ترجمة طبيعية وتعبيرا عن الإختناق والتضخم بالعلاقات المتدهورة بينهما.
وبنفس المنظار يمكننا التطلع إلى حادثة احتجاز إيران لزورق البحرية الأميركية الذي اخترق ولمسافة كيلومترات المياه الإقليمية الإيرانية، فمن حيث المبدأ لا يمكن توصيف الفعل الإيراني إلاّ بالعمل الصحيح والمبرر، هذا إن لم نقل بأنّ إيران تستحق الثناء والمديح بقيامها بالحد الأدنى من واجباتها السيادية ولو بأسلوب فولكلوري تمثيلي كانت الكاميرا هي الحاضر الأكبر بالحدث ولا يعكس ردّ الفعل الإيراني مطلقاً حجم الإدعاء ودعاية النظام لصورة العداء مع أميركا الشيطان الأكبر.

الاتفاق النووي
فلم تلجأ الزوارق الإيرانية مثلاً إلى تدمير الزورق المعادي وقتل من فيه داخل حدودها، حتى أنّ طبيعة الفيلم الموزع من السلطات الإيرانية كان يعكس بشكل واضح طريقة التعامل الممتازة، وحسن الضيافة وطيب الطعام المقدم ” للأخوة ” المحتجزين، وقصر المدة الإحتجزاية يخبرنا بشكل لا لبس فيه أنّهم لم يخضعوا لا إلى تحقيق ولا إلى ما يحققونه، لدرجة أنّ مُشاهد فيلم الإحتجاز، وغبطة المحتجزين يقتنع بأنّ ” الشباب ” سوف يعيدون الكرّة حتماً، بقرار من قيادتهم أو من دونه.

اقرأ أيضًا: لهذا تتعامل أميركا ببرودة مع احتجاز البحرية الايرانية لجنودها…
هذه الحالة من الود والرحمة بين إيران وأميركا والتي تجّلت بأبهى صورها عبرالإفراج السريع عن الجنود “المعتدين”، والإتصالات الفورية بين مسؤولي البلدين ( ظريف – كيري ) بدون أيّ وساطة أو وسطاء، حتى كأنّ الأمر لم يحدث أبداً، وليس له أيّ تبعات سلبية تذكر على العلاقة بينهما، شاهدنا عكسها تماما بين إيران والسعودية، فمشاهد الشدة والغلظة بالهجوم على السفارة السعودية بطهران (والتي تعتبر السفارة هي الأخرى بحسب الأعراف الدولية المتبعة أرض سعودية) وإضرام النيران فيها وتكسير محتوياتها، وقطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين إلى حدّ يقرب من إعلان الحرب، ولم تبادر إيران بعد ذلك لخطوات فعلية تساهم بمعالجة الموضوع، مع التركيز أنّ السعودية لم تقم بأيّ عمل عدائي مباشر ضد إيران يستدعي هذه الـ”ردة الفعل”.

اقرأ أيضًا: ايران: من الموت لأمريكا واسرائيل الى الموت للعرب!

فبين مشهد الرحمة للزوارق، ومشهد الشدّة والنيران للسفارة، يطفو على السطح السؤال البديهي عن الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف هذا العداء الإيراني للدول والأنظمة العربية وفي مقدمهم المملكة السعودية، بعد تهافت الإتهام بالأمركة والتقرب من الشيطان الأكبر، ليظهر الآن وبوضوح أنّ رميَ “الأخوة” العرب في الجب، والدم الكذب على قمصانهم ليس بسبب الذئب الأميركي حتماً.

السابق
جريح بعبوة ناسفة في عرسال
التالي
«شارلي ايبدو»: لو عاش «ايلان»…لتحسس مؤخرات النساء في ألمانيا!