لا حكومة = لا رئيس

تعكس المعطيات المتداولة أنّ غالبية الأفرقاء السياسيين لا تؤيد تمديد ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ولا ترغب في وصول البلاد الى فراغ في سدة الرئاسة في أيار 2014. ويأمل الجميع في أن يحلّ موعد هذا الاستحقاق وتكون الأزمة السورية قد وُضعت على سكة الحلّ السياسي، وأن تكون تداعياتها وانعكاساتها على لبنان قد انحسرت، وأن تكون الأطراف اللبنانية الداخلية قد توافقت على حكومة تُنجز انتخابات الرئاسة في موعدها الدستوري.

وتنقسم آراء القوى السياسية إزاء الرئيس العتيد، ففريق منها يقول إنّ شخصية هذا الرئيس ومواصفاته ستفرضها طبيعة ما ستؤول اليه الأزمة السورية، فإذا تمكن النظام من حسم المعركة ضدّ المعارضة وجاء الحلّ بموجب “جنيف – 2” أو غيره وفق شروطه، فإنّ الرئيس العتيد سيكون شخصية من صفوف حلفاء دمشق، سواء كانت عسكرية او سياسية، بمعنى آخر أنّ هذا الرئيس سيكون من فريق 8 آذار أو من خارجها ولكنه يحظى بدعمها وتأييدها.

ويرى فريق آخر من هذه القوى انّ فريقَي 8 و14 آذار اذا توافقا على حكومةٍ قبل موعد الاستحقاق الرئاسي فإنّ توافقهما هذا قد يستولد توافقاً على شخص الرئيس العتيد، ما يعني انّ رئيساً توافقياً جديداً سيُنتخب على غرار الرئيس ميشال سليمان الذي انتُخب بهذه الصفة، قبل أن تتغير نظرة البعض اليه، ليصنفه في خانة فريق دون آخر، وينتقد مواقفه من هذه القضية أو تلك، ما جعله في نظر هذا البعض خارج الاطار التوافقي الذي حدّده “اتفاق الدوحة” عام 2008.

لكنّ فريقاً سياسياً ثالثاً يرى انّ الواقع الراهن إذا استمر على ما هو ولم تتوافر الحلول المطلوبة للأزمة السورية، فقد يكون المطلوب تمديد مهمة سليمان لا تمديد ولايته، بحيث يُنتخب رئيسٌ جديد يؤدي هذه المهمة تحت عنوان التوافق.

وإذا كان سليمان يعلن انه لا يرى مصلحة له في تمديد ولايته، فإنّ الفراغ غير مرغوب في المقابل، وهذا ما يفسر المواقف التي يكررها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والداعية الى تأليف حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية جديد في موعده الدستوري.

وثمّة فريق رابع متشائم، لإعتقاده انّ الظروف الداخلية والاقليمية والدولية مرشحة للاستمرار الى موعد غير محدّد، الأمر الذي قد لا يساعد على تأليف حكومة قريباً، وبالتالي لا يساعد على التوافق على انتخاب رئيس جديد، فتدخل البلاد في فراغ رئاسي يمتدّ لأشهر أو أكثر، في ظلّ استمرار حكومة تصريف الاعمال والمحاولات لعقد المجلس النيابي.

علماً انّ إقدام سليمان والرئيس المكلف تمام سلام على تأليف حكومة بلا توافق مسبق عليها قد يزيد الأزمة تعقيداً، لأنّ حكومة كهذه لن تنال ثقة مجلس النواب، وقد لا تتمكن من التحول حكومة تصريف أعمال تخلف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي ما تزال تحظى بالثقة النيابية على رغم استقالتها، خلافاً للتفسيرات الضيقة لمهمة تصريف الأعمال والتي تصرّ على تحديد هذا التصريف في “الإطار الضيق”، وهو تعبير لا يأخذ في الاعتبار الظروف الحساسة التي تمرّ بها البلاد، وكذلك لا يأخذ بالمبدأ القائل إنّ ليس هناك من شيء إسمه فراغ في المؤسسات، اياً كانت الاوضاع التي تعيشها البلاد، لأنّ هناك مصالح شعب ودولة ينبغي تأمينها مهما كلف الامر.

وفي انتظار تبلور مصير الاستحقاق الرئاسي تحت جنح التسويات الاقليمية والدولية المنتظرة، فإنّ الصالونات السياسية والمجالس الضيقة تحفل باسماء مجموعة محدودة من المرشحين، منها العسكري ومنها السياسي ويُبحث في مدى تلاؤم كل منها سياسياً مع طبيعة المرحلة، في ظلّ اعتقاد كثيرين انّ لبنان لم يصل بعد الى مرحلة “رئيس اختير في لبنان”، إذ إنّ العوامل الاقليمية والدولية كانت ولا تزال تتحكم بالاستحقاق الرئاسي حتى في الوضع السياسي اللبناني الطبيعي، فكيف والحال الآن حيث لا وضع داخلياً مستقراً أمنياً أوسياسياً أو اقتصادياً، وحيث العالم دخل في نظام دولي جديد بدأ ينتج تسويات في الإقليم وعلى المستوى العالمي، لا بدّ أن تلقي بانعكاساتها، او على الاقل، بظلالها على لبنان.

السابق
الانوار: انتشار قوى الامن في التبانة وجبل محسن تنفيذا لخطة طرابلس
التالي
اغضبوا