على جبهة الجنوب..استعداداتٌ لاحتمالات الانفراج والانفجار!

قصف اسرائيلي جنوب لبنان

فيما كانت المفاوضاتُ حول اتفاق التهدئة بين «حماس» وإسرائيل تقترب من لحظة «أبيض أو أسود»، وسط محاذرةِ الجزم بمآلاتِ «الخمس دقائق الأخيرة» وما قد تحمله من «ألغام»، بدت الجبهةُ الموازية في جنوب لبنان في حال تَرَقُّبٍ لِما سترسو عليه مَساعي استيلاد الهدنة «على مراحل» في غزة وانتزاع تَفاهُم من فم تعقيداتٍ ترتبط بما إذا كان وقف النار الذي «يسلّم» آخَر موْصولٌ بخاتمةٍ صريحة عنوانها (انتهاء الحرب) لمرة واحدة ونهائية، وبضمانة(غير قابلة للرجوع عنها) بأن اجتياح رفح «وُضع على الرف».

ورغم أن بيروت وجدتْ فسحةً لـ«حربٍ كلامية» على تخوم ملف النزوح السوري والحزمة المالية بمليار دولار (حتى 2027) التي أعلن الاتحاد الأوربي تقديمها للبنان وهل هي «رشوة لإبقاء النازحين على أرضه»أم استفاقة تؤكد احتضان«بلاد الأرز»خارجياً، فإن هذه المعركة «فوق السطوح» والتي جاءت أقرب إلى«محاربة طواحين الهواء» كون «القفل والمفتاح» في هذا الملف يراوح بين يديْ النظام السوري والغرب في مكاسرتهما حول مرتكزات الحلّ للأزمة السورية، لم تَقْوَ على حَجْبِ الانتظار المشوبِ بالقلق بإزاء مفاوضات هدنة غزة بحال تعثّرتْ «الفرصة الأخيرة» أو حتى إذا تَجاوزتْ «ممر الأشواك» الأدقّ.

«رادارات العالم»

وفي حين تركّزتْ «راداراتُ» العواصم العربية والغربية على ديبلوماسية ربع الساعة الأخير المحفوفة بمَخاطر فشلٍ في بلوغ هدنةٍ في غزة وهو ما من شأنه أن يرتّب تداعيات متدحرجةً على أكثر من جبهة، كانت«حصة لبنان» من الرصدِ كبيرةً في ضوء الخشية من ترجماتٍ سريعة لأي انهيار للمفاوضاتِ على جبهة الجنوب، وفي الوقت نفسه عدم انقشاع الرؤية حيال «الناظم» لهذه الجبهة إذا أرسيَ الاتفاق، في ظل استحالةٍ واضحة بأن تعود لِما كانت عليه قبل«طوفان الأقصى» ولا أن تنتقل إلى ضفةِ شروطٍ إسرائيلية، يرى«حزب الله» أنها على طريقة «الحصول في الديبلوماسية على ما لم يؤخَذ في الميدان» ،معتبراً أن تل أبيب ليست في موقع مَن يمكنه فرض«نسختها» في ما خص أي ترتيباتٍ في جنوب لبنان تحت عنوان القرار 1701 أو سواه.

«محور الممانعة»

ولاحظتْ أوساط مطلعة أن الميدان شهد في الساعات الماضية نوعاً من الانكفاء النسبي في المواجهات على المقلبين، اللبناني والإسرائيلي، وهو ما اعتبرتْ دوائر غير بعيدة عن محور الممانعة أن مردّه إلى أمرين: أوّلهما إفساح المجال لمفاوضات الهدنة في غزة لتأخذ مداها، وثانيهما الحرص على عدم «سحْب وهْج» الإعلان المدوّي من الحوثيين عن بدء تنفيذ مرحلة جديدة من التصعيد ضد السفن«حتى البحر الأبيض المتوسط (…) حال اجتياح رفح»، وتالياً الرغبة في ترْك«مَن يعنيهم الأمر يستوعبون الصدمة».

«دفاع هجومي»

ورغم أن هذا الإعلان وُضع في إطار رسم خطوط «دفاع هجومي» من محور الممانعة بإزاء أي فشلٍ للمفاوضات أو إصرار إسرائيلي على الفصل بين مساريْ الهدنة المفترَضة واجتياح رفح، فإنّه عَكَسَ حراجةَ ما قد يكون عليه الوضع في حال انقطاع ما يمكن أن يشكّل «طوق خروجٍ» لمختلف الأفرقاء من مصيدةٍ بات الجميع عالقين فيها، وإن كان تَصَدُّر الحوثيين الواجهة في هذا الإطار يؤشر في جانبه الآخَر إلى«صمود» القرار الإستراتيجي لطهران بعدم الرغبة في «الصِدام الكبير»، الذي لا يكون إلا بـ «زريْ تفجير»: الأول تضغط عليه إيران فتنخرط مباشرة في الحرب، والثاني «حزب الله» عبر زجّه في مواجهة «يا قاتل يا مقتول».

هوكشتاين

وعلى وقع هذا الترقب، يتعمّق الاقتناعُ في بيروت بأن أي إطار لـ «اليوم التالي» لبنانياً، والذي يبقى مدخله «الوحيد» وقف حرب غزة، لن يكون إلا على متن وساطة أميركية يتولاها آموس هوكشتاين الذي يُتوقّع أن يحط في بيروت ما أن يُعلَن بدء المرحلة الأولى من الاتفاق حول غزة وذلك في محاولة لضبْط جبهة الجنوب على إيقاع المستجدات التهْدوية وإطلاق مسارٍ متبادَل من التهدئة على أسسٍ متدرّجة تُلاقي طبيعة التفاهم حول القطاع ومدى «صموده».

جبهة الجنوب خطوة إلى الوراء مع تقدُّم الحوثيين خطوة إلى الأمام في تهديدهم ملاحة البحر المتوسط

وذلك على قاعدة الاتفاق الإطار الذي عمل عليه الموفد الأميركي منذ «طوفان الأقصى» وفتْح «حربٍ المشاغلة»، وذلك بما يسمح بوقف التصعيد والإرساء المتدرّج لخطوات متقابلة على شكل ترتيباتٍ أمنية – عسكرية أو ضمانات تسمح في التوقيت المناسب بعودة النازحين على المقلبين وتعزيز حضور الجيش ومعالجة المظاهر العسكرية وصولاً إلى تَفاهُمٍ على نقاط الخلاف البرية يضمر تنفيذاً ناعماً للـ 1701.

ماكرون

وفي هذا الإطار، ورغم تجديد باريس تظهير رعايتها للوضع اللبناني عبر استقبال الرئيس إيمانويل ماكرون (الجمعة) في قصر الإليزيه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فإن الدوائر غير البعيدة عن «الممانعة» تقلّل من أهمية محاولات فرنسا الاضطلاع بمهمة «إخماد الحريق» على جبهة الجنوب وفق الورقة التي تسلّم لبنان نسختها الثانية قبل أيام وكانت محور لقاءات وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه في كل من بيروت وتل أبيب، وتنص على حلّ من 3 مراحل (نشرت بنوده الحرفية جريدة الأخبار) يبدأ بـ:

  • وقف العمليات العسكرية والعدائية من «حزب الله» وإسرائيل مع دور مُراقِب لـ «اليونيفيل».
  • ثم يمر (خلال 3 أيام) بتفكيك «حزب الله» كل «المنشآت والمرافق والمراكز القريبة من الخط الأزرق» و«سحب القوات المقاتلة» بما فيها «ميليشيا» الرضوان والقدرات العسكرية، لمسافة لا تقل على 10 كيلومترات شمال الخط الأزرق، على أن «توقف إسرائيل الطلعات الجوية فوق الأراضي اللبنانية»، مع البدء بنشر ما يقارب 15 ألف جندي من القوات المسلحة اللبنانية في جنوب نهر الليطاني.
  • وصولاً في المرحلة الثالثة (خلال 10 أيام) إلى «أن يستأنف كل من لبنان وإسرائيل (بدعم من اليونيفل) المفاوضات حول ترسيم حدود لبنان البرية بطريقة تدريجية، مع التركيز أولاً على المناطق التي تمّت مناقشتها بالفعل في إطار الآلية الثلاثية لليونيفل عام 2018. والدخول في مفاوضات حول خريطة طريق لضمان إنشاء منطقة بينَ الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد أو مجموعات مسلحة وأصول وأسلحة، باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية واليونيفيل».

وبحسب هذه الدوائر فإنه يتم التعاطي مع فرنسا على أنها صاحبة «الدور المفقود والتي تبحث عن دورِ مَن لا دور له»، معتبرة أن باريس «لا تملك أدوات تأثيرٍ يُعتدّ به على الطرفين المعنيين أي اسرائيل وحزب الله»، ومؤكدة أن «الحزب حاسم في أن لا وقف لحرب المشاغلة قبل وقف حرب غزة وأن (قوة الرضوان) جزء من أهالي الجنوب ولا انسحاب في أي حال إلى 10 او 15 كيلومتراً».

باريس لا تملك أدوات تأثير لـ «تثقيل» ورقتها حول الجنوب و«حزب الله» لا يقيم وزناً لها

ووفق الدوائر نفسها فإنه «يستحيل على إسرائيل وقف طلعاتها الجوية» ما دام «حزب الله» موجوداً وهي بحاجة لتحديث دائم لبنك أهدافها، وثمة مسيّرات تملكها قادرة على الرصد من دون أن تلتقطها الرادارات (الشبح)، لافتة رغم هذه القراءة إلى أن «حزب الله» يستبعد حرباً إسرائيلية واسعة عليه، إلا أنه يستعدّ لها.

توسيع المواجهة

وكان لافتاً في هذا الإطار، إعلان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أن «حزب الله لا يريد الحرب لكن إن قرّر العدو الإسرائيلي توسيع المواجهة وخوض الحرب فنحن جاهزون لها، وقد أنهينا الاستعدادات».

إقرأ ايضاً: النازحون الجنوبيون عينهم على تقدم مغاوضات غزة

وقال «بحسب المعطيات العدو غير قادر وليست له مصلحة بالحرب، ونحن لا نرى مصلحة بحرب واسعة»، مؤكداً «لا يوجد لدينا أي موقف يمكن أن نعطيه حول الوضع في الجنوب قبل وقف الحرب على غزة»، مشيراً إلى أنه «في حال حصل وقف إطلاق نار شامل في غزة يحصل وقف إطلاق نار في جنوب لبنان إذا توقف العدو عن اعتداءاته، وهذه قاعدة ثابتة».

السابق
النازحون الجنوبيون عينهم على تقدم مغاوضات غزة
التالي
«هُدنة» غزة..ربع الساعة الأخير!