الجمهورية: الأسد يستعدّ لاجتياح حلب وسط تحذيرات دولية

لولا حديث النائب وليد جنبلاط الذي دعا فيه إلى "قتل الأسد"، والتوتّرات الأمنية من طرابلس التي تجدّدت فيها الاشتباكات بين باب التبّانة وجبل محسن، إلى صيدا التي تشهد حراكاً سياسيّاً استثنائيّاً لتطويق اعتصام الشيخ أحمد الأسير في موازاة التحرّكات على الأرض، لكان استأثر المشهد السوري بالحدث السياسي، خصوصاً أنّ كلّ الأنظار شاخصة إلى معركة حلب التي تُعتبر عن حقّ "أمّ المعارك" نظراً لرمزيتها وللمنحى الذي ستأخذه الأمور في سوريا في حال تمكّنت المعارضة أو النظام من الحسم.

وقد رسمت التطوّرات السورية في الساعات الأخيرة صورة قاتمة، بعدما تقاطعت الأنباء والمعلومات عن تحضيرات النظام السوري لاجتياح مدينة حلب، والتي وصفها "الجيش السوري الحر" بأنّها ستكون "أمّ المعارك" معلناً عن "أسر 100 عنصر من القوّات النظامية والشبّيحة في حلب"، ما دفع بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي التقى المبعوث الأممي كوفي أنان إلى دعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى عدم استعمال الأسلحة الكيماوية تحت أيّ ظرف، في حين حذّر الجيش الروسي المعارضة السورية المسلّحة من استهداف قاعدة طرطوس. وسجّلت أوّل حالة انشقاق في مجلس الشعب السوري، حيث أعلن عضو في المجلس الوطني السوري المعارض انشقاق عضو المجلس إخلاص بدوي ولجوءَها مع أولادها الستّة إلى تركيا.
وفي معلومات لـ"الجمهورية" من مندوبها في واشنطن، أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة تتّجه إلى مناقشة مشروع قرار أعدّته السعودية يدعو إلى دعم عملية انتقال سياسي في سوريا على أن توقف القوّات الحكومية السوريّة أوّلاً أعمال العنف وتسحب جنودها وسلاحها الثقيل إلى الثكنات. ونُقل عن ديبلوماسيّين أنّ مشروع القرار سيُطرح رسميّاً على الجمعية العامة مطلع الأسبوع المقبل.
ولفت إلى أنّ مجموعة الدول العربية في الأمم المتحدة تناقش تعديلات في مشروع القرار، وهو يدعو في صيغته الحاليّة كلّ الدول إلى فرض عقوبات على السلطات السوريّة مماثِلة للّتي تبنّتها جامعة الدول العربية. ويطلب من السلطات السورية التقيّد الكامل بتعهّداتها بموجب القانون الدولي في ما يتعلق بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية وعدم استخدامها. ويشدّد على أهمّية ضمان محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها الجرائم التي قد ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية، ويشجّع مجلس الأمن على اتّخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الإطار.
مخاوف من مجزرة في حلب
في غضون ذلك، ارتفع منسوب المخاوف الدولية من مجزرة تُحضّر في حلب، ورأت الولايات المتحدة الأميركية أنّ تقدّم الدبّابات واستعمال المروحيّات والطائرات يشير إلى "تصعيد خطير في النزاع"، مؤكّدةً في الوقت نفسه أنّها لن تتدخّل عسكرياً في سوريا، وأبدت روسيا قلقها من تصعيد توتّر الوضع، وعلى مصير مواطنيها هناك. وحذّرت فرنسا من أنّ الأسد "هو على وشك ارتكاب مجازر جديدة ضدّ شعبه في حلب من خلال تجميع الوسائل العسكرية الثقيلة في المناطق المحيطة بالمدينة". وحذّرت بريطانيا من سقوط ضحايا "بشكل كارثي"، وعبّرت إيطاليا عن قلقها من التقارير الخطيرة عن هجوم في حلب تستعدّ له قوّات الأسد، وأكّدت الحاجة إلى ممارسة الجميع أعلى درجة من الضغط على الأسد، أقلّه من أجل تفادي خطر وقوع مذبحة جديدة".
وكرّر الاتّحاد الأوروبّي نداءه لكافّة الأطراف للعمل على تجنّب مزيد من العنف، ورأت تركيا أنّ النظام السوري يستعدّ للهجوم بالدبّابات والمروحيّات على حلب، وتمنّت أن يلقى النظام الردّ الذي يستحقّه من الشعب مؤكّدة على أنّ "المجتمع الدولي يخطّط الآن لمرحلة ما بعد الأسد".
وأعربت ألمانيا عن اعتقادها بأنّ بوادر تآكل النظام السوري بدأت تتّضح، لكنّها أشارت إلى أنّه ما يزال من المبكّر توقّع نهاية سياسية قريبة للأسد.
وأبدت المفوّضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي قلقها الشديد حيال مصير المدنيّين وإمكان حصول مواجهة وشيكة كبيرة في حلب، وقالت إنّها تلقّت معلومات غير مؤكّدة تشير إلى ارتكاب فظائع، بينها تصفيات تعسّفية وإطلاق نيران قنّاصة ضدّ مدنيّين خلال المعارك الأخيرة في ضواحي دمشق. وأبدت اقتناعها بأنّ جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب لا تزال ترتكب في سوريا.
المعابر والحدود
وعلى الضفّة اللبنانية، وما عدا القذائف الثلاث التي استهدفت فجر أمس خراج الدبابية والنوري القريبة من مجرى النهر الكبير الجنوبي في عكّار مقابل تل كلخ في الجانب السوري من الحدود الشمالية، فقد شهدت مختلف المحاور الحدودية هدوءاً ملحوظاً على رغم ما تردّد من قصف مدفعي عنيف نتيجة الاشتباكات المتواصلة بين الجيش السوري النظامي والجيش السوري الحر في المقلب السوري من الحدود والتي تردّدت أصداؤها في مختلف المناطق اللبنانية.
وقالت مصادر أمنية لـ"الجمهورية" إنّ الإحصاءات التي تتحدّث عن حركة وكانت شهدت أحياء صيدا الداخلية ومستديراتها الأساسية عمليّات كرّ وفرّ بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين انضمّ إليهم أمس عناصر التنظيم الشعبي الناصري في مواجهة أنصار الإمام الأسير، فقطعوا الطرق قبل الظهر وبعده في شارع المدينة الرئيسي.
وقبل أن تنتقل المواجهة بعد الظهر إلى الخط البحري الذي يربط بين الجنوب وبيروت، قطع أهالي الصرفند قبل الظهر طريق البلدة الرئيسية، ما زاد الطين بلّة، فتسبّبت العملية بزحمة سير خانقة على الطريق الدولية لساعتين اكتوى فيها أبناء الجنوب بنار الطقس الحار.
وقال محافظ الجنوب نقولا بو ضاهر لـ"الجمهورية" إنّ مجلس الأمن الفرعي في الجنوب واجه ما شهدته صيدا أمس بكلّ تشدّد وصرامة، وبالتعاون مع مختلف الأجهزة الأمنية قرّرنا منع قطع الطريق الدولية، لكنّ أنصار الأسير نجحوا في التسلّل من ثغرة أمنية محدودة ونزلوا إلى الطريق الساحلي ولم يتمكّنوا من قطعها إلّا على مسلك واحد لثلاث دقائق قبل أن يتفرّقوا.
بدوره، اعتبر مرجع حكومي معني بالتدابير المتّخذة لـ"الجمهورية" أنّ القوى الأمنية نجحت في الفصل بين المتناحرين ومنعت الاحتكاك. وقال: "كان في حساباتنا تطويق أجواء التوتّر التي كانت تسود المدينة قبل 24 ساعة نتيجة أحداث القيّاعة، والتي تُرجمت تحرّكات متنقلة بين ساحات المدينة ومداخلها والطريق الساحلي ومنع انفجار أمني كان يمكن أن يقع لو لم تكن القوى الأمنية حاضرة بقوّة.
أضاف: "إنّ القرار السياسي يساوي في أهمّيته القرار الأمني، لا بل يتجاوزه في مثل الحالة التي نواجهها في صيدا وبعض المناطق الحسّاسة والساخنة"، لافتاً إلى أنّ الإيحاءات السياسية موجودة بقوّة في كلّ مظاهر التوتّر التي شهدتها المدينة، ولم يكن ينقص سوى نزول رجال الصف الأوّل إلى الطرقات.
الكهرباء تفاجئ مياوميها
واستأنف المياومون وجباة الإكراء تحرّكهم في الشارع وإحراق الإطارات أمام مؤسّسة كهرباء لبنان احتجاجاً على إخراج الفواتير منها، ودعوتهم "كافّة العمال والجباة في كلّ المناطق للحضور إلى المركز الرئيسي للشركة الاثنين لمنع إخراج الفواتير"، فيما دعا نوّاب بيروت إلى التظاهر أمام منزل أو مكتب وزير الطاقة جبران باسيل "لأنّ فريقه تسلّم الوزارة منذ 4 سنوات وأوصلنا إلى ما نحن عليه"، وأمام مكتب وزير الاتصالات نقولا صحناوي "الذي حوّل الوزارة إلى تغطية لعدم تسليم داتا الاتّصالات".
إلى ذلك، فاجأت الإدارة المالية في مؤسّسة الكهرباء المياومين بنقل الفواتير القابلة للجباية من مبنى المؤسّسة قبل ظهر أمس وبعده بحماية أمنية، لتسليمها إلى الشركات مقدّمة الخدمات الاثنين المقبل، ما دفع بمحاصري المؤسّسة إلى التعبير عن المفاجأة التي أصابتهم بتقديم مواعيد "برامج الشغب" التي يتقنونها من الاثنين المقبل إلى عصر أمس ومسائه، فأشعلوا النيران في مستوعبات النفايات في الباحة الداخلية للمؤسّسة تعبيراً عن فشلهم في شلّ عملها نهائيّاً، وفي أدقّ قطاعاتها المالية التي توفّر لهم رواتبهم التي يطالبون بها وتمنع وصول الفواتير بالجملة إلى المواطنين الذين سيتكبّدون مئات الألوف من الليرات بموجب فواتير فصلية في ظلّ فقدان القدرة على تسجيلها وتقسيمها وفق الفاتورة الشهرية.
الوفد الأمني والتقني إلى باريس
وعلى خط البحث عن الوسائل المعتمدة في فرنسا للإفادة من خدمات الخلوي والـ"IMZI" وسبل استخدامها في الكثير من المجالات الأمنية وغير الأمنية، تركّزت الاتّصالات أمس على تشكيل الوفد الذي سيرافق عضو اللجنة القضائية المكلّفة مراقبة الاعتراض على المكالمات الهاتفية، رئيس مجلس شورى الدولة شكري صادر إلى باريس، وضمّ الوفد كلّاً من العقيد طوني قهوجي من مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، المقدّم خالد يوسف من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي والعميد المتقاعد جوزف نصّار ممثلاً لوزارة الاتصالات وقطاع الخلوي.
ولفتت مصادر مطّلعة إلى أنّ الوفد لا يحصر مهمّته في كيفية استخدام الـ"IMZI" في المجالات التقنية والأمنية، لا سيّما في مكافحة الإرهاب وغيرها من المجالات القضائية والإدارية والتقنية، بل إنّ البحث سيتناول الحالات التي تُمنح فيها التراخيص للإطّلاع على كامل هذه المعطيات والحالات التي تُحجَب فيها عن أيّ مصدر كان .
تزامناً، ما تزال الاتّصالات قائمة عبر السفارة الفرنسية في بيروت ونظيرتها اللبنانية في فرنسا لتحديد المواعيد مع الخبراء الفرنسيين في هذا القطاع سعياً إلى تجميعها في يومين أو ثلاثة بدلاً من أسبوع أو عشرة أيّام، لأنّ المهمّة عاجلة ولا يمكن للفريق اللبناني أن يفرض مواعيده على الخبراء الفرنسيين في الزمان والمكان المناسبين. وعلمت "الجمهورية" أنّه وعلى رغم التأكيدات بأنّ الـ "IMZI" باتت في تصرّف التحقيق، فإنّ مرجعاً أمنيّاً أكّد ليل أمس أنّ هذه المعلومات غير دقيقة، لكنّه أضاف: لقد استكملت كلّ التواقيع المطلوبة وهي في طريقها إلينا".
فاريل والقرار المكمل
وعلى خط المحكمة الدولية، غادر المدّعي العام نورمان فاريل والمحقّق الدولي محمد علي اللجمي إلى باريس، بعد زيارة إلى لبنان استمرّت أيّاما عدّة اطّلع خلالها رئيسا الجمهورية والحكومة وكبار المسؤولين على الإنجازات التي حقّقتها المحكمة والمراحل اللاحقة التي تلي تحديد الموعد لانطلاق المحاكمات الغيابية إذا بقي المطلوبون بعيداً من أقفاص المحكمة في 25 آذار 2012 .
وكشفت مصادر تتابع عمل المحكمة لـ"الجمهورية" أنّ فاريل أطلع المسؤولين اللبنانيين على بعض الخطوات الأساسية التي باتت على قاب قوسين أو أدنى من أن تتحقّق، وفي أولوياتها حديث عن القرار الاتّهامي المكمل للقرار الأساسي الأوّل الخاص بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إضافة إلى صدور قرارات أخرى متّصلة بضمّ الجرائم ذات الصلة إلى الجريمة الأساسية، وهي محاولات اغتيال كلّ من النائب مروان حمادة، نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع السابق للحكومة الياس المر واغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي.
وعن الجرائم الأخرى التي يُمكن ضمّها إلى الجريمة الأساسية، قالت المصادر إنّ العملية ستجري بالتقسيط فلا يمكن ضمّ كلّ الجرائم التي ثبُت ارتباطها دفعة واحدة.
وذكرت مصادر المعلومات أنّ المرحلة الأولى من الخطوات المقبلة والتي تتّصل بالقرار الاتّهامي المكمل للأوّل متوقّعة في نهاية أيلول المقبل إذا ما دخلت المحكمة بدءاً من بداية آب المقبل عطلة قضائية تمتدّ لشهرين – ولو لم تكُن رسمية – يمكن أن يستفيد منها المدّعي العام في التحضيرات لهذه الخطوة التي ستشمل أسماء إضافية لبنانية وسورية، وقد يكون من بينها من هم من جنسيات عربية مختلفة.
الراعي يتّصل بالحريري
وأجرى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ظهر أمس اتّصالاً هاتفياً بالرئيس سعد الحريري، وعرض معه الأوضاع العامة والزيارة التي سيقوم بها إلى منطقة عكّار الشهر المقبل.
جنبلاط يدعو إلى قتل الأسد
وفي سياق مواقفه التصعيدية حيال النظام السوري، إنتقد النائب وليد جنبلاط عدم تحرّك الغرب في سوريا، داعياً إلى "نصرة الشعب السوري" وتزويده بالسلاح والمعدات "ليتمكّن من الصمود ومن إسقاط المروحيات وطائرات ميغ 23 التي يستخدمها بشّار ضد المدن والناس".
واستبعد جنبلاط رحيل بشار الأسد مؤكّداً أنّ "جيشه قوي ولن يتخلّى عن السلطة. ينبغي قتله، ببساطة، أو إذا شاء الروس والإيرانيّون أن يأخذوه إلى مكان ما في سيبيريا أو في الصحراء الإيرانية. لا يوجد حلّ آخر".
…وسعيد لتدابير بحق عون
وأعلن منسّق الأمانة العامة لقوى "14 آذار"، النائب الأسبق الدكتور فارس سعيد، أنّ إصرار ربط صورة الطائفة المسيحية بالنظام السوري يعرّض المسيحيين إلى ويلات، وسأل: "إذا كانت مصلحة النائب ميشال عون ردّ الجميل وتسديد الفواتير لكلّ ما قام به حزب الله والنظام السوري لتكوين زعامته في الوسط المسيحي، فما هي مصلحة المسيحيين؟"، إذا كان عون مجبراً للدفاع عن نظام ساعده للوصول إلى موقع سياسي ما، ما هي مصلحة المسيحيين؟ وإذا كان عون غير قادر على التفلّت من الارتباطات السياسية التي نسجها منذ عودته إلى لبنان فأين هي مصلحة المسيحيين"؟ متمنّياً على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والكنيسة أخذ التدابير في هذا الاتّجاه. ولفت إلى أنّ أخطر ما يكون في هذه المرحلة أن تأتي شخصية أو جهة مسيحية ما وأن تصرّ على ربط صورة المشهد المسيحي بصورة نظام يتهاوى أوّلاً، وهو نظام قاتل وظالم ثانياً.
طرابلس مجدّداً
وفي إطار الفلتان الأمني القائم، اندلعت اشتباكات بين القبّة وجبل محسن ما لبثت أن تطوّرت لتشمل منطقة التبّانة. وتدخّل الجيش فردّ على مصادر النيران بغزارة، ما أدّى إلى انحسارها بعض الشيء، إلّا أنّ إطلاق النار من أسلحة رشّاشة لا يزال مستمراً بتقطّع.
وتوقّعت مصادر مطّلعة أن تتأزّم الأحوال الأمنية في طرابلس بسبب التدهور الخطير والسريع للأحداث الأمنية في سوريا وفي ظلّ انقسام كبير بين مؤيدي النظام ومعارضيه في عاصمة الشمال على حدّ سواء.
قتيلان في السبتية
إلى ذلك, نفّذ الجيش اللبناني انتشاراً في السبتية بعد سقوط قتيلين إثر مطاردة مكتب مكافحة المخدّرات لمهرّبين .?  

السابق
الأخبار : اشتباكات بين الجيش ومسلّحين في طرابلس
التالي
الحياة: ميقاتي: لبنان يحتاج إلى حكومة استثنائية