ما هي خلفيات الموقف الاشتراكي من النسبيّة؟

الموقف المدوي الذي اطلقه رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط حيال ما يحكى عن قانون جديد للانتخابات النيابية، بقدر ما كان مفاجئا لكثيرين، انعكس ارتياحا عند جهات سياسية وكتل نيابية عدة، ترفض اعتماد النسبية في القانون سرا، وجاء موقف جنبلاط لـ"ينقذها" فقد بات في استطاعتها التلطي وراءه في رفض النسبية. وبهذا المعنى يمكن القول ان وليد جنبلاط كان الاجرأ في اعلان موقفه الصريح من اعتماد النسبية في قانون الانتخاب في هذه المرحلة، خلافا لآخرين يعارضونها ضمنا ويتظاهرون علنا بأنهم من دعاتها. وبناء عليه، ومن هذا المنطلق "لا يزايدن احد علينا" تقول بداية اوساط جنبلاط.

كان "الزعيم وليد بك جنبلاط" وفق مناداته من كل الخطباء الذين تعاقبوا على الكلام في الافطار الرمضاني الذي اقامته "مؤسسات العرفان التوحيدية" غروب السبت "في احلى حالاته"، اذ بدا مرتاحا وهو يجول ببساطته المعهودة بين اهله وجمهوره ولاسيما من ابناء "اقليم المحبة والوفاء" كما وصفه، متحدثا في اشارة الى منطقة اقليم الخروب في الشوف، وكان المدعوون من ابنائها حصرا، وكان من اوائل الذين وصلوا الى مكان اللقاء في السمقانية ولم يكن يود التطرق الى الشأن السياسي "لكي لا اعكر صفو هذا اللقاء، وقد حفظنا جميعا الاسطوانة السياسية اليومية عن غيب"، ولكنه عاد وتطرق حصرا الى قانون الانتخاب. فما هي خلفيات الموقف الجنبلاطي؟

لا بد من الاشارة اولا الى ان اوساطه تحرص على التأكيد ان موقف جنبلاط لا يعني انه ضد النسبية بالمطلق، ولكنه يرى انها تحتاج الى مناخات سياسية ملائمة، غير متوافرة في المرحلة الحالية، وتقول: "من المفيد التأكيد بداية ان كمال جنبلاط كان اول من طرح اعتماد النسبية في آب 1975، اي منذ 36 عاما ضمن البرنامج المرحلي لـ"الحركة الوطنية"، وكان عامذاك طرحا متقدما جدا ولم يلق القبول منذ ذلك التاريخ، وبالتالي نحن نرفض المزايدة علينا من اي جهة، ففي موضوع النسبية نحن "ام الصبي"، ولكن قانون الانتخاب، وهو اساسي جدا في الحياة السياسية، لا يمكن بحثه بمعزل عن الظروف السياسية للمرحلة لانه ليس منعزلا عن تطورات المشهد السياسي الذي اخذ في السنوات القليلة الماضية منحى خطيرا من خلال الانقسام العمودي بين القوى السياسية التي وصلت الى حد السعي الى الالغاء والالغاء المتبادل. وفي ظل تفاقم الخلافات ولاسيما بين طرفين اساسيين في البلد هما "تيار المستقبل" و"حزب الله" واطراف اخرى كذلك، فان قانونا يعتمد النسبية لن يكون ملائما لهذه المرحلة تحديدا، بل نخشى ان يزيد الشرخ على المستوى الوطني من خلال تقليص هامش التنوع والتعددية في البلد".

وتضيف اوساط جنبلاط: "في مطلق الاحوال، فان الطبقة السياسية في معظمها لا تحبذ اعتماد النسبية وان يكن البعض اليوم يتلطى وراء كلام وليد جنبلاط ويتهمه باجهاض الاصلاح من خلال قانون الانتخاب، في حين ان معظم القوى السياسية تؤيد النظام الاكثري ولا تبحث عن الاصلاح اساسا، وللتذكير لسنا من اجهض انشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، وكنا من الاحزاب التي تواصلت مع قوى المجتمع المدني التي تحركت في موضوع الاحوال الشخصية والزواج المدني الاختياري، وبناء عليه لا يمكن قراءة موقف جنبلاط اليوم دون الاخذ في الاعتبار كل تلك المعطيات".

وتلفت اوساط جنبلاط الى "جانب تقني تنفيذي ذي صلة بالنسبية التي تستوجب إعداداً سياسيا واعلاميا وحزبيا وجماهيريا وشعبيا وفي ظروف تكون الحياة السياسية اكثر سلاسة وانسيابية ولا تحكمها القطيعة بين اطراف كثيرة كما هو حاصل في المرحلة الراهنة".

وفي رأي هذه الاوساط انه "صحيح ان قانون الانتخاب اساسي ومهم في الحياة السياسية ولكن الصحيح ايضا انه ليس المعبر الوحيد نحو تطوير الحياة السياسية التي تعتريها اليوم مشكلة الخلاف العمودي حول الثوابت الوطنية الكبرى والتي تتطلب حوارا معمقا يتخطى قانون الانتخاب وتقسيم الدوائر".

وتلفت الى "اننا كحزب سياسي (الحزب التقدمي الاشتراكي) نقوم كل مرة باجراء نقد ذاتي اقتناعا منا بأنه جزء من الممارسة السياسية التي اشار اليها الشهيد كمال جنبلاط في كتاب له يحمل هذا العنوان (الممارسة السياسية)، داعيا الأحزاب الى اجراء نقد ذاتي بشكل دوري على ان اجراء نقد ذاتي هنا، لا يضعنا في موضع الاتهام ويعفي القوى السياسية الاخرى من مسؤولية اجراء هذا النقد".
اخيرا، هل يشكل هذا الموقف الجنبلاطي مدخلا الى حوار وطني هادئ وجدي، ليس حول الظروف الملائمة لقانون انتخاب يعتمد النسبية فحسب، بل ايضا حول "الثوابت الوطنية الكبرى"؟

السابق
النهار: واشنطن ترمي الكرة السورية على تركيا والسعودية ..أنقرة نفت تخطيطها لمنطقة عازلة وطهران تحذّر
التالي
نظام الأسد يكافح التوطين في اللاذقية!