نظام الأسد يكافح التوطين في اللاذقية!

لم يبقَ لنظام الاحتضار الفئوي الدمويّ في سوريا بعدَ قصف وتهجير سكّان مخيّم الرمل الفلسطيني في اللاذقية، غير الاحتجاج بشعيرة "مكافحة التوطين" التي أدمنت عليها مكوّنات "تحالف 6 شباط الممانع الإنعزاليّ" الحاكم في لبنان.
ولا عجب، فالنظام المحتضر جعل من أسلوب تعاطيه مع الفلسطينيين في الأشهر الماضية مؤشّراً أساسياً من مؤشّرات اقتراب ساعته.

في الأيّام الأولى للاحتجاجات، عمد النظام القوميّ العربيّ إلى البثّ التالي: مثيرو القلاقل ليسوا سوريين، وأكثرهم من "الأغراب" اللبنانيين والفلسطينيين والمصريين.
وعندما تحوّلت الاحتجاجات إلى انتفاضة شعبية ثورية تنادي بإسقاط النظام، استذكر الأخير يومي "النكبة" و"النكسة"، معوّلاً لإنقاذ نفسه على امتزاج دمويّته بدمويّة العدوّ الإسرائيليّ، إلا أنّ انتفاضة أبناء مخيم اليرموك الشجعان على مرتزقة النظام أجهضت هذا المسار. ظهر للعالم أجمع بموجب هذين اليومين أنّ النظام البعثي يُنازِع.
وبعد تذاكيه "من جهة اليسار"، حاول النظام التذاكي "من جهة اليمين"، فاعترف بالدولة الفلسطينية في حدود 67، منهياً بذلك محظوراً عقائدياً بعثياً أسدياً، رغبة منه في إعادة تزكية نفسه كـ"شريك" لا غنى عنه في عملية السلام، إلا أنّ أحداً من المعنيين الإستراتيجيين في الشأن السوريّ، أو في الشؤون الإقليميّة عموماً لم يُعر بالاً لذلك على النحو الذي كان النظام يرتجيه وينظر إليه كخشبة خلاص.

واليوم، يوازي هذا النظام بين قتله النفس السورية وبين قتله النفس الفلسطينية، بعد أن كانت البلهاء المتحدّثة باسمه قد استعارت من الأدبيات الشارونية وصف ثوار حماه بـ"المخرّبين".

فأن تكون ممانعاً يعني أن تقتل الفلسطينيين مقدار حبّك بفلسطين، وأن تقتل اللبنانيين مقدار حبّك بلبنان، ثم تقتل السوريين مقدار حبّك لسوريا. لا يقدم بشّار الأسد في سنته الأخيرة هذه غير التلخيص المكثّف لسيرة والده حافظ الأسد. في السيرة الترويجية للأخير، اعتقد باتريك ستيل أنّه يمسك خيطاً ثميناً عندما نسب "عقيدة" للأخير مفادها أنّه بدل الوحدة العربية شاملة صار أميل إلى وحدة بلاد الشام. في الحقيقة، نحن أمام نظام فئوي سفك مطولاً دماء شعوب بلاد الشام الثلاثة، الفلسطينيّ واللبنانيّ والسوريّ.

ولم يكن ذلك أبداً لأنّه ابتغى كيانية بلاد شامية جامعة تشمل هذه الشعوب، بل لأنّه كان وقبل كل شيء نظام العصبة الأقلوية المستأسدة على الباقين، بالشكل الذي كشفه الشهيد ميشال سورا في كتابه "دولة البرابرة" الذي يستحق إعادة الطبع والنشر.
ونكبة مخيم الرمل، التي تعيد تذكيرنا بدور هذا النظام في إدارة حرب المخيمات، ودوره قبل ذلك في إبادة مخيم تل الزعتر، إنّما تعيد التوضيح أيضاً ليس فقط بأنّ إستقلال لبنان من ديموقراطية سوريا، بل أنّ تحقيق الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير يرتبط هو أيضاً بهذه المعادلة الثلاثية: شعوب بلاد الشام الثلاثة تتحرّر معاً، كما عذّبت وقُهِرَت معاً.

هذا، مع ضرورة الإقرار بأمر لا بدّ من امتلاك الشجاعة لإقراره. وهو أمر يدخل في باب ما تسمّيه الفيلسوفة حنّة أرندت بـ"مسؤولية الضحية"، أي مسؤولية الضحية في تمكين جلادها. هذا يتصل بالمطلق بسائر الشعوب العربية التي تصنع تحرّرها هذا العام، فهذه الشعوب استمرّت لعقود طويلة خاضعة خانعة. سيقال إنّه الآن طفح الكيل، وأنّه قبل ذلك لم تكن هناك ثورة اتصالات ومعلومات، حسناً. لكن هذا إلى حد ما تبرير. هذه الشعوب تأخّرت كثيراً في الانتفاض على "طواغيت التحرر الوطني". وسبب التأخير لم يكن فقط إحكام القبضة الأمنية، وإنّما اعتقاد انتشر في كل هذه الشعوب بأنّه من الممكن تأجيل حرّيتها إلى جيل آخر.
وهي تتحرّك لأجل انتزاع حريّتها، ينبغي أن تتذكر هذه الشعوب "مسؤوليتها التاريخية" هذه، فهذا شرط أساسي للتحوّل في إتجاه الديموقراطية، أما الإمتداح الملحميّ فقط للبطولات فإنّه لا يفي بالمطلوب.
وبين كل هذه الشعوب، ثمة فرادة من حق الشعب اللبناني أن يزهو بها، فهذا الشعب يمكن أن تنسب إليه مساوئ عديدة، إلا أنّه لم يقبل ليوم واحد أن تصادر حرياته، الإقتصادية والسياسية والثقافية. لكن هذه الفرادة هي في خطر اليوم: خطر انعكاس الآية. فالشعوب العربية التي كانت خاضعة خانعة لعقود هي اليوم تصنع حريّتها بشجاعة فائقة، في حين يقف الشرير مطالباً اللبنانيين بنزع حرياتهم بأنفسهم، وذلك تحت شعار: ماذا لو تمكّن الاستبداد من لملمة أوضاعه؟

السابق
ما هي خلفيات الموقف الاشتراكي من النسبيّة؟
التالي
الانباء: التقدمي وحزب الله نفيا انتشاراً أمنياً وعسكرياً للحزب في الجبل