“حزب الـله” يستأخر الانفجار

الاثنين 04 تموز 2011
حرص الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله في موقفه الأخير على عدم إحراج حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. هو يدرك جيّدا أنّ هذه الحكومة هي المكان الأفضل للاحتماء، وأنه يحتاج إلى تغطية منها في المحافل الدولية. وبالتأكيد، كان "الحزب" في موقف أكثر إحراجا لو كانت الحكومة مؤلّفة من مكوّن سياسي واحد هو "حزب الله" وشركاؤه في 8 آذار، وغاب عنها التمايز الذي أوجده حضور الثلاثي سليمان- ميقاتي- جنبلاط.

تبدّل في الخيارات

الصورة باتت مقلوبة بعد صدور القرار الاتّهامي، والخيارات تبدّلت لدى طرفي الصراع: "حزب الله" الذي جاء مكرها إلى تسمية الرئيس ميقاتي بعد فشله في إيصال الرئيس عمر كرامي، اكتشف إيجابيّات "الاختباء" خلف صورة لمّاعة دوليّا. وهو إذ قاتل أكثر من أربعة أشهر ليحظى بـ"حكومته الكاملة"، يجد اليوم أنّ الأسلم له وجود حدّ ولو شكلي، من "التنوّع".

حتى إنّ الصيغة التي جرى إقرارها في البيان الوزاري حول المحكمة، كتسوية بين "الحزب" والآخرين جميعا في الحكومة، ظهر اليوم أنّها قادرة على تأمين حدّ من التواصل الدولي ولو من غير غطاء له، فيما كانت صيغة رفض المحكمة ستضعه مباشرة في مواجهة مكلفة جدّا مع المجتمع الدولي.

في المقابل، حمل إخراج الرئيس سعد الحريري من الحكم إيجابيات له ولفريق 14 آذار. فهو اليوم قادر على ممارسة العمل السياسي ضمن هوامش أوسع، لأنّه ليس "رهينة سياسيّة" كما هم اليوم آخرون موجودون في السلطة – وفق تعبير الدكتور فارس سعيد – ولا هو "رهينة جسديّة"، وسط التهديدات التي تستهدفه. ويستعدّ 14 آذار لممارسة نهج اعتراضي في وجه القوى المقابلة، وسيكون أشدّ فاعلية وأكثر إنتاجا ممّا كان عليه في الحكم، لأنّ رئيس الحكومة بقي آنذاك رهينة الضغوط على اختلافها، ولم يتمكّن من تحقيق أيّ من الأهداف التي يطمح إليها. وفي اللحظة التي وجد فريق 8 آذار أنّها مناسبة، كشف الصورة الحقيقية للمعادلة، فأسقط الحكومة واتفاق الدوحة معا.

"الحزب" يقاتل وحيداً

إنّ المواجهة بالصدر العاري مع مجلس الأمن الدولي ليست آمنة العواقب في ظلّ الوضع الحرج للحليف الإقليمي.

هذه الحقيقة أدركها "الحزب" تدريجا في الأشهر الأخيرة، وخصوصا في المفاوضات لتأليف الحكومة وصياغة البيان الوزاري. فالمناقشات داخل لجنة الصياغة أظهرت ثلاثة اتجاهات: "الحزب" الذي واجه إلى الحدّ الأقصى كلّ ما يتعلق بالتزام لبنان بالمحكمة، والقوى "الوسطية" التي تتعهّد أمام المجتمع الدولي التزام القرارات الدولية (سليمان- ميقاتي- جنبلاط)، وبين هذين الاتّجاهين كان الرئيس نبيه برّي والعماد ميشال عون اللذان يلتزمان مواقف أقلّ حماسة بكثير من الحليف "حزب الله" في رفض المحكمة والقرارات الدوليّة. ويقول مصدر مواكب لمناقشات لجنة الصياغة إنّ "حزب الله" كان عمليّا يقاتل وحده في لجنة الصياغة، واكتفى الحلفاء بتقديم "الدعم اللوجستي".

قال السيّد نصرالله كلّ شيء ضدّ المحكمة أمس الأوّل. وجهد لإدخالها ضمن مؤامرة إسرائيليّة – دولية على المقاومة. وهو لذلك لم يوفّر التنقيب عن حجج ودلائل تدعم هذا الاتّجاه. وقال إنّه قد تمرّ 300 عام قبل أن تصل المحكمة إلى المتّهمين الواردة أسماؤهم في القرار الاتّهامي. لكنه لم يقلْ صراحة إنّه لن يسلّم هؤلاء، منعا لأيّ مترتّبات قانونيّة آنية ومستقبلية. كما أنه لم يكرّر قوله السابق الذي يعتبر أنّ كلّ من يتعاون مع المحكمة الدولية هو خائن أو عميل. وهو في أيّ حال، رفع سقف الرفض السياسي للمحكمة والقرار الاتّهامي، ولم يدخل في أيّ موقف يستتبع تداعيات في الوضع داخل الحكومة أو مع المجتمع الدولي، كما أنّه تجنّب الإثارة المباشرة لمشاعر فريق 14 آذار المعني بالوصول إلى الحقيقة، والذي انتظر سنوات بفارغ الصبر بدء المسار الذي يوصل إلى هذا الهدف.

الخطاب "الاستيعابي" كان متوقّعا من "حزب الله"، وهو يضمن تمرير مرحلة قد يليها تمرير أخرى أو أكثر. لكن الاستحقاق أكبر من مجرّد تأجيل. وستكون نتائج المحاكمات الغيابيّة أصعب من المحاكمات في حضور المتّهمين.

وفي النهاية، ستضطرّ السلطة السياسية التي أسقطت كلّ شيء بهدف إسقاط المحكمة، إلى مواجهة التحدّيات بعيدا عن أساليب التمييع. وعندئذٍ سيقع الانفجار.

الانفجار داخل تركيبة السلطة أوّلا، والانفجار بينها وبين المجتمع الدولي. فهذه السلطة رهينة انتظارين: انتظار المحكمة، وانتظارالوضع الإقليمي. وكلاهما مصيريّان للبنان والمنطقة.

السابق
رفض والدها إقامة حفل خطوبة.. فانتحرت
التالي
وصارت لحي السلم أغنية ولدت من رحم المعاناة

“حزب الـله” يستأخر الانفجار

حرص الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله في موقفه الأخير على عدم إحراج حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. هو يدرك جيّدا أنّ هذه الحكومة هي المكان الأفضل للاحتماء، وأنه يحتاج إلى تغطية منها في المحافل الدولية. وبالتأكيد، كان "الحزب" في موقف أكثر إحراجا لو كانت الحكومة مؤلّفة من مكوّن سياسي واحد هو "حزب الله" وشركاؤه في 8 آذار، وغاب عنها التمايز الذي أوجده حضور الثلاثي سليمان- ميقاتي- جنبلاط.

تبدّل في الخيارات

الصورة باتت مقلوبة بعد صدور القرار الاتّهامي، والخيارات تبدّلت لدى طرفي الصراع: "حزب الله" الذي جاء مكرها إلى تسمية الرئيس ميقاتي بعد فشله في إيصال الرئيس عمر كرامي، اكتشف إيجابيّات "الاختباء" خلف صورة لمّاعة دوليّا. وهو إذ قاتل أكثر من أربعة أشهر ليحظى بـ"حكومته الكاملة"، يجد اليوم أنّ الأسلم له وجود حدّ ولو شكلي، من "التنوّع".

حتى إنّ الصيغة التي جرى إقرارها في البيان الوزاري حول المحكمة، كتسوية بين "الحزب" والآخرين جميعا في الحكومة، ظهر اليوم أنّها قادرة على تأمين حدّ من التواصل الدولي ولو من غير غطاء له، فيما كانت صيغة رفض المحكمة ستضعه مباشرة في مواجهة مكلفة جدّا مع المجتمع الدولي.

في المقابل، حمل إخراج الرئيس سعد الحريري من الحكم إيجابيات له ولفريق 14 آذار. فهو اليوم قادر على ممارسة العمل السياسي ضمن هوامش أوسع، لأنّه ليس "رهينة سياسيّة" كما هم اليوم آخرون موجودون في السلطة – وفق تعبير الدكتور فارس سعيد – ولا هو "رهينة جسديّة"، وسط التهديدات التي تستهدفه. ويستعدّ 14 آذار لممارسة نهج اعتراضي في وجه القوى المقابلة، وسيكون أشدّ فاعلية وأكثر إنتاجا ممّا كان عليه في الحكم، لأنّ رئيس الحكومة بقي آنذاك رهينة الضغوط على اختلافها، ولم يتمكّن من تحقيق أيّ من الأهداف التي يطمح إليها. وفي اللحظة التي وجد فريق 8 آذار أنّها مناسبة، كشف الصورة الحقيقية للمعادلة، فأسقط الحكومة واتفاق الدوحة معا.

"الحزب" يقاتل وحيداً

إنّ المواجهة بالصدر العاري مع مجلس الأمن الدولي ليست آمنة العواقب في ظلّ الوضع الحرج للحليف الإقليمي.

هذه الحقيقة أدركها "الحزب" تدريجا في الأشهر الأخيرة، وخصوصا في المفاوضات لتأليف الحكومة وصياغة البيان الوزاري. فالمناقشات داخل لجنة الصياغة أظهرت ثلاثة اتجاهات: "الحزب" الذي واجه إلى الحدّ الأقصى كلّ ما يتعلق بالتزام لبنان بالمحكمة، والقوى "الوسطية" التي تتعهّد أمام المجتمع الدولي التزام القرارات الدولية (سليمان- ميقاتي- جنبلاط)، وبين هذين الاتّجاهين كان الرئيس نبيه برّي والعماد ميشال عون اللذان يلتزمان مواقف أقلّ حماسة بكثير من الحليف "حزب الله" في رفض المحكمة والقرارات الدوليّة. ويقول مصدر مواكب لمناقشات لجنة الصياغة إنّ "حزب الله" كان عمليّا يقاتل وحده في لجنة الصياغة، واكتفى الحلفاء بتقديم "الدعم اللوجستي".

قال السيّد نصرالله كلّ شيء ضدّ المحكمة أمس الأوّل. وجهد لإدخالها ضمن مؤامرة إسرائيليّة – دولية على المقاومة. وهو لذلك لم يوفّر التنقيب عن حجج ودلائل تدعم هذا الاتّجاه. وقال إنّه قد تمرّ 300 عام قبل أن تصل المحكمة إلى المتّهمين الواردة أسماؤهم في القرار الاتّهامي. لكنه لم يقلْ صراحة إنّه لن يسلّم هؤلاء، منعا لأيّ مترتّبات قانونيّة آنية ومستقبلية. كما أنه لم يكرّر قوله السابق الذي يعتبر أنّ كلّ من يتعاون مع المحكمة الدولية هو خائن أو عميل. وهو في أيّ حال، رفع سقف الرفض السياسي للمحكمة والقرار الاتّهامي، ولم يدخل في أيّ موقف يستتبع تداعيات في الوضع داخل الحكومة أو مع المجتمع الدولي، كما أنّه تجنّب الإثارة المباشرة لمشاعر فريق 14 آذار المعني بالوصول إلى الحقيقة، والذي انتظر سنوات بفارغ الصبر بدء المسار الذي يوصل إلى هذا الهدف.

الخطاب "الاستيعابي" كان متوقّعا من "حزب الله"، وهو يضمن تمرير مرحلة قد يليها تمرير أخرى أو أكثر. لكن الاستحقاق أكبر من مجرّد تأجيل. وستكون نتائج المحاكمات الغيابيّة أصعب من المحاكمات في حضور المتّهمين.

وفي النهاية، ستضطرّ السلطة السياسية التي أسقطت كلّ شيء بهدف إسقاط المحكمة، إلى مواجهة التحدّيات بعيدا عن أساليب التمييع. وعندئذٍ سيقع الانفجار.

الانفجار داخل تركيبة السلطة أوّلا، والانفجار بينها وبين المجتمع الدولي. فهذه السلطة رهينة انتظارين: انتظار المحكمة، وانتظارالوضع الإقليمي. وكلاهما مصيريّان للبنان والمنطقة.

السابق
الجمهورية: 14 آذار استعادت مشهدها وبدأت العمل لإسقاط الحكومة: حملة لإخراج الجمهورية من أسر السلاح
التالي
النهار: عاصفة القرار تحاصر الحكومة عشية الثقة و14 آذار لميقاتي: التزم المحكمة… أو ارحل