عون يتلطى وراء حكومة إخصائيين «مسيسين».. لإجهاض اندفاعة ماكرون!

ميشال عون مستقبلا إيمانويل ماكرون في المطار
تعيد السلطة السياسية ممارسة لعبتها المفضلة أثناء المفاوضات والاتصالات الجارية لتشكيل حكومة الرئيس مصطفى أديب، أي المناورة والمراوغة لكسب ما أمكن من الحصص والوزارات الدسمة والاساسية،

لم تستطع الازمة الاقتصادية الخانقة والدوامة المالية والمعيشية والازمة السياسية المستفحلة منذ 17 تشرين في ردع  هذه القوى عن ممارسة ساديتها تجاه الشعب اللبناني ولا حتى الاخذ بعين الاعتبار وجود خلية الازمة الفرنسية التي تمسك بالورقة والقلم لإحتساب المهلة التي أعطاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لهذه الطبقة (15 يوما لتشكيل حكومة تبدأ ورشة إصلاحات)، بل بالعكس هي تقول بالفم الملآن أنها تريد حصتها الوزارية من جسم الحكومة والدولة حتى لو كان مكونا من جلد وعظم، بعدما تولت هذه القوى وعلى مدى سنوات طويلة نهش لحم الدولة ومص دمائها إلى أن وقعت صريعة الانهيار والافلاس.

المفارقة أن هذه القوى تسير جنبا إلى جنب مع قطار التأليف الذي إنطلق يوم الخميس مع اول زيارة عمل للرئيس المكلف إلى قصر بعبدا، من دون أن تعلن صراحة أنها تريد مخالفة المبادرة الفرنسية الهشة (بسبب أطماع الطبقة السياسية من جهة وعدم التبني الكامل لها من الجانب الاميركي) بل تحاول الالتفاف عليها، وأبرز الامثلة على ذلك إبلاغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون  للرئيس المكلف بأنه يفضل تشكيل حكومة إختصاصيين مسيسين من 20 او 24 وزيرا لكي يتمكنوا من نيل ثقة مجلس النواب في حين ان رغبة أديب هي حكومة  حكومة أخصائئين مصغرة لا تزيد عن 14 وزيرا، ناهيك عن رغبة جميع القوى والتيار الوطني والرئيس عون منهم بالاحتفاظ بالحقائب السيادية والخدماتية الدسمة التي كانوا يتقاسموها في  تركيبات الحكومات السابقة. 

ثمة أمر آخر يدفع هذه القوى ومنها الرئيس عون للتمسك بنفس نهج المحاصصة، هو محاولة تعويمها لنفسها أمام جمهورها في ظل السيل الخيبات والنقاط السوداء الذي سجلها هذا الجمهورعليها سواء في الوضع الاقتصادي المتردي أو في إنفجار مرفأ بيروت وتداعياته على البشر والحجر والتي كان سببها الوحيد هو طمع وتسويف هذه الطبقة وإهمالها في إتخاذ الاجرائات اللازمة، ولذلك نرى ان كل أركان الدولة مثلا هبّت لمعالجة موضوع تسرب في خزانات الطائرات في مطار رفيق الحريري مثلا بعدما أهملت وتقاذفت لسنوات ملفا خطيرا يتعلق بنيترات الامونيوم في مرفأ بيروت إلى أن إنفجر وأدى إلى قتلى وجرحى ودمار هائل.

كل ما سبق  يقود إلى السؤال التالي هل ستصمد المبادرة الفرنسية وما هي مقومات بقائها على الحياة في ظل إستمرار النهج ذاته من قبل القوى السياسية؟ 

ثمة قراءتان لللنتائج التي ستتوصل إليها هذه المبادرة، أولها تعتبر أن مقومات صمودها ليست كبيرة لأن المطلوب تنفيذها من قبل طبقة غير مستعدة لا للتنازل او التكيف مع الاوضاع الجديدة أي على قاعدة “دق المي وهي مي”، وقراءة أخرى ترى أن هذه المبادرة ستنفذ لا محالة لأن عدم إذعان السياسيين لمتطلباتها تعني عقوبات دولية عليها وحجز لأموالها وهذا ما لا تريد هذه الطبقة الوصول إليه.

طه لـ”جنوبية”: عون يزرع لغما على طريق الحكومة  

تشكيل الحكومة ليس سهلا يشرح أمين سر المكتب التنفيذي لمنظمة العمل الشيوعي زكي طه لـ”جنوبية” القراءة الاولى فيشير إلى أن “المبادرة الفرنسية بالاساس محكومة بالسقف الاميركي وبالتالي ليس هناك تبني أميركي كامل بل تنسيق، وهذا يظهر في كلام المسؤولين الاميركيين بأن هناك إختلافات تحديدا حول طبيعة الحكومة ودور حزب الله في المبادرة، وهذا ما يشكل عامل إضعاف للمبادرة”.

ويرى أن”هذه المبادرة تنطلق من خصوصية العلاقات التاريخية التي تربط فرنسا بلبنان،  ولكن الهدف الرئيسي منها هو محاولة لإقتطاع موقع نفوذ و حصة للإستثمارات الفرنسية في بلاد الارز”، معتبرا أنها “أنها محاولة بلأن هناك فرصة لإنقاذ البلد أو لوقف الانهيار ولكن هذه الفرصة محكومة بعدة إعتبارات، فداخليا ترتكز الى الطبقة السياسية الموجودة  وما يجري هو محاولة لإعادة تأهيلها  وتعويمها”.

طه

يضيف:”هذه الطبقة تحسن قراءة اللحظة الراهنة وتعرف أهميتها ودورها و موقعها في البلد او في علاقاتها الخارجية،لأنها تشكل مرتكزات الخارج في لبنان وصراعاتها هي معبر لصراعات الخارج، وبالتالي هذه الانذارات والضغوط غير كافية لإنصياع هذه الطبقة السياسية لرغبات الخارج، وواضح حاليا أننا أمام مجموعة من المناورات بين اركان الطوائف السياسية لأن كل طرف سيحاول حماية مواقعه ونفوذه”. 

يصف طه “كلام رئيس الجمهورية انه يفضل حكومة موسعة تضم إختصاصيين مسيسيين بأنه لغم وعودة الى مسلسل الصراعات والمحاصصة وكل الطبقة السياسية لم تغير اداءها كما طلب ماكرون”، معتبرا أننا “نشهد مرونة شكلية في التعامل مع المبادرة الفرنسية لكننا  بدأنا نشهد مناورات و سيحاول كل طرف رمي مسؤولية التعطيل او العرقلة على الطرف الاخر”.

ويشدد على أن “المبادرة الفرنسية ترتكز على التوازنات السياسية اللبنانية الراهنة والمختلة،  وهذا ما تقبل به المبادرة بالرغم من الازمة التي تعانيها البلاد وأي حكومة ستتشكل ستراعي هذا الاختلال وبالتالي لن تكون حكومة حيادية ولا مستقلة ولا حكومة إختصاص فقط هي ستكون خليط هجين إذا أمكن الوصول إليها “.

ويرى أن “إمكانية تشكيل الحكومة ليس أمرا سهلا وزيارة شنكر لم تقدم معطيات بأن هناك تسهيلا لتشكيل الحكومة، والكلام الصادر عنه أشار إلى أن إسرائيل لم توافق مع تعديل شروط المفاوضات بشأن الحدود البحرية مما يعني ان العراقيل لا تزال قائمة”. 

ويختم:”ملفات المشكلة اللبنانية هي في حوزة الادارة الاميركية وليس الادارة الفرنسية من ملف العقوبات والحصار والحدود البحرية والبرية والحدود الشرقية والمعابر غير الشرعية، وفي لبنان لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة والسياسيين يضعون يدهم على مفاصل الاقتصاد  ونهبوا البلد وأوصلونا إلى الحال الذي نحن فيه”.

الإصلاحات أو العقوبات

يستند المتفائلون بوصول المبادرة الفرنسية إلى خواتيمها المرجوة إلى عدة إعتبارات ، أولها تغيّر النظرة الدولية للطبقة السياسية في لبنان، والوضع الاقتصادي الذي لا يسمح بهامش واسع من المناورات، وفي هذا الاطار يقول مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر لـ”جنوبية”: “إذا فشلت المحاولة فهذا يعني أنها ستكون المحاولة الاخيرة في دولة لبنان الكبير لأن مقومات البقاء الاقتصادية للبنان لم تعد موجودة، وبالتالي الطرف المعرقل لتشكيل حكومة تنفذ الاصلاحات سيتم وضعه تحت مقصلة العقوبات، وعلى النظام السياسي الحالي الاختيار إما القبول بالعقوبات ونتائجها وتداعياته عليه أو الرضوخ”.

نادر لـ”جنوبية”: على النظام السياسي  إما القبول بالعقوبات أو الرضوخ

يضيف:”السؤال هو هل سيختار حلفاء حزب الله البقاء معه رغم كل شيء؟ ولذلك أعتقد أن الحكومة ستتشكل ولن يكون هناك صمود لنظام المحاصصة، لأن حزب الله يريد المحافظة على وجوده وفي حال تم رفض المبادرة فهذا يعني فرط النظام الذي يشكل له غطاءا دوليا له”.

يرى نادر أن “ما يحاول السياسيون اللبنانيون القيام به هو التذاكي على المجتمع الدولي، لكن كلما توسع عدد الوزراء كلما إنخفضت نسبة الإستقلالية فيها وزادت المحاصصة وحتى لو تم ذلك هناك إصلاحات مطلوبة في الكهرباء والقضاء وغيرها من ملفات الهدر وإلا لن يصلهم الدعم الخارجي”، مشددا على أن “هناك نقطة واحدة يجمع عليها كل المجتمع الدولي (بالرغم من التباين في وجهات النظر حول معالجة الوضع في لبنان) وهي أن لا أموال و لا مساعدات من دون إصلاحات”. 

نادر

ويختم:”يمكن توسيع عدد الوزراء إعتقادا منهم أن حصتهم ورافعتهم داخل الحكومة ستكبر  لكن هذا برأي لا جدوى منه”.

السابق
وقفة أمام «المركزي» تخليداً لروح عبد عباس: عندما نموت سنرفع على الأكتف!
التالي
«كورونا» بين الطواقم الطبية.. وعدّاد الإصابات يُسجل أكثر من 500 حالة اليوم!