هكذا تنجح الثورة وتقوم دولة القانون على أنقاض المزارع الطائفية

الثورة اللبنانية

ليست “الـدولـة” التي من ابرز سماتها “السلـطـة” و”السيـادة”، سوى التنظيم العقلاني والأخلاقي للجماعة. والمجتمع الذي يفتقر الى مثل هذا التنظيم، لا يعدو كونه مجرد إلتقاءٍ عشوائي أو مؤقّت بين مجموعة من الأفراد، يتفكك ويزول عند أول صدمةٍ عنيفة يتعرض لها.

ولعلّ أبسط التعريفات وأكثرها وضوحاً في معنى وماهية “الـدولـة”، هي انها ذلك المجتمع السياسي المنظّم الذي يمثّل بمفرده كامل الحقوق والمصالح المشتركة بين مجموع المواطنين، والذي يستحيل وجود فئةٍ أو كيانٍ داخله أكبر منه، أو أقوى منه، لأن الدولة القوية لا تقبل أن يكون لها “شركاء” مضاربين.

اقرأ أيضاً: عندما تسقط السياسة عند عتبات الخبز والأمن!

الكيان السياسي

ويُجمع الباحثون في علم السياسة على ان هذا الكيان السياسي الذي يُسمّى “الـدولـة” ، يتألف من ثلاثة عناصر أساسية هي: الأرض، والشعب، والسلطة السياسية التي هي الشرط الأساس لتنظيم المجتمع من خلال المؤسسات السياسية العامة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)؛ والتي تُستمد من “الإرادة الـشعـبيـة”، وتتمثّل في الناموس أو “القانون” الذي يمنح الحقوق ويفرض الواجبات على المواطنين، إنطلاقاً من الصلاحيات الدستورية المُقيّدة الممنوحة لهذه السلطة. ولا يجوز لأيّ جهةٍ سياسية التلاعب بالمكوّنات الأصلية والمؤسّسة لمفهوم الدولة، عبر إضافةِ أو نزعِ أو إستبدالِ أيَ عنصر من عناصرها، بغية تحقيق أهداف او مكاسب فئوية او طائفية او حزبية .

فوجود “السلـطـة” ضرورةٌ إجتماعية في حياة أيّ مجموعةٍ إنسانيّة منظّمة، حتى لا تقع فريسة الإضطراب والتوتر والفوضى. ولكن “السلـطـة السيـاسيـة” ليست ظاهرة قوةٍ فقط، تقوم على أفعال الأمر والفرض والإرغام وبسط السيطرة – حرصاً على هيبة الدولة واستقرار المجتمع وإرساء النظام الإجتماعي على أساسٍ قانوني – بل “السـلـطـة” ظاهرة قانونية ودستورية في المجتمع، ترتكز في جوهرها على الإلتزام بمصالح الناس وتأمين احتياجاتهم ومطالبهم الأساسية، وضمان حقوقهم ورقيّهم الاجتماعي .
و”السـلـطـة السـيّـدة” التي تحكم الدولة، هي السلطة التي لا تخضع قراراتها المستقلة لأي سلطة أخرى. فلا وجود حقيقياً للسيـادة، إلا في المرحلة التي تمتلك فيها الدولة، “إرادةً” بديلة عن كل الإرادات الفردية مهما بلغت قوتها وفعاليتها، وعندما تستطيع فرض هذه الارادة بالقوة – إذا إقتضت الحاجة – على جميع الأفراد والتجمعّات الطائفية والإثنية والحزبية والعائلية والقبائلية، لمنع أيّ فئةٍ من فرض أو إعلاء قانونها الخاص، على غيره من القوانين. وبهذا تكون هذه “الـدولـة” صاحبة الحقّ الحصري، دون سائر القوى السياسية، في احتكار العنف والقوة، وفي إتخاذ قرار الحرب والسلم. وهي لا تتخذ هذا الخيار ، إلا عندما تكون قد اقتنعت نهائياً بالوصول الى الطريق المسدود في كل أشكال المفاوضات وأساليب الضغط الأخرى، لأن التورط في الحرب مع العدو الخارجي، يتطلب إجراء حسابات دقيقة لموازين القوى الذاتية والعدوّة، وإلا كان مثل هذا القرار ، بمنزلة عمليةٍ انتحارية أو مغامرةٍ كارثية غير محسوبة النتائج .

دولة القانون والمؤسسات

ولا قيام للدولة الديمقراطية، “دولة القانون والمؤسسات” ، إلا إذا توافرت جملة من المكوّنات والركائز والثوابت التي على أساسها يتمّ التفريق بين الدولة الديمقراطية والدولة الإستبدادية، وأهمها: احترام الارادة الشعبية وحقوق الانسان. ضمان الحريات الفردية والعامة. إرساء العدالة والمساواة بين جميع المواطنين دون أي تمييز او مفاضلة. الفصل بين السلطات منعاً لطغيان إحداها على الأخرى. إحترام “الدستور” الذي هو مصدر سلطة الدولة تجاه المواطنين، والضمانة الأولى لهؤلاء المواطنين بوجه السلطة التي تحكمهم، لمنع جموحها وتجاوز حدّها أثناء قيامها بوظائفها. إرساء مبدأ “سيادة القانون” الذي يعني أن يخضع جميع المواطنين لأحكام وقواعد القانون العامة، بصرف النظر عن إنتماءاتهم الحزبية وطوائفهم الدينية وطبقاتهم الاجتماعية ومواقعهم ومرجعياتهم السياسية. وأيّ مخالفة لهذه القاعدة الجوهرية، تعني تحوّل “القانون” الى أداة بيد الطبقة الحاكمة، تستخدمها على حسب هواها ومصالحها، مما يؤدي الى إختفاء فكرة العدالة والمساواةً، وظهور الطغيان والمظالم والاستبداد.

وبمقدار ما تسعى “الـدولـة” الى تكريس هذه المفاهيم والثوابت، بمقدار ما تضمن الأمن الإجتماعي والإقتصادي والمالي والسياسي والقانوني في المجتمع، وتمنع الصراعات والنزاعات بين مكوّناته، وتردم الفجوة بين الحاكم والمحكومين، اي بين الطبقة السياسية والمواطنين، وتحقق المصلحة الجماعية والخير العام.

القضايا الاقتصادية

ويمكن إعتبار القضايا الإقتصادية، المحرّك الأول لكل أشكال الصراعات الإجتماعية. ولا يمكن تجنّب فكرة الصراع، او السيطرة عليها، إلا بتحقيق “الـعـدالـة الإجتماعية” عبر الإهتمام بقضايا التنمية الشاملة، وتوزيع الدخل القومي بشكلٍ عادل بين المواطنين، بغية تخفيف الإحتجاجات الشعبية التي قد تصل في حال تفاقمها، الى حدّ العصيان المدني أو الثورة . ومن هنا، فإن “السـلـطـة الواعـيـة” هي تلك السلطة التي تنجح باقناع مواطنيها بأنها موجودة لخدمتهم وتمثيل إراداتهم وتحقيق سعادتهم، وذلك عبر إنتهاج سياساتٍ تهدف الى إمتصاص أسباب الغضب والنقمة والإحتقان والإحباط وغيرها من المشاعر المولّدة للصراع على الصعيد الداخلي. واذا لم تكن “السلطة” موجودة من أجل خدمة المجتمع، فهذا يعني أن المجتمع بات موجوداً من أجل مصلحة “السلطة” ذاتها، وأنه أصبح ملكاً لها. ما يعني أن كل “سلـطـة” تخرج عن إطار “الـرضـى الشعبي” ؛ ولا تجسد طموحات وأماني المواطنين الذين أقاموها وخضعوا لها ومنحوها التأييد والموافقة والمشروعية؛ ولا تبذل جهدها للتخفيف من حدّة التناقضات القائمة بين الناس، وللقضاء على كل أشكال الظلم والتعسف واللامساواة، إنما هي “سـلـطـةٌ” تعرّض نفسها لعملية رفض جماعي يجعلها غير قابلة للبقاء والاستمرار، وبالتالي يصبح من الضروري أن يتمّ تغييرها وإستبدالها بواسطة عدة طرق، منها السلمي الدستوري، ومنها الثوري العنفي.

ويمكن إعتبار القضايا الإقتصادية، المحرّك الأول لكل أشكال الصراعات الإجتماعية. ولا يمكن تجنّب فكرة الصراع، او السيطرة عليها، إلا بتحقيق “الـعـدالـة الإجتماعية”

صاحب السيادة

و”الشـعـب” الذي هو مصدر الشرعية والسلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، هو الجهة الوحيدة القادرة على عزل تلك “السـلـطـة” أو سحب الثقة منها، أو تجديد وكالته لها، وذلك عبر “الانتخابات الدورية” التي تستبطن تطبيق مبدأ الثواب والعقاب عبر مساءلة ومحاسبة القيادات السياسية في صناديق الإقتراع، في حال تقصيرها وتنصّلها من وعودها وتعهداتها تجاه الناخبين، وعدم وفائها والتزامها بالبرنامج الإنتخابي الذي صوّت الناس لها على أساسه. لذلك تُعتبر العملية الإنتخابية من صلب النظام الديمقراطي، باعتبارها إستحقاقاً مفصلياً وضرورياً يهدف الى تجديد بنية النظام؛ وتغيير طبقته السياسية الحاكمة؛ وإحداث التحولات المرغوبة والتغيير الإجتماعي الإيجابي؛ وتأمين تداول “السلطة” بشكل سلميّ، كبديلٍ عن الصراعات والإنتفاضات والثورات الشعبية التي قد تتخذ طابعاً عنفيّاً .

وإنطلاقاً من هذه الركائز والأسس والثوابت التي تقوم عليها الدولة الحديثة (التي قد يطغى عليها الطابع الاكاديمي)؛ واستناداً الى النصوص الدستورية الناظمة للحياة القانونية والسياسية اللبنانية؛ فإن أعضاء ” تجمع طرابلس فوق الجميع” يقدمون بعض الرؤى والاقتراحات التي من شأنها المساهمة في التعرف الى أصول الأزمة اللبنانية الراهنة التي يعاني الجميع من تداعياتها الخطيرة، ويسعى الى إيجاد مخارج وحلول لها:

  1. بناء على مّا ورد في مقدمة الدستور من أنّ “النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها”؛ وعلى ما نصّت عليه المادة السابعة منه، من أن ” كل اللبنانيين سواءٌ لدى القانون، وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنيّة والسياسية، ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم ” – نطالب بحماية إستقلالية القضاء، واحترام أحكامه، ومنع التدخل في شؤونه، والسعي الى تطهيره من القضاة الفاسدين والمرتهنين، وتحريره من تأثير ونفوذ السلطة السياسية، كي يقوم بوظائفه المنوطة به، لجهة الفصل في القضايا والمنازعات، على قاعدة العدل والمساواة بين جميع اللبنانيين، فلا يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد، ولا يكون هناك انتهاج لسياسة الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير في إصدار الأحكام القضائية، بل يكون جميع المواطنين تحت سقف القانون.
  2. تطبيق مبدأ الشفافية والنزاهة في العمل العام، وتعزيز عمل المؤسسات والهيئات الرقابية، ومحاربة كل أشكال الفساد الذي نخر كل مؤسسات الدولة، وكلّف خزينة الدولة خسارة مليارات الدولارات سنوياً، وأفضى الى إفلاس الدولة وانهيارها اقتصادياً واجتماعياً، بعدما أصبح الفساد عملاً منظّماً ومحميّاً من عدة جهاتٍ نافذة في الجمهورية اللبنانية.
  3. جاء في مقدمة الدستور أن “إلغاء الطائفية السياسية هو هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية”. وقد آن الأوان لإقامة “الدولة المدنية” على أنقاض النظام السياسي الطائفي، بإعتباره سبباً أساسياً من أسباب نكبات لبنان المتتالية، بعدما كرّس اخلاق الزبائنية والمحسوبية السياسية، وحوّل اللبنانيين من “مواطنين” الى “رعايا” في خدمة الزعيم الطائفي، وتحوّل الى مظلة لتشريع نظام المحاصصة الطائفي والمذهبي البغيض، ولحماية سرقات أهل السلطة ونهبهم للمال العام بالتكافل والتضامن .
  4. إفساح المجال امام الطاقات والكفاءات للوصول الى المراكز المؤثرة والمواقع القيادية، بعيداً من المحسوبيات ووساطة الزعيم. وكذلك العمل من أجل تحرير الوظيفة العامة من الإنتماء الطائفي او المذهبي للمواطن، وذلك تأسيساً على ما نصّ عليه الدستور من انه ” لكل لبناني الحقّ في تولّي الوظائف العامة، لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الإستحقاق والجدارة ” (المادة 12) ؛ والذي طالب بإلغاء قاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة(باستثناء وظائف الفئة الاولى) في المرحلة الإنتقالية التي تسبق إلغاء الطائفية السياسية، واعتماد الإختصاص والكفاءة في الوظائف العامة؛ والذي رفض أيضاً، تخصيص أيّ وظيفة لأيّ طائفة مع التقيّد بمبدأي الإختصاص والكفاءة (المادة 95) .
  5. بناء على ما ورد في مقدمة الدستور اللبناني من ان  “الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، هو ركنٌ أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام” (الفقرة ز ) ؛ وأن “لبنان هو جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل ” – المطالبة بتحقيق “العدالة الإجتماعية” من خلال الإهتمام بقضايا التنمية الشاملة، والتقليل من الفوارق بين الطبقات والمناطق، وتوزيع الدخل القومي بشكلٍ عادل بين المواطنين، ورفع مستوى معيشتهم، بهدف القضاء على الاحتجاجات والتوترات الشعبية التي تفاقمت واستفحلت الى ان اندلعت الثورة الشعبية في 17 تشرين .
  6. لبنان هو جزء من المجتمع الدولي، وعضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ومن الضروري الإستفادة من دعم المجتمع الدولي والعربي، لمواجهة أزماته الطارئة، وللحفاظ على إستقراره المالي والسياسي والإجتماعي، وتطوير إمكاناته الإقتصادية والقدرات العسكرية لقواته المسلّحة. ما يعني الحرص على الإحتفاظ بعلاقات التعاون والصداقة والتنسيق مع كافة الدول التي تحترم السيادة الوطنية، وليس لها أطماع أو أجنداتٍ سياسية أو مشاريع مشبوهة خاصة تسعى الى تنفيذها في لبنان أو عبره .
  7. تقديم المصلحة الوطنية اللبنانية العليا في كل الإستحقاقات والقرارت والأزمات، على أيّ مصلحة شخصية او حزبية أو طائفية أو فئوية أو مناطقية، وعلى مصالح أيّ دولةٍ من الدول الأجنبية. ورفض تدخّل أيّ دولة أجنبية في شؤون لبنان الداخلية والخارجية، تماشياً مع ما ورد في المادة الأولى من الدستور اللبناني التي تنص على أن ” لبنان دولة مستقلة ذات وحدةٍ لا تتجزّأ ، وسيادة تامة “.
  8. التأكيد أن حماية السيادة الوطنية من أيّ خرق او تهديد أو إنتهاك من أيّ عدو خارجي، ليست حكراً على طائفة بعينها او حزب بعينه مهما بلغت قوته، بل هي واجب مفروض على جميع اللبنانيين، في حال حدوث ما يتهدد الأمن والسلم والاستقرار الوطني .
  9. الإعتراض على احتكار او مصادرة القرار الوطني من قِبَل اي حزب سياسي او جماعة طائفية، وعدم السماح لأيّ مكوّن لبناني – وتحت أي ذريعة او شعار (مقاومة، أمن ذاتي، الدفاع عن النفس او المقدسّات أو الطائفة او المذهب، محاربة الامبريالية .. الخ ) – بالتدخّل في شؤون وأزمات الدول الأخرى، أو بجرّ لبنان واللبنانيين الى التورّط في حروب عبثية خارج الحدود، او باستخدامه العنف المادي او المعنوي، لتحقيق أهدافه السياسية أو تنفيذ أجنداتِ دولٍ خارجية، وذلك حمايةً للوحدة الوطنية، وصوناً للاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي الداخلي.
  10. اعلان “حياد لبنان” عن الصراعات الاقليمية والدوليه، والمطالبة بإخراجه من لعبة المحاور الإقليمية والدولية القاتلة والمضرّة بمصالحه؛ ورفض منطق إقامة أي تحالف سياسي أو حزبي أو عسكري بين أي مكوّن لبناني (حزب، منظّمة، طائفة، فرد .. الخ ) مع أيّ دولة أجنبية، ورفض تقديم أيّ جهة خارجية، أي شكل من أشكال الدعم المالي او العسكري او اللوجستي للأحزاب والطوائف، لما يعنيه ذلك من تمزيقٍ للنسيج اللبناني، ومن مردودٍ كارثي على مستوى الولاء الوطني للأفراد والجماعات. فلا بد من حصر تقديم أيّ مساعدة خارجية، بمؤسسات الدولة الشرعية المولجة برسم السياسات العامة للبلاد، وتحديد طبيعة العلاقات النديّة والصحيّة والمتوازنة مع الدول الأجنبية، التي تخدم المصلحة العليا للدولة .
  11. الإصرار إنطلاقاً مما ورد في مقدمة الدستور ، من انه ” لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك “، على تجريد كافة الميليشيات والأحزاب المسلّحة، من سلاحها غير الشرعي، والتأكيد أنّ حصرية إمتلاك السلاح، وحصرية استخدامه، وحصرية قرار الحرب والسلم، هي أمور خاصة بالدولة وبالقوات المسلّحة والأجهزة الأمنية الشرعية التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء، والتي هي صاحبة الحق الوحيد في الدفاع عن السيادة والاستقلال، وحماية الأراضي والحدود اللبنانية من أي تهديدات خارجية .
  12.  التأكيد أنّ “المقاومة” هي حقّ مشروع لكل الشعوب، وأنّ الكيان الإسرائيلي هو العدو التاريخي للبنان، وأنه مصدر أبرز المخاطر الوجودية عليه، ولكن بعد إنجاز تحرير الأراضي المحتلّة في العام 2000 ، بات لزاماً إعادة النظر في دور المقاومة المسلّحة التي إنتهت وظيفتها، والتوافق على وضع استراتيجية دفاعية شاملة للأمن القومي، ينتقل بموجبها حقّ الدفاع عن السيادة اللبنانية، ومواجهة الخطر الإسرائيلي وغيره من الأخطار الخارجية والداخلية، الى القوات المسلّحة الشرعية التي هي صورة مصغّرة عن المجتمع بكل شرائحه وطبقاته وطوائفه ومذاهبه .
  13. التشديد على أهمية بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل التراب الوطني، ورفض منطق قيام أي دويلة او أيّ مربّعات أمنية داخل الدولة، التي من الممكن أن تتحول الى واحاتٍ آمنةٍ للخارجين على القانون والهاربين من وجه العدالة. وهكذا لا يكون في لبنان، إلا سلطة واحدة، وسلاح واحد، تجنباً لإنفجار التناقضات الداخلية، وتحويل لبنان الى مجرد “ورقة تفاوض” بين المحاور ، أو “ساحة مستباحة” تندلع فيها الحروب بالنيابة عن اللاعبين الإقليميين والدوليين.

الدولة الديمقراطية الحديثة

لقد اظهرت المفاهيم والركائز التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية الحديثة، حجم الهوة السحيقة التي تفصل بينها وبين الدولة اللبنانية المنهوبة والمتهالكة التي ضاق الهامش بينها وبين الدويلة لمصلحة الأخيرة . والشعب اللبناني يدرك أن مشكلة لبنان لا تكمن في “النصوص”، بقدر ما تكمن في عدم تطبيق النصوص الدستورية، وفي سوء ممارسة السلطة من جانب مافيات ولصوص الطبقة السياسية التي تحكم البلد منذ ثلاثين سنة. ولكنه مع ذلك، ما زال حريصاً على ترسيخ سيادة الدولة اللبنانية على كامل اراضيها؛ ومدافعاً عن قيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية؛ ومُصرّاً على قيامة “دولـة القانون والمؤسسات” كبديلٍ عن دولة المزارع الطائفية التي افتُضح حجم قبحها وتشوّهها، ولاسيما في إثر التداعيات المالية والاقتصادية الخطيرة التي أعقبت انفجار الثورة الشعبية في 17 تشرين الاول، التي طالبت بإسقاط النظام الطائفي القائم ورموز السلطة من زعماء الطوائف وأمراء الحرب وشياطين الانس والجن، الذين اوصلوا لبنان بفعل فسادهم الفاجر والمتمادي على مدى سنوات، الى اليأس والمجاعة والافلاس والظلمة .

ولعل أبرز ما أنجزته هذه الـثـورة، هو كشف عورات وسوءات النظام الطائفي والمافيوزي والتحاصصي المتخلف والمهترئ الذي يعيش اللبنانيون في كنفه؛ نظام لم يعد بامكانهم القبول باستمراره بسبب الخسائر المادية والمعنوية والرمزية والأخلاقية التي ألحقتها المنظومةُ الحاكمة الفاسدة والطبقة السياسية العفِنة، بالوطن والمواطنيين، بالبشر والحجر . لقد ايقن اللبنانيون بأنه آن الاوان لاسقاط نظام الحكم القائم، بغية إقامة نظام حكم بديل يليق بأحلامهم وآمالهم وطموحاتهم وتضحياتهم . لقد اصبحوا مقتنعين أكثر من أي وقت مضى، انهم يعيشون في دولة محتلة من لصوص الهيكل وتجار القضايا المقدسة الذين رهنوا الدولة ومصير الشعب للخارج. لقد اصبحوا مقتنعين انهم لا يريدون العيش إلا في دولة مدنية حديثة سيّدة حرّة مستقلة تؤمن بمبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية والمواطنة والشفافية والمساءلة والمحاسبة وسيادة القانون والقضاء المستقل والتنمية المستدامة؛ دولة تعلن “المقاومة” على الفقر والظلم والفساد وهدر الكرامة الانسانية والمحسوبية والزبائنية والقضاء المرتهن، وتكون قادرة على تطبيق ما لم يُطبق من بنود اتفاق الطائف، وعلى استرداد الاموال التي نهبتها عصابات السلطة بالتكافل والتضامن من قوى 8 و14 آذار، وعلى استئصال الاسباب الظاهرة والمقنّعة للأزمات الخانقة التي يعيشها الوطن في هذه المرحلة الحرجة والمفصلية من تاريخه.

وبعد مرور 267 يوماً على اندلاع الثورة، فإن زمرة اللصوص في السلطة الحالية، يتصرفون وكأن لا شيء حصل، وما زالوا يمارسون عملية المحاصصة الطائفية والمذهبية والحزبية في التعيينات في الادارات والمؤسسات في بلد أصبح 70 % من شعبه تحت خط الفقر

لقد انتهت صلاحية منظومة الحُكم القائمة (حكومةً ومجلساً نيابياً ورئاسة جمهورية)، بعدما تحولت الجمهورية الثانية الى جمهورية الجياع والمفلسين والمحبطين والمسروقين والراغبين في الهجرة، وما على اللبنانيين سوى إعلان وفاتها والتكاتف والتكتل وتوحيد الجهود لدفنها، تمهيداً لإعادة إنتاج وتشكيل منظومة حُكم جديدة على أنقاضها، تشبه احلام الثائرات والثائرين.

اقرأ أيضاً: ليس بالفقر وحده تحيا الإنتفاضة!

زمرة اللصوص

وبعد مرور 267 يوماً على اندلاع الثورة، فإن زمرة اللصوص في السلطة الحالية، يتصرفون وكأن لا شيء حصل، وما زالوا يمارسون عملية المحاصصة الطائفية والمذهبية والحزبية في التعيينات في الادارات والمؤسسات في بلد أصبح 70 % من شعبه تحت خط الفقر . لذلك فإن مواجهة هذه السلطة اللامبالية بمأساة الناس، تتطلب رصّ صفوف الثوار من كل المجموعات في كل لبنان، وإيقاف نزيف الشرذمة والانقسام والصراع بينهم على أمور جانبية وغير جوهرية، والذهاب فوراً – بعيداً عن التهويل – الى تشكيل قيادة ثورية (جبهة ثورية إنقاذية، هيئة وطنية جامعة) مؤلّفة من النخب الثورية والتغييرية غير المرتهنة لأي تيار سياسي او حزب سلطوي، تمتلك رؤية واضحة وموحّدة (خطة عمل، خارطة طريق، برنامج عمل، أجندة محددة، سلة أهداف واولويات، آليات الهدم والبناء، مشاريع وملفات اصلاحية وخطط اقتصادية مدروسة، ضوابط ومنهجية للمواجهة .. الخ) تستفيد من الأخطاء السابقة التي ارتكبها قادة الثورة، وتوحي بالثقة والمصداقية للثوار، وتعطي بارقة أمل للرأي العام – المتعطش لرؤية نموذج جِدّي ومنظم بديل من مافيات السلطة – بأن نجاح الثورة ما زال ممكناً؛ وتكون قادرة على تشكيل قوة ضغط تستنهض الشارع من جديد، وتعيد الروح والنبض والشغف الى الساحات التي فرغت بفعل فقدان الرؤية الجامعة للثورة، الذي حوّلها الى خاصرة رخوة سهّل اختراقها من جانب عسس السلطة وأزلامها وخلاياها التخريبية.

على الثوار وكل اللبنانيين ان يسارعوا الى تحصين أنفسهم ودولتهم من العاصفة الهوجاء القادمة التي وإن أخرجتنا من حضن النفوذ الإيراني – الذي يقدم اتباعه إقتصاد الجوع والذل، كطريق وحيد للانتصار على الأزمة، ويجمّلون الانتحار بتسميته جهاداً، والقهر والتعتير بتسميتهما صبراً وصموداً – فقد تقذف بنا في الحضن الأمريكي أو الاسرائيلي أو الصيني أو الروسي أوالتركي أو … أو … وهكذا تستمر مأساة طائر الفنيق الى ما لا نهاية له!
(دكتورة هلا رشيد أمون/ رئيسة تجمع طرابلس فوق الجميع)

السابق
«تغريبة سورية» جديدة على أبواب المصنع..و«كورونا» يُفجّر كل الإستهتار الحكومي!
التالي
إنفجار يشبه الزلزال يهز غربي طهران..والسبب حفر أنفاق بالديناميت!