لبنان ينأى بنفسه عن مواجهة المشاكل المقبلة

شكلت دعوة "الاخوان المسلمين" الى التظاهر في سوريا بداية مرحلة جديدة في المتغيرات التي تعيشها دول المنطقة منذ اشهر قليلة، بعدما ظهر ان هذه الدعوة فعلت فعلها امس في نوعية التظاهرات واماكنها. ولا ينفصل دخول "الاخوان" الى
ساحة الشرق الاوسط كأكبر قوة معارضة منظمة من مصر الى سوريا عن الملامح الاولى للاستراتيجية الجديدة التي يريد البيت الابيض تحديدها للمنطقة ، من دون ان تكون على اتفاق تام مع قادتها وفي مقدمهم السعوديون.

والخلاف السعودي – الاميركي ظهر بحدة مع فشل زيارة وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس للرياض في بداية نيسان، والتي اظهرت ان لا قراءة موحدة بين الطرفين لمعالجة التطورات العربية، الامر الذي استدعى بعد ايام قليلة زيارة مستشار الامن القومي طوم دونيلون للرياض في 13 نيسان الجاري. وذكرت مجموعة من التقارير الاميركية لاحقا ان ثمة وعودا اعطيت للقيادة السعودية بأن البيت الابيض يعكف على وضع استراتيجية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تلامس الهواجس السعودية. وفي موازاة ذلك، كانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كيلنتون تؤكد امام المنتدى العالمي الاميركي – الاسلامي في واشنطن في 12 نيسان سعي اوباما الى وضع هذه الاستراتيجية خلال اسابيع. وقد بدأت تظهر ملامحها في المقترحات عن اسماء بديلة لغيتس او لادارة الاستخبارات الاميركية، كاطار مواكب لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ.

وفي اشارة بالغة الاهمية، يأتي دخول "الاخوان" على خط سوريا بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده مراقب "الاخوان" محمد الشقفة في اسطنبول مع بداية الاحداث السورية، وفسر في حينه انه اول تحذير تركي للاسد لاستيعاب الحركة الاحتجاجية مقابل العصا "الاخوانية". ومع تصاعد حدة الاحتجاجات السورية، وتكثيف حركة الموفدين الاتراك وارتفاع مستوى تحذيراتهم للرئيس السوري بشار الاسد، والحملة الصحافية التركية، بدا لبعض الوقت ان النظام السوري سائر نحو تلبية التمنيات التركية، لا بل اعطاء الاتراك وعودا بعدم استخدام العنف في قمع المتظاهرين.

لكن ما حدث الاحد الذي تلا "الجمعة العظيمة" من استخدام مفرط للقوة عبر الدبابات استدعى تحركا تركيا – اميركيا من خارج الاطار العربي التقليدي. فواشنطن أوحت أن لتركيا الدور الذي طالما اضطلعت به مصر في تقريب وجهات النظر او المساهمة في تثبيت اتفاقات ورسم استراتيجيات للمنطقة. وبعدما ظهرت هشاشة المحور التركي – الايراني – السوري ( والقطري الى حد ما )، عند اول مفترق خطير، تحولت تركيا الى المقلب الآخر الذي يبشر باسلام علماني يقود المنطقة السنية، ولا سيما انها تعاملت مع "القرار السوري القاتل" على انه نكث بوعد اعطي على ارفع المستويات لتركيا بتجنب القمع الدموي.

والمفارقة التاريخية التي يرصدها سياسيون لبنانيون ان الدولتين اللتين حملتا مشروع المواجهة مع اسرائيل، أي سوريا ومصر التي وقعت معاهدة سلام، تعودان اليوم ساحة لدور فاعل يخطه "الاخوان" بعد عقود من القمع للحركة الاسلامية. ويدل صعود هذه القوة، وفق تقارير وقراءات لبنانية وغربية، على دور فاعل يمكن ان تؤديه هذه الحركة بعد الافادة من اخطاء انظمة القرن العشرين العربية والتي ادت الى ما يحدث اليوم.

وبعد التبدل الذي حصل في الاتفاق بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، وتطور الاحداث العراقية التي بدأت تنذر بمتغيرات سياسية ، تتحول الساحة السورية مختبرا حقيقيا لتقاطع المصالح الاميركية والسعودية، إذ ان تهيئة "الاخوان" لدخول ساحة المعركة السياسية لتقاسم السلطة، وإن يكن يتقاطع مع الرؤية السعودية لانظمة العالم العربي، إلا انه لا يتم اليوم عن يديهم.

ومع المنحى الجديد الذي تتخذه الاحداث في الشرق الاوسط، وتطور احداث سوريا في اتجاهات مجهولة، يقف لبنان عاجزا عن اتخاذ خطوات ملموسة ليس في شأن تأليف الحكومة فحسب، انما على مستويات اكثر قلقا حيال ثلاث قضايا جرى التحذير منها قبل ايام، ولم تلق صدى سريعا للتفاعل معها، اولاها وضع الحدود ولا سيما ان القوى الامنية عاجزة لنقص معداتها وسهولة تخطي المعابر غير الرسمية عن الحد من موجة اختراقها.

والقضية الثانية هي سبل استيعاب اللاجئين السوريين، مع خشية المصادر الامنية ارتفاع الاعداد الآتية الى لبنان بحسب تدهور الوضع في سوريا. وخطورة التسرب السوري الى لبنان يتخطى المستوى العادي، مع ما يمكن ان يسببه من مشاكل اجتماعية وامنية على المستوى الشمالي سنيا وعلويا، وعلى المستوى المسيحي. وقد كشفت معلومات امنية لـ"النهار" ان عائلات مسيحية سورية تصل تباعا الى لبنان، ناهيك بعائلات مسيحية عراقية كانت تركت العراق الى سوريا بعد موجات التفجير فيه. وقد ابلغت مراجع روحية مسيحية بهذه الاجواء من دون ان تتعامل معها بجدية. مع العلم ان اللجوء المسيحي بدأ بوتيرة اكبر الى المناطق الكردية السورية، لأن تجربة العراقيين المسيحيين سابقا مع لبنان لم تكن مشجعة.

والقضية الثالثة هي صياغة لبنانية لاستيعاب التطورات السورية وانعكاسها على لبنان، سياسيا وامنيا. اذ لا يبدو واضحا ان ثمة محاولة جدية من الافرقاء السياسيين لمواجهة ما هو مقبل على المنطقة، الامر الذي يفترض بحسب سياسين مخضرمين اللجوء الى حكومة اقطاب تتخطى مشكلة 8 و14 آذار لمواجهة المصائر الجديدة التي تُرسم للمنطقة ولبنان.

السابق
السفير: الدولة تتصدى للمخالفات..وبارود: مصيرها الهدم
التالي
الراي: أسئلة استباقية عن الخيار الاحتياطي بالهروب إلى…الحرب