السفير: الدولة تتصدى للمخالفات..وبارود: مصيرها الهدم

سئم اللبنانيون الفراغ وكل من يتحمل مسؤولية الفراغ. صار لزاما عليهم أن يناشدوا المتربعين على عرش الدولة، أن ينزلوا من عليائهم قليلا وأن يتواضعوا ويحاولوا ملامسة وجع الناس الذي بلغ حد الكفر بالدولة وبكل المسؤولين الذين لم يعد مطلوبا منهم أن يتحملوا المسؤوليات ولا أن يجترحوا المعجزات. صار مطلوبا منهم فقط أن يملأوا الفراغ، لعل اكتمال "الديكور" الإلزامي، يقي البلد خطر الانهيار الزاحف. لقد أثبت هؤلاء المسؤولون مجددا، ولا أحد منهم مستثنى، أنهم ينتمون فعلا الى بيئة شعارها "من بعدي الطوفان".

هاجس السلطة يتملكهم ويعمي أبصارهم عما يجري من حولهم، وعما آلت إليه حال بلدهم في ظل "فراغ مستديم" هم صنـّاعه… متكافلين متضامنين. سئم اللبنانيون هذا التحلل الفاضح من المسؤولية، مثلما سئموا أهل دولتهم يقدمون لهم شهادة تلو شهادة عن عجز غير قابل للشفاء، يتبدى في الاستشراس على المواقع والحقائب وتقاسم المال العام وغض النظر عن المخالفات، وآخرها وليس أخيرها، جريمة استباحة الأملاك العامة التي لم يشهد لبنان مثيلا لها حتى في عز غياب الدولة في زمن الحرب الأهلية وعصر الميليشيات. سئم اللبنانيون حكومة تحتاج الى كل هذا المخاض من الاعتبارات الفئوية والعقليات الاستئثارية والحسابات المستقبلية الشخصية، حتى صار لسان حالهم، وما هو الفرق بين أن تكون هناك وزارة داخلية أو لا تكون، وماذا يعني أن تكون هذه الحقيبة سيادية أو لا تكون، وماذا يعني أن يمتلك ناصية الوزارة هذا أو ذاك ما دام اعتبار الكفاءة ليس هو المقياس، بل اعتبارات التزلم والتزلف وتقاسم الحصص والمصالح… لقد صوّر أهل السلطة وزارة الداخلية، في ظل عقليتهم الشبقة والكيدية، كأنها أكبر من كل المؤسسات لا بل أكبر من البلد كله، وصار أمر من يجلس على كرسيها ـ المحرقة، معلقا على مزاج "جنرالين" لا يقبل واحدهما بالآخر، وهما يتصارعان على ملكيتها، فيما وظيفتها الأمنية تكاد تتبخر والملك العام المعنية بالحفاظ عليه، يتآكله السطو المدروس على مدار الساعة، وها هي المشاعات يجتاحها "القبضايات" أو ديوك الزواريب والأحياء و"الأموال" ممن يتنعمون بالتغطيات السياسية، ولو كره الإقرار بها من يرفعها في الإعلام فقط.
وحسنا فعلت القوى الأمنية، ولو جاء تحركها متأخرا، لقمع جزء من تلك المخالفات ومنعها، وإزالة عدد منها قرب حرم مطار بيروت الدولي أمس، لكن السؤال هل ستستطيع تلك القوى ان تكمل ما بدأته في ظل ما تتعرّض له من مواجهات مفتعلة من قبل المخالفين. وهل ستبادر القوى السياسية الراعية لفوضى المخالفات إلى خطوات جدية تضع حدا لهذا الفلتان المستشري على مساحة الجنوب وصولا الى المطار، وماذا إذا قرر الرئيس نبيه بري أو نواب "حزب الله" وحركة "أمل" أن يتقدموا القوى الأمنية في الأوزاعي والصرفند وعدلون والعباسية والبيسارية وصور وطيردبا، فهل يمكن أن يعترض أحد طريقهم وهل يعلم هؤلاء أن الغالبية العظمى من الجنوبيين وغير الجنوبيين متضررة من فوضى الاستيلاء على الممتلكات العامة لأن فئة المستفيدين محدودة، وبينها عدد لا يستهان به من "التجار" وأصحاب السوابق و"المافيات"؟ وماذا لو فوّض هؤلاء وزارة الداخلية أن تختار الصيغة الأنسب للمعالجة السياسية والأمنية واللوجستية، من أجل الوصول الى النتيجة المرجوة، خاصة أن وزير الداخلية زياد بارود كرر القول لـ"السفير": إن قرارنا هو إزالة المخالفات ومنعها، ولكن… ورداً على سؤال حول موضوع إزالة المخالفات في محيط المطار، في الساعات الأخيرة، قال بارود لـ"السفير": "ليس مفاجئا أن تقوم الدولة بواجباتها، ولا ينبغي الاحتفال لأن أجهزة الدولة قامت بما عليها أصلا أن تقوم به، الموضوع ليس موجها ضد الأهالي، بل ضد المعتدين على الحق العام". وأشار الى أن هذه العملية النوعية "كانت نتيجة الضرورة ونتيجة قرار حازم ليس فقط بمنع التعدي، بل ايضا بإزالة هذا التعدي في حال حصوله. وقامت القوى الأمنية بواجبها بمؤازرة الجيش اللبناني وبتضافر جهود كل المعنيين وهذه إشارة أولى، بأن التعدي على الملك العام نتيجته الهدم وليس قانون تسوية يصدر لاحقا". وأكد بارود "أن ما حصل هو جزء من خطة سيستكملها الجيش وقوى الأمن الداخلي، علما أن ما من أحد، إلا وأعلن عدم تغطيته للتعديات" وقال إن إزالة التعديات لا تلغي أبدا واجب الحكومة العتيدة بأن تتطرق الى الموضوع الاجتماعي وحاجات الناس بحيث تقدم الدولة بدائل عن التعدي غير المبرر على أملاكها، فتنتهج سياسة إسكانية واجتماعية باتت ملحة.

من جهة ثانية، أدت زيارة المعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" الحاج حسين خليل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، الى القصر الجمهوري، قبل ظهر أمس واجتماعهما بالرئيس ميشال سليمان لنحو خمس وأربعين دقيقة، إلى فتح كوة في جدار أزمة تأليف الحكومة وتحديدا موضوع حقيبة الداخلية، حيث تتجه الأنظار نحو الاسم الذي سيتوافق عليه "الجنرالان" في الساعات المقبلة، ويقضي بتسمية أحد العمداء العاملين في المؤسسة العسكرية أو المتقاعدين إلى منصب وزير الداخلية، علما أن أوساط كل من ميشال سليمان وميشال عون رفضت نفي أو تأكيد هذه الصيغة.

وفيما دعت مصادر معنية بحركة الاتصالات الى "التعامل بواقعية مع ما يجري وعدم الإسراف في التفاؤل"، وصف النائب علي حسن خليل اللقاء مع سليمان بالجيد، وقال لـ"السفير": نحن نحاول ان نتحرك نحو تضييق مساحة التباين، وبالتالي تكريس مقاربة جديدة للتعاطي مع حقيبة الداخلية وغيرها من الحقائب، بعيدا عن التصنيفات، وسنتابع في هذا السياق، خاصة ان الأمور مفتوحة وغير مقفلة، إلا أنها تحتاج بلا شك لأن تستكمل. وأكد زوار بعبدا ان رئيس الجمهورية "لم يسم احدا لأي حقيبة ولم يتمسك بأي اسم وهو اعتاد ان يترك امر إسقاط الاسماء على الحقائب الى حين عرض التشكيلة النهائية عليه من قبل الرئيس المكلف، أما الكلام عن وزارة الداخلية، فإن المسألة لا تتصل باسم الوزير الذي سيشغل هذه الحقيبة، بل بتأمين حيادية هذه الوزارة عبر شخصية حيادية، نظرا للمهام الاستثنائية الموكلة لهذه الوزارة الاكثر تماسا مع الناس والمتصلة بالاستحقاقات الدستورية الانتخابية مع ما يفرضه ذلك، من امكانية لدى شاغلها للتواصل مع كل الافرقاء".

ولفت الزوار النظر إلى أن سليمان "لم يكن يوما في موقع يمكن وضعه في خانة العرقلة، بل المبادر الى طرح الافكار والحلول بما يكرس منطق الحوار ويحافظ على الاستقرار، وبالتالي فإن كل ما يحكى عن بعض العقد لا سيما الداخلية غير دقيق على الإطلاق، وكل من يستمع الى رئيس الجمهورية يلمس هذا الأمر وترفّعه عن الخوض في اي جدل او ردود على هذا الموقع أو ذاك المسؤول، وحرصه على انتظام عمل المؤسسات الدستورية لأن الأمور وصلت الى وضع لا يطاق من قبل الناس". وفيما انتقل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى طرابلس امس، اكدت أوساطه أنه بات اكثر استعجالا من أي وقت مضى لتشكيل الحكومة، محذرا من أن الفراغ يأكل رصيده ورصيد الأكثرية الجديدة، وقد بلغ حدا مؤذيا للبلد في شتى مفاصله.

السابق
لا فارسية … بل شيعية سياسية
التالي
لبنان ينأى بنفسه عن مواجهة المشاكل المقبلة