بوسطة الأمس.. زهرة اليوم.. وهكذا دواليك

الحرب مستمرة في هذا النزوع الى تبرئة الذات وتنزيهها عن الخطأ
الله والدين والطائفة وقداسة القائد أقنعة جاهزة لاعمال النفي والالغاء
علي الأمين
البلد- الجمعة 13 نيسان 2012
لا احد من اللبنانيين الا ويدين الحرب التي نهشت من اجسادهم. وتأتي ذكرى 13 نيسان فتطلق العنان لالسنتنا في هجاء الحرب والترحم على من مات في بيته او على معبر او جبهة من جبهاتها التي قطّعت اوصال الوطن. لكأنّ الحرب التي انفجرت في مثل هذا اليوم في احدى ازقة عين الرمانة، ليست حربنا. هكذا ننظر اليها ونحن ننأى بأنفسنا عنها ونتناولها كأنما هي ارتكاب ايد وعقول وغرائز لا تمت الينا بصلة. هي "حرب الآخرين"، والآخر هنا يتنقل في وعينا، كصور، من العدو الى الشقيق الى الصديق الى الشريك، انتقال يهدف الى اعفاء الذات ليس من مسؤولية ارتكاب تلك الحرب فحسب، بل اعفائها من مسؤولية حرب نخوضها اليوم وننخرط بها بكل ما اوتينا من قوة ومن شعارات تلهب الغرائز وترذل الوجدان والعقل.
هي حرب مدانة ومرذولة في خطابنا ما دامت لا تنال من ذواتنا ومن شرفنا ومن عدالتنا غير المنتقصة ومن قناعاتنا التي لا تهتز. هي حرب اسرائيلية – اميركية على لبنان، هي حرب الفلسطينيين على ارضنا، او حرب الانظمة العربية ومتنفس صراعاتها العبثية في بلادنا. هي جريمة الآخرين وحروبهم على ارضنا وبارواحنا واجسادنا… لنكمل منطق تنزيه الذات. هي إذن حرب ارتكبها الآخر، حتى عندما نحاول كلبنانيين ان نحدد مسؤولياتنا في اشتعال الحرب وارتكاباتها. هي حرب ارتكبها اللبناني الآخر ضدنا. هي حرب اليمين ضد اليسار او العكس، هي ايضا حرب استقواء طائفة على اخرى… هي حرب اهلية… ابدا ليس هناك اجماع لبناني على توصيف الحرب، لذا يرفض كثيرون وصفها بأنها حرب اهلية… هو موقف يعكس في جانب منه محاولة التنصل من المسؤولية اللبنانية عن ارتكابات الحرب.
الحرب انتهت. هكذا نستعيد ذكرى 13 نيسان. ذكرى بوسطة عين الرمانة، تلك التي اشعلت مخيلة الكثيرين منا، وتحولت الى رمز هذه الحرب التي نختلف على تسميتها. هي البوسطة المظلومة التي ظننا لسنوات انه لو لم تخطىء مجموعة من الافراد سواء في داخلها او خارجها، وامكن تفادي هذه الحادثة في ذلك التاريخ، لما وقعت الحرب.
الحرب مستمرة ولم تتوقف، البوسطة اليوم كان يمكن ان تكون زهرة لم تقطف بعد، أو بضع آلاف من ليترات المازوت الاحمر قيل انها سرقت ذات ليل. البوسطة كان يمكن ان تكون الـ11 مليار دولار التي اختلف السياسيون على تصنيفها وانقسم اللبنانيون حولها ويكادون ان ينسوها. البوسطة هي اليوم كخط التوتر العالي. البوسطة هي الاسم السري لحرب مستمرة، اسم يمكن ان يتمظهر في عشرات الملفات والقضايا التي تقذف واحدة تلو الأخرى في سوق المزاودات السياسية فنتلقفها بعقول مستلبة وغرائز مشرئبة. نتلقفها ونننتشي بلعبة تقديس من نتبع وشيطنة من نخاصم.
الحرب مستمرة، في هذا النزوع الى تبرئة الذات وتنزيهها عن الخطأ، في عجزنا المتمادي، وباختيارنا، عن نقد الذات: هل ثمة من يستطيع ان ينتقد تياره السياسي او زعيما يحبه؟ بل اقل من ذلك: هل يمكن ان نجد لزعيم نتبعه او لحزب نسير في ركبه خطأ ارتكبه يوما ما ويقتضي الاعتراف به؟
أعتقد ان البعض لديه جواب جاهز هو أن خطأ زعيمه او حزبه انه لم يقض على خصومه بعد او لم يقتل ما يكفي منهم. إنها الحرب التي تلبس الف لبوس: الله والدين والشرف والطائفة وقداسة القائد والزعيم. أقنعة جاهزة لاعمال النفي والالغاء. انها الحرب التي تسير في شراييننا متنقلة من الرأس الى القلب مثل بوسطة معدة للتفجير بانحناءة الزعيم المفدى، او بسبابة المقدّس، او بساعة تخلّ، او بانتهاك سيرة الشهيد العامة.
آه.. من هو الشهيد في لبنان؟ عرّف الشهيد ايها المواطن؟ من هو العميل في لبنان؟ عرّف العميل ايها المواطن؟ من نحن أيّها المواطن… يجب الانتباه إلى أنّ اللبناني في هذه الاسئلة لا يحتاج خلال امتحانه الى مراقبة. هو لن يتورط في الغشّ ولن يسترق النظر الى ما يكتبه اللبناني الآخر.

السابق
جبر: خطوات تصعيدية لتعيين رئيس مجلس قضاء
التالي
الحياة: بري يجدد مآخذه على الحكومة بعدم الإنتاجية وميقاتي ضد إقحامه في اختلاف الطوائف