حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: سنخدمكم بأشفار العيون

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

جهد حزب الله، لتصوير استقدام المازوت من ايران، كأنه بطولة وانتصار للبنان بفك حصار مزعوم عليه، الوقائع والارقام تثبت هشاشة وركاكة حملة حزب الله وعنترياته الفارغة:

اقرا ايضا: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لا تعاقبوا الرهينة بل خاطفيها

إن حاجة لبنان ٢ مليون طن مازوت سنويا، هذه دون احتساب استهلاك سورية، التي تأخذ حاجتها من المازوت من لبنان عبر التهريب.
أما باخرة ايران التي وصلت الى بانياس، فان حمولتها ٣٢ الف طن، علما انه لا قدرة لايران، الا على ارسال باخرة مازوت واحدة، وباخرة بنزين واحدة كل شهر، مما يعني ١٥% من حاجة لبنان. هذا اذا لم تقتطع جماعة الفرقة الرابعة من جيش الاسد حصة لها كرسم عبور.
حتى لو فرضنا ان ايران ارسلت عددا اكبر من البواخر، فان القدرة على نقل حمولة الباخرة الواحدة من بانياس الى لبنان، عبر استعمال ٦٠ صهريجا، برحلات مكوكية، يتطلب مدة اسبوعين لنقل حمولة كل باخرة.

حاجة لبنان ٢ مليون طن مازوت سنويا أما باخرة ايران التي وصلت الى بانياس فان حمولتها ٣٢ الف طن

وصل المازوت الايراني وسيصل البنزين، و تم رفع الدعم عن المحروقات، اي أصبح الاستيراد غير مقيد، بتغطية المصرف المركزي من العملات الاجنبية. ارتفع سعر المحروقات بشكل جنوني، مع ذلك ما زالت ارتال الذل امام المحطات، ومازالت تعبئة الوقود تسرق نصف وقت كل لبناني، علام كانت احتفالاتكم وعراضاتكم، الم يكن من الاجدى القليل من الحياء!.. اليس كذلك؟

وصل المازوت الايراني وسيصل البنزين و تم رفع الدعم عن المحروقات مع ذلك ما زالت ارتال الذل امام المحطات


يعرض حزب الله صفيحة المازوت ب ١٤٠ الف ل. ل.، ومن المعروف انه نتيجة العقوبات الاميركية على ايران فان ايران تبيع نفطها بحسومات تصل الى ٣٠ % من السعر العالمي، اي حين يكون سعر برميل النفط عالميا ب ٧٠ $ اميركي، فان ايران تبيعه لمن يجرؤ على خرق العقوبات الاميركية ب ٥٠ $.
لمعرفة مدى التجارة التي ينخرط بها حزب الله، وقيمة الارباح التي يحققها على حساب الدولة اللبنانية، فإنه يحقق وفرا من خلال عدم إخضاع مستورداته لرسم الجمارك، وضريبة القيمة المضافة والرسوم البلدية الى نحو ٣٦ الف ل. ل. في كل صفيحة، اضافة الى ٥٢ الف ل ل من فارق سعر النفط الايراني ؛ ٥٢ + ٣٦ + ١٤٠= ٢٢٨ الف ل ل. وبذلك فان المازوت الالهي، هو اغلى من مازوت الدولة ( ١٩٨الف ل ل ) ب ٣٠ الف ل ل، واما عرضه بسعر ادنى من سعر السوق، فهو فارق يؤخذ من عائدات الدولة ورسومها.

ايران تبيع نفطها بحسومات تصل الى ٣٠ % من السعر العالمي، اي حين يكون سعر برميل النفط عالميا ب ٧٠ $ اميركي فان ايران تبيعه لمن يجرؤ على خرق العقوبات الاميركية ب ٥٠ $


المشكلة ليست هنا بل بالإصرار على شعار ؛ “سنخدمكم بأشفار العيون”، من جهة اخرى انبرى النائب حسن فضل الله، في جلسة مجلس النواب، التي عقدت لمناقشة البيان الوزاري، ومنح حكومة نجيب ميقاتي الثقة، انبرى لمطالعة قانونية دستورية، عارضا لملفات اعتاد اللبنانيون على سماع التهديد بها، والتي على حد قول النائب، اذا اخذت مسارها القضائي فان رؤوسا كبيرة ستدخل السجون، اسطوانة النائب فضل الله، تعود اللبنانيون سماعها حتى اصابهم الملل، لكن النائب فضل الله المكلف من حزبه وامينه العام، بمكافحة الفساد واستئصاله من جذوره، لا يكل ولا يمل من حث القضاء على القيام بواجباته، ومن تشجيع رجال العدالة على الاقدام والشجاعة والجرأة على مواجهة السياسيين، سواء كانوا نوابا او وزراء او رؤساء، لأن للفساد لا طائفة له ولا مذهب له ولا حزب له، يمكن ان يحميه..

المضحك المبكي ان التهديد اصبح موثقا علنيا ورسميا بموجب مراسلات بين النيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي

كدنا نصدق.. او على الاقل كدنا نقول، انه نظريا هذا كلام يمكن ان يكون مقبولا، لكن العبرة في التطبيق والالتزام والتحقيق..
لكن “فرحتنا لم تصل الى صلعتنا” كما يقول اصحاب السخرية والفكاهة، فقد انبرى من جهة ثانية الحاج وفيق صفا، بعد ذلك بايام قليلة، الى زيارة قصر العدل والجولة على عدد من القضاة، وارسال رسالته التي اصبحت على كل شفة ولسان، الى المحقق العدلي القاضي طارق البيطار يبلغه فيها؛ انه “واصله معو منه للمنخار” وانه سيستعمل معه القانون حتى النهاية و”اذا لم تنفع سنقبعك”…
المضحك المبكي فيما وصلت اليه احوال دولة لبنان، ان التهديد اصبح موثقا علنيا، ورسميا بموجب مراسلات بين النيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي، فيما يسود صمت عميم، كصمت مقبرة معزولة لبقايا مؤسسات دولة بائدة، لا ردود فعل او غضب من اي سلطة او رئيس او وزير، لا استدعاء الى تحقيق، لا مساءلة جنائية من جهاز امني او قضائي، لا استنكار من نقابة المحامين، لا موقف حازم من مجلس القضاء الاعلى، لا بيان استنكار من نادي القضاة، كأن على رؤوس الجميع الطير.. فعلا هزلت..

لا يقتصر الامر على وجود تصنيفين للقضاء؛قضاء فضل الله في وجه الخصوم واجب تفعليه وتنشيطه وقضاء يطال الحلفاء واهل الدار واجب تعطيله وحتى تهديده


كيف يستوي خطاب فضل الله، الذي يتبنى القانون والدستور والاحتكام للقضاء والالتزام بآليات المساءلة، والمطالبة بتطبيق قانون المحاسبة العمومية، وتفعيل رقابة ديوان المحاسبة، مع رسائل القبع والتهديد والوعيد، فهل هذا هو القضاء نفسه، قضاء فضل الله ام قضاء وفيق صفا.

لا يقتصر الامر على وجود تصنيفين للقضاء؛ قضاء فضل الله في وجه الخصوم واجب تفعليه وتنشيطه، وقضاء يطال الحلفاء واهل الدار واجب تعطيله وحتى تهديده، بل هناك قضاء ثالث يطال داخل حزب الله ومحيطه المذهبي، والذي لا يستند في احكامه الى القانون الوضعي اللبناني، بل الى الشرع الاسلامي، يفتي فيه ويفصل في قضاياه ويصدر احكامه، مشايخ ورجال دين يتبعون لولي امر المسلمين في ايران وعقيدته، ويتم تنفيذ الاحكام والسجن وحتى احكام الاعدام، بواسطة اجهزة الحزب وهيكلياته، بعيدا عن الدولة واجهزتها وسلطاتها.

لا معايير عند حزب الله لا على مستوى المؤسسات والسلطات ولا على مستوى القوانين كل محرم على غيرهم حلال لهم


القضاء لا يهدد، والقضاء لا يستغل، والقضاء لا يمكن ان يدفع لممارسة كيد سياسي على خصم، أو ادانة منافس على موقع او منصب، أو إبراء لحليف او نصير، والا فقد استحقاق اسمه، وافرغ من معناه، فلم يعد قضاء للعدالة، ولا سيفا لالتزام القانون، ولا ميزانا لتوزيع الحقوق وتحصيلها.
لا معايير عند حزب الله، لا على مستوى المؤسسات والسلطات ولا على مستوى القوانين؛ كل محرم على غيرهم حلال لهم، كل محظور على من ليس منهم، متاح لهم.. انه الانفصام الكامل بين ادعاء المثالية السياسية، وحقيقة بؤس السلوك والممارسة.

السابق
«حقاً مش أنا».. تامر حسني يعيش أزمة إيرادات غير مسبوقة
التالي
«حركة المبادرة الوطنية» تتهم «حزب الله» بتقويض الدولة من الحدود إلى القضاء!