باسيل ليس «سوبر جبران»!

ياسين شبلي
ليس من المبالغة في شيء القول، بأن لبنان اليوم هو رهينة جبران باسيل، وهذا يبدو جلياً في مقاربة تشكيل الحكومة الجارية منذ أكثر من عام ونيف خصوصا بعد فرض العقوبات الأميركية عليه، بموجب قانون "ماغنيتسكي" في 6 تشرين الثاني من العام الماضي.

قد يقول قائل، بأن هذا الكلام يعطي جبران باسيل حجما أكبر من حجمه الطبيعي، كرئيس تيار سياسي لبناني كغيره من رؤساء الأحزاب والتيارات الأخرى، الشريكة له في هذه السلطة التي هي إلى المافيا أقرب، بطريقة عملها وأساليبها في السيطرة على البلاد والعباد، عبر العصا والجزرة ، وبالتالي “كلن يعني كلن” ولا “فضل” لواحد منهم على آخر، إلا بقرابته من العهد المسمى زوراً بالعهد القوي، إلا إذا كان القصد بالقوة هو تعطيل الواقع.

اقرأ أيضاً: عوامل أفرجت عن الحكومة.. ما هي؟


إن الحديث عن جبران الخاطف ولبنان الرهينة، لا يعني بأن باسيل هو “سوبرمان” السياسة في لبنان، أو أنه الرجل الخارق على المستوى الشخصي، ذو المعجزات التي لا يأتيها غيره من السياسيين اللبنانيين، الذين سبقه الكثير منهم إلى ميدانها ودهاليزها ومناوراتها، الى درجة يمكن معها القول، بأن هذا البعض بإستطاعته “أخذه إلى البحر ويرجعو عطشان”، لكنه الطموح الممزوج بالميكيافيلية السياسية، في وراثة عمه رئيس الجمهورية في سدة الرئاسة كما ورثه في قيادة التيار>

كلن يعني كلن” ولا “فضل” لواحد منهم على آخر، إلا بقرابته من العهد المسمى زوراً بالعهد القوي

هذا الطموح الذي يواكب الظروف السياسية الإقليمية منها، على وجه الخصوص، التي إرتضى باسيل لنفسه أن يكون، في مقدمة المقاولين العاملين في سبيل تنفيذ أجندتها السياسية، طمعا بإستغلال موازين القوى فيها على الأرض لصالح هذا الطموح، ولو جاء على حساب سيادة بلده وحريته وإستقلاله ومصلحة شعبه، كما إستغل العماد ميشال عون هذه الظروف في الصراع السياسي، لتثبيت موقعه وموقع تياره وصهره في المعادلة منذ العام 2006، الذي شهد ورقة التفاهم مع حزب الله – ومن شابه عمه ما ظلم – هذه الورقة التي كانت بداية تثبيت المشروع الإيراني في لبنان، عبر حرب تموز بداية، ومن ثم الإنقلاب على الحكومة الشرعية وصولاً إلى 7 أيار 2008، الذي حمل باسيل وتياره إلى السلطة، التي عرف كيف يستغل موقعه فيها ويعب منها حتى الثمالة، في وزارات وازنة ومنتجة تدر الملايين، محميا من حليفه وولي نعمته السياسية حزب الله، ولاعباً ماهراً على التناقضات تارة بين الحليف والخصوم، وأخرى بين الحليف وحلفاء الحليف، ومستغلا ميزان القوى العسكري على الأرض، الذي يؤمنه سلاح حزب الله الذي بدأ مقاوما في أواخر ثمانينات القرن الماضي، تحت شعار السلاح لتحرير الأرض.

الحديث عن جبران الخاطف ولبنان الرهينة لا يعني بأن باسيل هو “سوبرمان” السياسة في لبنان

وتحول بعد التحرير ليصبح الشعار السلاح لحماية الإنتصار وإستكمال “تحرير” مزارع شبعا، ليعود ويتحول عشية 7 أيار 2008 ويصبح السلاح لحماية السلاح، وبعدها السلاح لحماية ظهر المقاومة في سوريا والمقامات الدينية، ومن ثم السلاح لخدمة محور الممانعة في العراق واليمن، وسنكون حيث يجب أن نكون، الأمر الذي واكبه جبران باسيل مع إستلامه وزارة الخارجية، ما أدى إلى عزل لبنان عن محيطه العربي، وتسبب بالخسائر وضرب الإقتصاد اللبناني، سواء عبر السياحة أو عبر المساعدات والدعم العربي.

ترافق ذلك مع تفتت قوى 14 آذار، بسبب إتباع كل منها سياسة التكتيك على حساب الإستراتيجية، فكان أن دخل جبران باسيل من هذه الثغرة، خاصة بعد ترشيح سعد الحريري لسليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، فكان تفاهم معراب بين الشقيقين اللدودين، القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع والتيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون تحت شعار “أوعا خيك”، بشكل أعاد إلى الأذهان تحالف الطرفين، في وجه “مخايل الضاهر أو الفوضى” عام 1988، حيث إختار الطرفان الفوضى يومها وكان ما كان، ليتكرر المشهد في معراب ضد ترشيح سليمان فرنجية ونكاية بسعد الحريري، الذي ما لبث أن أقام تسوية أيضا مع ميشال عون وصهره سميت التسوية الرئاسية، التي أتت بميشال عون إلى سدة الرئاسة ليدخل لبنان طور جهنم، خاصة بعد ثورة 17 تشرين وإنفراط عقد التسوية، وبداية مسار التعطيل الدستوري تحت شعار “جبران وسعد معا داخل السلطة أو خارجها “، فكانت حكومة اللون الواحد حكومة حسان دياب، التي أخذت قرارات إنتحارية بوقف دفع سندات اليوروبوند، دون التنسيق مع الدائنين وبطريقة عشوائية، ما أدى إلى تسريع الإنهيار، وجاء إنفجار المرفأ في الرابع من آب 2020 ليطيح بها.

كانت حكومة اللون الواحد حكومة دياب التي أخذت قرارات إنتحارية بوقف دفع سندات اليوروبوند بطريقة عشوائية ما أدى إلى تسريع الإنهيار

وهنا بدأت مرحلة جديدة من الكباش السياسي، تحت مظلة المبادرة الفرنسية بداية، التي لم تكن بالنسبة للطبقة السياسية اللبنانية وخاصة فريق حزب الله السياسي، بالإضافة إلى فريق العهد بقيادة جبران باسيل كما بدا لاحقا، إلا فترة لإلتقاط الأنفاس وتمرير الوقت، بإنتظار نتائج الإنتخابات الأميركية، التي أطاحت بخصم إيران اللدود دونالد ترامب لصالح خصمه جو بايدن، ما أعاد الأمل للجانب الإيراني، بإعادة التفاوض حول الملف النووي ورفع العقوبات، ما عزز من فرص حزب الله وفريق العهد للتعطيل والمماطلة بتشكيل الحكومة، مع إضافة حافز إضافي لجبران باسيل، قد يكون حزب الله يستغله في عملية تأخير تشكيل الحكومة، ألا وهو فرض العقوبات عليه من قبل الإدارة الأميركية، وما العراقيل التي وضعت أمام سعد الحريري والممارسات غير الأخلاقية و غير دستورية، في التعامل معه على مدى تسعة أشهر من محاولة تشكيل الحكومة، وما العقبات التي كانت توضع، في طريق الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، والتي أقل ما يمكن أن يقال فيها بأنها غير معقولة ولا مقبولة، في سلطة ودولة لديها الحد الأدنى من الإحترام، لمؤسساتها الدستورية ولشخوص المسؤولين فيها ولشعبها خاصة، في ظل ظروف كالتي يمر بها البلد والناس، من إنهيارات على كافة الصعد والإذلال اليومي، الذي يتعرض له المواطنون في مختلف نواحي الحياة.

كل هذه العقبات ما هي سوى دليل ساطع على أن الحل هو خارج لبنان كالعادة وما جبران باسيل سوى الواجهة

كل هذه العقبات ما هي سوى دليل ساطع على أن الحل هو خارج لبنان كالعادة، وما جبران باسيل سوى الواجهة، التي يتلطى خلفها محور إيران وذراعه في لبنان حزب الله، من أجل الإستمرار في إمتلاك ورقة الحكومة، للمساومة عليها تارة مع فرنسا والإتحاد الأوروبي وطورا مع أميركا، للضغط بإتجاه إستئناف مفاوضات فيينا مع وصول إبراهيم رئيسي وإدارته الجديدة، التي تمثل التيار المحافظ المتشدد، وهذا ما بدا حتى اليوم من تصريحات وممارسات وزير خارجيته الجديد، المعروف بتشدده في أول إطلالة خارجية له في مؤتمر بغداد، ما يبقي لبنان رهينة بيد جبران باسيل ظاهريا، ولكن قرار الخطف هو في الحقيقة قرار إيراني يتمثل ب “قبة باط” من حزب الله، بدعوى إحترام الحليف وعدم الضغط عليه ، مستغلا عطش باسيل للسلطة وهوسه بالوصول، في الوقت الذي يذكر فيه الجميع، كيف عطّل حزب الله سنتين وأكثر إنتخابات الرئاسة ليأتي بميشال عون رئيسا، فكيف يمكن لأي شخص عاقل أن يقتنع، بأن من أتى برئيس جمهورية عبر الضغط على الحلفاء والخصوم يومها، لا يمكنه اليوم الضغط للإتيان بحكومة، في ظل هذه الظروف المأساوية التي يعيشها الشعب اللبناني؟ حال البلد بكل الأحوال اليوم، سواء مع حكومة أو عدمه، هو كحال طائرة أو سفينة مخطوفة، الخاطف المنفذ هو جبران باسيل وأدواته في الدولة، أما السلاح المستخدم في عملية الخطف فهو “الهوس السلطوي” للخاطف خاصة بعد العقوبات عليه، أما القرار فهو خارجي كالعادة.

يبقى الشعب اللبناني معلقا على صليب المعاناة والذل اليومي يمارسون عليه ساديتهم وتوحشهم ويلهونه بالفتات


و يبقى الشعب اللبناني معلقا على صليب المعاناة والذل اليومي ، يمارسون عليه ساديتهم وتوحشهم، ويلهونه بالفتات الباقي جراء فسادهم، وآخره ما يسمى البطاقة التمويلية، التي هي في الحقيقة بطاقة إنتخابية، سيستغلها أصحاب القرار كالعادة في تمويل مشاريعهم السياسية والسلطوية، وإذا كنا تحدثنا عن جبران باسيل، فهذا لا يعفي باقي المنظومة من المسؤولية، عما آلت إليه الأمور في البلد، سواء عبر شراكتهم له في السابق أم عبر السكوت عن ممارساته، تحت حجج واهية، لا تنم سوى عن ضعف نابع من ممارسة سياسية غير سليمة، تتخذ من المحاصصة سبيلا للحكم، تحت شعارات الوحدة والتعايش على حساب مصلحة البلد والناس الحقيقية، المتمثلة في سلطة ودولة مدنية عادلة، يحكمها القانون تحت سقف الدستور، الذي هو فوق الأشخاص والأحزاب والتيارات والمصالح الخارجية

السابق
بعد التأليف.. هذا ما ينتظره التيار «الحر» لتحديد موقفه من منح الثقة!
التالي
بعد الهبوط المدوي.. كيف افتتح دولار السوق السوداء اليوم؟