تركيبة لبنان المعقدة بيئة طاردة للقاعدة

النقاش الذي بدأه وزير الدفاع فايز غصن حول تسلل عناصر من القاعدة إلى لبنان فتح الأبواب عريضة أمام موضوع غاب لأكثر من ثلاث سنوات عن واجهة السياسة والإعلام في لبنان.
ما أن نطق غصن بكلمته حتى كانت قوى «14 آذار» جاهزة لهجوم ساحق عليه شخصياً ثم على حلفائه وحكومته من خلاله، فغطت بصوتها على مضمون كلامه، قبل أن يقوم الحلفاء برد فعل متأخر دفاعاً عن الوزير الذي قال ما قاله لرفع المسؤولية عن نفسه، بحسب ما أكد النائب سليمان فرنجية.
بالمحصلة، سقط الموضوع في حفرة المزايدات الطائفية. فجأة لم ير البعض في ما قاله الوزير المسؤول إلا استهدافاً للطائفة السنية من خلال استهداف «منطقة عزيزة من لبنان» (عرسال) من دون أن ينسى أي من الطرفين إنهاء كلامه السياسي بعبارة «لا يوجد تنظيم قاعدة في لبنان» مقابل «يوجد في لبنان تنظيم قاعدة».

وفيما كانت وفود «القوات» و«الكتائب» تتسابق مع «المستقبل» و«العلماء المسلمين» للوصول إلى «مدينة الصمود» وتحية أبطالها، خرج بعض من تخطى السجالات السياسية ليسأل: هل يوجد فعلاً تنظيم قاعدة في لبنان؟
تتقاطع الإجابة بين أكثر من مصدر لتستقر عند حقيقة ثابتة مفادها أن هذا التنظيم موجود في معظم دول العالم، إلا أن طبيعة وجوده تختلف من بلد إلى آخر تبعاً لاستراتيجيته التي يقرر بناءً عليها العمل في السر أو في العلن. في الشكل، يمكن بالحد الأدنى الإشارة إلى أن لا تنظيم علنياً للقاعدة في لبنان طالما أنها لم يسبق لها أن أصدرت بياناً أو رسالة عبر المواقع المرتبطة بها تتبنى فيها أي عملية على أرضه. ومع ذلك، فإن وجود هذا التنظيم في لبنان يخضع لمد وجزر دائمين، إذ أنه يخبو حيناً ويظهر أحياناً، علماً أن «الفترة الذهبية» لوجوده، أو بشكل أدق لوجود بعض فروعه كانت بين العامين 2004 و2007، وبعلم الأجهزة الأمنية. من ارتبط بالقاعدة في ذلك الحين ارتبط بها بهدف «الجهاد ضد الأميركيين في العراق». ولم يكن خافياً على أحد أن بعض الجهات الأمنية كانت تغض النظر عن توجه بعض المجموعات إلى العراق لأداء هذه المهمة. مع تغير الأهداف التي قاتلت من أجلها القاعدة في العراق وبعد دخول العامل المذهبي إلى الصراع اختلفت نظرة الدولة الى هذه المجموعات فضبطت حركتها، وأغلقت «أبواب الجهاد» أمامها، علماً أن ثمة من يؤكد أن من بين أفراد هذه المجموعات من قرر طوعياً البقاء في لبنان، رفضاً للانخراط في الصراع المذهبي في العراق، لا سيما أنهم سبق ومدوا بعض الخيوط مع «حزب الله» على قاعدة «العداء المشترك للإسرائيليين والأميركيين».
مرجع ديني مطلع يجزم أيضاً أن هذا الخلاف العقائدي كان موجوداً على أعلى المستويات داخل «القاعدة»، ففيما كان أبو مصعب الزرقاوي يحث قيادة التنظيم عبر رسالة له في العام 2003 على «إيقاظ أهل السنة في العراق من خلال إشعارهم أنهم مهدّدون»، رد عليه أيمن الظواهري بالتأكيد أنه «لا نستطيع معاداة الشيعة كما لا يجوز قتل الناس في الشوارع».

أما أسامة بن لادن فلم يتطرق يوماً إلى «حزب الله» إلا في معرض انتقاده على قبوله القرار 1701.
منذ 2008 أفل نجم هذا التنظيم وتوابعه التي كان أبرزها فتح الإسلام، من دون أن يعني ذلك أن تأثير هالته لم يطل الأغلبية الساحقة من الحالة السلفية في لبنان، علماً أن عدداً من أركانها لم يتردد في إقامة صلاة الغائب عن روح أسامة بن لادن. ومع ذلك، فإن الانتساب إلى تنظيم القاعدة دونه عقبات كثيرة إذ لا يكفي أن يتبنى بعضهم فكر القاعدة حتى يكون منتسباً لها، وقد سبق لهذا التنظيم أن رفض انتساب أحد السعوديين الذين كانوا يقيمون في مخيم نهر البارد رغم تقديمه «أوراق اعتماده» له.
يجزم المصدر أن زج اسم عرسال في الحديث عن القاعدة كان خطأ كبيراً إذ أنه بذلك وضع أبناء المدينة في موضع الاتهام، مشيراً إلى أنه لو اكتفى وزير الدفاع بالإشارة إلى أن عنصراً أو اثنين مروا في المدينة لما تم تضخيم كلامه إلى هذا الحد. ويشبه المصدر ما حصل بما قيل سابقاً عن خروج عبد الرحمن عوض من مخيم عين الحلوة، بما أوحى أن ثمة اتهاماً للمخيم بإيوائه، فيما الحقيقة تؤكد أن أهل المخيم كانوا أول من عارض وجوده بينهم ما اضطره دائماً إلى التخفي.

ثمة من يؤكد أن المشكلة الرئيسية في «سوء التفاهم» الذي طال موضوع عرسال هو في عدم تعاون الأجهزة مع بعضها، وكان يمكن إنهاؤه فوراًَ بقليل من الحكمة. ويؤكد مصدر أمني أن كلام وزير الدفاع استند إلى واقعة خطيرة تمثلت في محاولة عنصر سوري في تنظيم القاعدة الدخول إلى عرسال لتصنيع بعض المواد، فحاولت قوة من الجيش باللباس المدني القبض عليه، قبل أن تتضافر جهود بعض أبناء المدينة لحمايته بعدما لم يصدقوا أن المجموعة تنتمي إلى الجيش، وهو ما مكنه من الافلات والعودة إلى سوريا.

ما حصل يستدعي السؤال مجدداً: هل ثمة قاعدة في لبنان أم لا؟ يجزم المرجع الديني أن لا ذراع تنظيمية للقاعدة في لبنان، لأنه ببساطة ليس في «أجندتها»، من دون أن يعني ذلك أن لا إمكانية لوجود أفراد ينتمون إلى القاعدة فكريا أو حتى إلى التنظيم في أحد فروعه خارج لبنان، ولا سيما في سوريا والعراق، حيث تفيد المعلومات المتناقلة عن قدرات كبيرة له في البلدين.
«التركيبة اللبنانية الفريدة» كانت نعمة في هذه الحالة فساهمت في غض طرف القاعدة عن البلد. إذ يرى المرجع الديني أن الوضع المعقد والمتداخل في لبنان يجعل من الصعوبة بمكان جعله نموذجاً إسلامياً.. مع عدم استبعاد السعي لجعله يتأثر بهذا النموذج.  

السابق
يا نبيل… يا عربي!
التالي
المدارس الرسمية في حاصبيا: ينقصها الكادر التعليمي واللغة الإنكليزية والتجهيزات الصفية فقط !!