بعد غياب رجال «المرشد»..إيران إلى أين؟

علي خامنئي

كُتب وقيل الكثير عن الإحتمالات، التي قد تكون أدت إلى حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ومآلاته على المستوى السياسي الداخلي والخارجي، وهو الحادث الذي وقع في طريق عودته من أذربيجان الإسم، الذي أوحى بأولى الإحتمالات عن سبب الحادث، على إعتبار أن أذربيجان تُعتبر “قاعدة خلفية” أمنية مهمة للموساد الإسرائيلي، بحكم علاقاتها الوثيقة مع الكيان الصهيوني، والتي إنطلاقاً من هذا الوضع، يكون الحديث عن إحتمال تورط إسرائيلي في الحادث، ليس بعيداً عن الواقع، بل قد يكون هو الإحتمال الأكثر معقولية، والذي قد يكون تم عبر عملية أمنية مباشرة أو عبر هجمة سيبرانية، سواء عبر التشويش أو غيره من التقنيات المتوافرة، وذلك نظراً للتطورات الأخيرة في المنطقة خاصة بعد قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق ورد طهران على هذا القصف – بغض النظر عن فعاليته – برغم عدم وجود أي دليل حسي – حتى الآن على الأقل كما في تفجير مرفأ بيروت مثلاً – على هذا التورط ، مع التأكيد بأن عدم وجود الدليل في هذه الحالات لا ينفي التورط بالضرورة.

الحديث عن إحتمال تورط إسرائيلي في الحادث قد يكون هو الإحتمال الأكثر معقولية والذي قد يكون تم عبر عملية أمنية مباشرة أو عبر هجمة سيبرانية

في الواقع فإن إحتمال التورط الإسرائيلي في الحادث ليس هو الإحتمال الوحيد، بل هو واحد من إحتمالات كثيرة تحيط بالحادث وكلها إحتمالات واردة ولها قسط وافر من المعقولية، نظراً لما تمثله إيران – سواء شئنا أم أبينا – من ثقل في الإقليم، فضلاً عن نوعية الشخصيات التي قضت في الحادث ومكانتها، سواء داخل النظام كالرئيس إبراهيم رئيسي، الذي كما تقول بعض الترجيحات، أنه كان مرشحاً قوياً لخلافة المرشد آية الله علي خامنئي، أم في المنطقة كوزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان عبر الدور الذي لعبه بديناميكية لافتة وذلك في مواكبة التطورات ومحاولة التأثير فيها، والذي إحتل المشهد الإقليمي – بلا مبالغة خاصة في الفترة الأولى – بعد عملية “طوفان الأقصى” عبر تنقلاته وزياراته المتعددة للمنطقة، خاصة للبنان حيث الثقل الأساس للمعركة التي يخوضها محور الممانعة تحت إسم “المشاغلة والإسناد” لغزة، عبر “حزب الله” في لبنان وغيره من الأذرع في المنطقة الممتدة إلى اليمن، مروراً بالعراق وسوريا، بحيث كان “مهندس” عملية المشاغلة وحصرها بقواعد إشتباك محددة، وهو ما قد يطرح التساؤل عن مصير هذا الترتيب بعد غيابه.

ومما لا شك فيه بأن الصراع بين الأجنحة المتنافسة في النظام، كما في كل الأنظمة الشمولية التي تتمحور حول شخص واحد، هو هنا “الولي الفقيه” المرشد علي خامنئي الذي تقدم به السن ويعاني من المرض، هذا الصراع يعطي معقولية إن لم نقل مصداقية، للحديث عن الإحتمال الثاني ألا وهو إمكانية حدوث حرب تصفيات داخلية، من ضمن الصراع على خلافة المرشد، خاصة وأن إيران منذ الثورة وحتى في أيام آية الله الخميني، قد شهدت عدة صراعات وتصفيات بين أركان النظام، قبل أن يستتب الأمر لآية الله علي خامنئي.

يبقى الإحتمال الثالث، والذي يبقى في مثل هذه الحالات هو الإحتمال الأضعف – أقله لدى الرأي العام – وهو الأحوال الجوية أو العطل الفني أو الخطأ البشري، مع أنه إحتمال وارد طبعاً ولو بنسبة ضئيلة، لكنه غالباً ما يكون غير مقنع للناس خاصة وسط الصراعات السياسية السلطوية ما بين مراكز القوى في الأنظمة الشمولية خاصة، حيث الصعود إلى أعلى المناصب, غالباً ما يكون عبر “تسلق” الجثث التي تسقط ضحية وتكون وقوداً للصراع.

الإحتمال الثاني ألا وهو إمكانية حدوث حرب تصفيات داخلية من ضمن الصراع على خلافة المرشد


وسط هذه الإحتمالات, التي لا يمكن تأكيد أحدها أقله في الوقت الحاضر، برزت عدة مؤشرات طرحت تساؤلات حقيقية، عن مدى صدقية الحديث عن “قوة” إيران الفعلية، التي عادة ما تدَّعيها خاصة في المناسبات، عبر العروض العسكرية التي تستعرض فيها قوة صناعاتها الحربية، من صواريخ ومسيرات وطائرات د، ما دفع بالبعض للسؤال عند الحديث عن طائرة الهليكوبتر التي كان يستقلها الرئيس الإيراني، والتي هي من طراز أميركي قديم، كيف يمكن لقوة باتت على أعتاب الدخول إلى النادي “النووي”، أن تكون غير قادرة على تصنيع طائرة هليكوبتر، أو أقله تأمين طائرة بأعلى درجات الأمان والسلامة لرئيسها الذي هو رمز الدولة، بغض النظر عن كونه ليس الشخصية الأولى في النظام، كما أن رحلة البحث عن الطائرة المفقودة، إحتاجت لطلب المساعدة من عدة دول من بينها تركيا المجاورة التي نجحت مسيَّرتها في تحديد موقع السقوط، وهو ما يشير إلى ثغرة وضعف في نظام التتبع والإنقاذ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي حاولت ربما التغطية على نقاط الضعف هذه، بإظهار أنها دولة مؤسسات بحيث يكون إنتقال السلطة بسلاسة، عبر الآليات الدستورية الشرعية والقوانين مرعية الإجراء، وهذا الأمر وإن كان يُحسب لها، إلا أنه غير كاف لستر عورات النظام من النواحي الأمنية الأخرى.

حقيقة واحدة مؤكدة بعد هذا الحادث وهي أن النظام الإيراني ومنذ عملية “طوفان الأقصى” قد تكبَّد خسائر فادحة على مستوى رجاله وقياداته الأمنية والعسكرية


هذا في مؤشرات الحدث ومسبباته والتساؤلات الناجمة عنه، أما في النتائج والمآلات كان لافتاً ما بدا وكأنه “تنازع” ما بين رغبتين، الأولى في أن يوحي النظام الإيراني بأن الحادث كان هجوماً، من ضمن الصراع القائم مع “محور الشر” في محاولة منه لستر كل ما تقدم من مؤشرات التقصير الأمني، ربما من ناحية ، ولإدعاء “المظلومية” من ناحية أخرى، وهو ما يسمح له بتحويل الحادث إلى “فرصة” كما لمح لذلك المرشد علي خامنئي أمام رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، لمزيد من التعبئة لأذرعه في المنطقة، وهو ما تجلى في إجتماع ضم هذه الأذرع في طهران، بعد التشييع مع قائد الحرس الثوري وقائد فيلق القدس، أما الرغبة الثانية فهي الإبتعاد عن هذا الإيحاء لما يحمله من خطر وضع النظام أمام ضرورة الرد على هذا الإعتداء، وهو ما يذكرنا بقضية تفجير مرفأ بيروت، الذي لم يكن هناك من مصلحة لأحد بمجرد توجيه الإتهام لإسرائيل، بالتورط فيه بالرغم من بعض المؤشرات التي تبرِّر هذا الإتهام.

إقرأ ايضاً: نصرالله متمسك بحرب الجنوب حتى انجاز الصفقة الكبرى..ومحكمة لاهاي تحاصر نتانياهو «معنوياً» ودولياً!

في المحصلة هناك حقيقة واحدة مؤكدة بعد هذا الحادث، وهي أن النظام الإيراني ومنذ عملية “طوفان الأقصى” قد تكبَّد خسائر فادحة على مستوى رجاله وقياداته الأمنية والعسكرية كما على مستوى قيادات أذرعه في المنطقة، وذلك بعد خسارته الكبرى لذراعه الطويلة والحديدية قاسم سليماني في العام 2020، ما قد يضعه في موضع لا يُحسد عليه وهو على عتبة “الحسم” في تهيئة موضوع خلافة المرشد، الذي يبدو وقد حُرم من رجاله إبتداء من قاسم سليماني وصولاً إلى رئيسي وما بينهما، ما قد يطرح تساؤلات أقله عن مصير إيران “الثورة” وعلاقتها بإيران الدولة بعد غياب المرشد، فهل تعطي “معركة” الرئاسة، التي فُتحت على غير موعد مؤشراً لمقبل الأيام والتطورات.

رئيسي عبد اللهيان
رئيسي وعبد اللهيان
السابق
قيادة «حزب الله» نعت والدة السيد نصرالله..والدفن 2 غداً في روضة الشهيدين
التالي
بعد التجديد له من قبل خامنئي لتمديد ازمة خلافته..من هو كرماني؟