وزارة الزراعة تهرب من الضاحية

لم تكد قدما وزير الزراعة أكرم شهيب تطآن مقرّ الوزارة في بئر حسن، حتى واجه تحدّياً نوعياً. في صبيحة اليوم التالي على تسلّمه الوزارة من سلفه حسين الحاج حسن، دوّى صوت الانفجار الناجم عن الهجوم الانتحاري على «المستشارية الثقافية». الوزير لم يكن هناك، لكنه قرّر في اليوم نفسه أن ينقل مكاتب الوزارة مؤقتاً. بعض الموظفين التزموا، وبعضهم الآخر لم يخَف من الانفجارات بمقدار خوفه من تحوّل «المؤقت» إلى «دائم

لم تكد تمضي بضع ساعات على الانفجار الذي استهدف المستشارية الثقافية الإيرانية، وهو الثاني في المنطقة نفسها، حتى وقّع وزير الزراعة أكرم شهيب مذكرة تقضي بنقل مكاتب الوزارة. «الموظفون خائفون والانتقال مؤقت». هكذا برّر شهيب قراره في اتصال مع «الأخبار». إلا أن بعض موظفي الوزارة رفضوا الانتقال على اعتبار أن المؤقت سرعان ما يتحوّل إلى دائم.

الوزير والمدير العام وبعض كبار موظفي الوزارة نقلوا مكاتبهم إلى وسط بيروت، وبعض المديريات انتقلت إلى كفرشيما والفنار وفرن الشباك. مشهد «شرذمة» الوزارة يثير أسئلة من النوع الصعب: هل سيتحوّل الانتقال من مؤقت إلى دائم؟ أي دلالات ينطوي عليها قرار الانتقال؟ بماذا يشعر المقيمون او العاملون في المباني المحيطة بوزارة الزراعة؟ هل يمكن القبول بمنطق ان الدولة هي اول الهاربين؟
عندما دوّى صوت انفجاري «المستشارية الإيرانية» صباح يوم الأربعاء الماضي، لم يكن قد مضى على تسلّم الوزير أكرم شهيب وزارة الزراعة من سلفه حسين الحاج حسن، أقل من 48 ساعة. هرع شهيب إلى مقرّ الوزارة الذي يبعد نحو 250 متراً غرب المستشارية الإيرانية، ولحق به خلفه الوزير حسين الحاج حسن. أجريا جولة تفقدية على مكاتب الوزارة. «على الواقف» وأمام الوزيرين، كشف اثنان من كبار موظفي الوزارة عن خوفهما وعن الرعب الذي يدبّ في قلوب فئة من الموظفين، فأدليا بدلوهما معبّرين عن رغبتهما في نقل مقرّ الوزارة إلى مناطق بيروت الشرقية، حيث توجد مبان تابعة للوزارة في فرن الشباك وكفرشيما والفنار. لم يتفاعل شهيب مع هذا الكلام، معبّراً عن رفضه لهذا الخيار أمام الموظفين، لكن الأمر انتهى بعد نحو ساعتين إلى توقيع مذكرة إدارية رقمها 42/1، يشير فيها إلى أنه «نظراً للوضع الأمني في محيط مبنى وزارة الزراعة في بئر حسن، وحفاظاً على سلامة الموظفين والمواطنين، تُنقَل مكاتب المديريات والمصالح التابعة لوزارة الزراعة ــ المديرية العامة للزارعة، مؤقتاً على النحو الآتي:
ــ مبنى مصلحة زراعة جبل لبنان في فرن الشباك: مكتب الوزير، مكتب المدير العام، مصلحة الديوان، مصلحة الصناعات الزراعية، مصلحة المحاسبة.
ــ مبنى المدرسة الزراعية وقسم من مبنى مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في الفنار: مديرية التنمية الريفية، مديرية الثروة الحيوانية، مصلحة زراعة جبل لبنان.
ــ مبنى كفرشيما: مديرية الثروة الزراعية.
ــ مبنى المديرية العامة للتعاونيات: مديرية الدراسات والتنسيق.
تُنقَل مستلزمات العمل الضرورية فقط، مع إبقاء كافة التجهيزات غير الضرورية في مكانها. وتُحفَظ المستندات العائدة لهذه المديريات والمصالح في مكان آمن خلال مدّة تنفيذ أعمال تأهيل المبنى وبإشراف الدوائر الإدارية في هذه المديريات والمصالح. ويمكن للموظفين إنجاز ومتابعة والقيام بمهماتهم في مبنى وزارة الزراعة ــ بئر حسن».
وأوضح شهيب لـ«الأخبار» موجبات هذا القرار، مشيراً إلى أن «مقرّ الوزارة لم يتغيّر، لكن إصابة مبنى الوزارة بهذا الانفجار ليست الأولى بل سبقها التفجير الذي استهدف السفارة الإيرانية. الأضرار التي أحدثها الانفجار الأخير كانت كبيرة. هناك موظفات صبايا خائفات، وحبالى خائفات أيضاً، وموظّفون طلبوا مني الذهاب إلى موقع ثانٍ. نحن لا نقوم بهذه الخطوة سياسياً، لكن هناك شق إنساني لا بد من أخذ أمره بالاعتبار. أنا انتقلت مع فريق العمل إلى موقع أعطتنا إياه رئاسة الحكومة، والوزارة ستبقى في مكانها، فالتدبير المتخذ هو مؤقت نتيجة الحالة التي نعيشها».
علامَ يدلّ قرار شهيب؟ ما الرسالة التي يتركها لسكان منطقة بئر حسن؟ لماذا رفض قسم من الموظفين هذه النقلة؟ سكان منطقة بئر حسن يتداولون خبر انتقال مقرّ وزارة الزراعة بكونه مؤشراً إلى مستوى «سخونة» الأوضاع التي سيقبلون عليها. انطباعهم هذا لم يأتِ بناء على معلومات أمنية، ولا على تحليلات نظرية، بل سببه الوحيد هو أن مقرّ الوزارة لم ينتقل أيام الهجوم الانتحاري على السفارة الإيرانية خلافاً لما يحصل اليوم. في ذلك اليوم، تضرّر مبنى الوزارة، لكن هذا الأمر لم يمنع الوزير حسين الحاج حسن من استقبال زواره في صباح اليوم التالي كالعادة في الطابق الثامن. كانت فرق الصيانة قد بدأت العمل بعد ساعات على الانفجار. وبعد ذلك بيوم واحد، عاد الموظفون إلى عملهم بعدما أُنجز القسم الأساسي من أعمال الصيانة في المبنى كلّه.
أما اليوم، فصحيح أن الأضرار أكبر وتحتاج إلى نحو أسبوع لإنجازها، لا إلى يوم ونصف يوم فقط، إلا أنها لا تبرّر هذا الانتقال الذي يوحي ببعد «سياسي»، ولو لم تحكمه الاعتبارات السياسية، فالدولة ليست جهة محايدة في هذا الاطار. فضلا عن انه أدّى إلى تشرذم مكاتب الوزارة. مصلحة المحاسبة رفضت الانتقال، كذلك فعلت مديرية الثروة الزراعية والدوائر البشرية ومديرية الدراسات. الباقي أصبح في مكان آخر. لا أحد لديه فكرة عما ستكون عليه آليات التواصل وتسيير الأعمال. ولا أحد لديه الثقة بأن مثل هذا القرار لن يتحوّل من مؤقت إلى دائم، ولا سيما أن كبار موظفي الوزارة أعدوا كتاباً موجهاً إلى مركز الأبحاث والتوجيه يشيرون فيه إلى أن «المنطقة باتت مستهدفة وغير آمنية، وعرضة للاعتداءات الإرهابية، وخلال 3 أشهر تعرّضت المنطقة لانفجارين وسببت أضراراً في مبنى الوزارة. يرجى الإفادة حول مبنى ملك أو مستأجر يتألف من 70 غرفة أو 75 غرفة في منطقة بيروت الإدارية… على نحو مؤقت». هل صحيح أن كل ذلك يجري تحت صفة المؤقت، أم أن بعض الكلمات قد تسقط لاحقاً؟ في الواقع، إن هذه الحالة تدفع إلى اعتقاد بعض الجهات المطلعة على قصّة نقل المبنى، أن إيجار مبنى بئر حسن البالغ 165 مليون ليرة سنوياً قد لا يجدّد في نهاية السنة، مما يفرض قرار الانتقال على الجميع، حتى على مجلس الوزراء. وما كان لافتاً بالنسبة إلى المطلعين على هذا الملف، أن فرز المكاتب ضمن عملية نقلها، جاء مستنداً إلى معايير سياسية ــ طائفية في المجمل، كذلك، حصل بعض الموظفين على إغراءات لإتمام عملية الانتقال، كأن المطلوب أن تنتقل مكاتب الوزارة بأي طريقة، وأن توافق الجهات المعنية على هذا القرار الذي يتوافق مع رغبة سياسية أفشت بها بعض الاتصالات مع قيادات سياسية تدير كبار موظفي الوزارة الذين يقفون وراء خطّة تغيير المقرّ منذ الانفجار الأول. ما ينطبق على وزارة الزراعة قد ينطبق ايضا على وزارة العمل، القائمة في منطقة «المشرفية». فهل بدأ عهد تفريغ الضاحية الجنوبية من وزارات الدولة واداراتها؟

 

السابق
وصول جثمان الشهيد الياس خوري الى زحلة
التالي
المقاومة ومواجهة اﻹرهاب حق وطني.. لا حزبي