لعنة «الإنتصارات» العربية (2): من الحرب العراقية – الإيرانية إلى حرب الخليج الأولى!

ياسين شبلي

إندلعت الحرب العراقية – الإيرانية في أيلول عام 1980، نتيجةً لمحاولات إيران – الخميني العلنية، تصدير الثورة عن طريق العنف إلى الدول الخليجية، ومطالبتها بضم البحرين كذلك إلى العراق، الذي يضم أكثرية شيعية، حيث حدثت إنفجارات عدة، كاد أحدها أن يودي بحياة طارق عزيز في جامعة المستنصرية في بغداد، فكان رد النظام العراقي بإعتقال وترحيل الكثير من الأشخاص ذوي الأصول الإيرانية، كما بإعتقال وإعدام السيد محمد باقر الصدر وشقيقته، وإلغاء إتفاقية الجزائر لترسيم الحدود المائية بين البلدين، التي كان قد وقعها صدام حسين مع شاه إيران، مرغماً تحت ضغط الدعم الإيراني للتمرد المسلح للأكراد، الذي قاده مصطفى البارزاني وذلك في عام 1975 في الجزائر ، ما أوصل الأمور إلى درجة الإنفجار، دون التقليل من عامل الكره الشخصي الذي كان يكنَّه الخميني للرئيس العراقي صدام حسين، نتيجة إخراجه من العراق مع تصاعد الثورة في إيران، وقد مرت هذه الحرب بمراحل عدة تخللها صعود وهبوط، وذلك جراء ” إستثمار ” غالبية اللاعبين على المسرح الإقليمي والدولي بها، ما أدى إلى إطالة أمدها حيث إستمرت 8 سنوات، وذلك نتيجة التدخلات وكذلك العناد الإيراني، في عدم قبول أي حل سلمي لا يُطيح بنظام صدام حسين، في حين خاضها هذا الأخير تحت شعار إستعادة أراضٍ عراقية تحتلها إيران، وتصحيح الترسيم المائي بعد إلغائه إتفاقية الجزائر في 17 أيلول عام 1980، أي قبل الحرب بأيام قليلة.

مرت هذه الحرب بمراحل عدة تخللها صعود وهبوط


وقفت غالبية الدول العربية – بإستثناء نظامي الأسد والقذافي – وبشكل خاص الدول الخليجية إلى جانب العراق في هذه الحرب نتيجة، التهديدات الإيرانية ومخافة تصدير الثورة إليها، كذلك دخلت مصر من بوابة هذه الحرب، لتستعيد مكانتها العربية عبر دعمها لنظام صدام حسين بالأسلحة، بالرغم من أن النظام العراقي كان رأس حربة في إخراجها من الجامعة العربية، وتشكيل “جبهة الصمود والتصدي” ضدها في ظل فترة صفاء قصيرة، ما بين نظامي البعث في كل من بغداد ودمشق، قبل أن تعود “حليمة” البعثية لعادتها القديمة، ويلعب عامل الكره الشخصي أيضاً بين صدام حسين وحافظ الأسد لعبته، وتصبح الحرب مكشوفة بين الجانبين على إمتداد الساحات العربية، خاصة الفلسطينية واللبنانية، ما زاد من ” إستثمار ” النظام السوري في هذه الحرب، علاوة على إستثماره في الوضع اللبناني، عبر دعمه قوى المعارضة ضد أمين الجميل وإتفاق 17 أيار، وفي الوضع الفلسطيني عبر تنظيم إنشقاق في “حركة فتح” بقيادة أبو موسى، حتى إسرائيل التي كانت تحتل لبنان يومها، والمفروض أنها تقاتل أنصار النظامين السوري والإيراني، كان لها حصتها في الإستثمار بهذه الحرب عن طريق فضيحة إيران – غيت، التي كُشف النقاب عنها عام 1986، والتي باعت بموجبها إسرائيل أسلحة لإيران، في صفقة كان طرفها الثالث الولايات المتحدة الأميركية، التي إستثمرت أموال الصفقة، في دعم مقاتلي “الكونترا” ضد النظام اليساري في نيكاراغوا.

وقفت غالبية الدول العربية – بإستثناء نظامي الأسد والقذافي – وبشكل خاص الدول الخليجية إلى جانب العراق


إستمرت الحرب وتصاعدت، ما سمي يومها حرب المدن، عبر القصف بالصواريخ البعيدة المدى، التي حصل عليها العراق من الغرب بدعم خليجي – والتي زوَّد القذافي إيران بها – لكل من طهران وبغداد، كذلك حرب الناقلات في مياه الخليج، عبر قصف العراق لجزيرة خرج الإيرانية، والألغام التي كانت تزرعها إيران في مياه الخليج، حتى كان يوم 3 تموز 1988 وسط هذا التأزم، عندما تم إسقاط طائرة مدنية إيرانية كانت في رحلة بين طهران ودبي، بصاروخ أطلقته عن “سوء تقدير” – كما قالت يومها – قوات البحرية الأميركية، فوق مضيق هرمز، ليقضي حوالي 290 شخصاً نَحْبَهم في مياه الخليج، وكان لهذه الحادثة على ما يبدو دور كبير، في إعلان قبول إيران بعد أسبوعين من الحادثة، بقرار وقف إطلاق النار رقم 598 وإيقاف الحرب مع العراق، وذلك عبر بيان صادر عن الإمام الخميني قال فيه “ويل لي لأني ما زلت على قيد الحياة لأتجرع كأس السم، بموافقتي على إتفاقية وقف النار” – وهذا قد يفسر ربما الطريقة البشعة والحاقدة والإنتقامية، التي أعدم فيها أذناب إيران الرئيس العراقي صدام حسين بعد الغزو الأميركي، وإسقاط نظامه فيما بعد – ليعلن العراق “إنتصاره” في هذه الحرب، التي حصدت ملايين البشر بين قتيل وجريح ، ودمرت إقتصاد البلدين.
وبدلاً أن يُستثمر هذا “الإنتصار” داخل العراق، بإجراء تغييرات سياسية، يستحقها شعب ضحى بالغالي والنفيس من أجل وطنه، بعيداً عن إنتمائه المذهبي، وإعادة بناء الإقتصاد العراقي بعد الحرب، سعى النظام لإستثمار النصر لصالح الزعيم وعبادة الشخصية، والبحث عن دور إقليمي أكبر، وهو ما أخاف بقية الأنظمة في المنطقة، وجعلها تتعامل بحذر مع هذا الدور والمشروع، وفي حين كان البلد يعاني وضعاً إقتصادياً صعباً، ومديونية عالية جراء الحرب، بدأت الكويت بالمطالبة بسداد ديون العراق المستحقة إليها، وهو ما أثار حنق النظام العراقي، لإعتباره بأنه إنما كان يدافع عن المنطقة وليس فقط عن العراق، بوجه التمدد الإيراني، لتنفجر الأزمة بين البلدين في غياب الحكمة والتبصر، الناتج عن الغرور وفائض القوة التي بات يتمتع بها العراق من جهة، والإستفزاز السياسي والإعلامي الكويتي، الناتج عن التمنين بدعم الكويت للعراق في الحرب مع إيران من جهة أخرى ، فيما بدا أنه بداية أيضاً لتفريغ “النصر” العراقي من مضمونه، خاصة مع “نأي” أميركا بنفسها عن الأزمة، في خدعة نفذتها السفيرة الأميركية يومها في العراق إبريل غلاسبي، عندما أوحت لصدام بأن بلادها لن تتدخل في الأزمة، ما إعتبره الأخير ضوءاً أخضر له، فقام بغزو الكويت في خطوة أطاحت بكل الشعارات، عن الشعور القومي والمصير العربي الواحد، كما أطاحت بالخيط الرفيع الذي كان لا يزال يربط التعاون العربي بعضه ببعض، فحلَّت الكارثة على الأمة والعراق بالدرجة الأولى، عندما بدأت عاصفة الصحراء، فيما سمي بعدها بحرب الخليج الأولى، لأنه كان لها ما بعدها، وهكذا مرة أخرى يتحول النصر العسكري ضد إيران – هذه المرة – إلى هزيمة كبرى للعراق والأمة العربية، نتيجة النزق وسوء تقدير عواقب الأفعال، وتأثيرها على حياة الشعوب، وبطبيعة الحال إنقلبت هزيمة إيران إلى نصر، أحسنت إستثماره بعدها، وكما أننا ما زلنا نعاني آثار هزيمة 67 حتى اليوم، كذلك لا زلنا نعاني تداعيات غزو الكويت حتى يومنا هذا، وما التمدد الإيراني والسيطرة على 4 عواصم عربية، وكل ما شهدته المنطقة من توترات مذهبية وحروب داخلية، سوى صدى وترجمة لتلك الأزمة وتداعياتها منذ إنهيار العراق – البوابة الشرقية للوطن العربي – قبل 34 عاماً.

السابق
«حزب الله» يُعطّل الإنتخابات البلدية بعد الرئاسية..و«ملهاة» الردود الإيرانية والإسرائيلية على «جماجم غزة»!
التالي
في دير قوبل.. توقيف مشتبهاً به وزوجته يقومان بتخزين المخدّرات في شقّتهما!