حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: من أوكرانيا وتايوان الى برلمان لبنان

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

فيما بدأت تلوح بالافق اشارات ذات دلالات واضحة، حول تعب المتحاربين وحلفائهم من الحرب الاوكرانية، وفي وقت تتبدى في الافق رغبة اوروبية واميركية بتمهيد الطريق لعقد مفاوضات اوكرانية روسية، حول انهاء الحرب على ارض اوكرانيا، و اول تجسيد لهذه الرغبة الغربية كان الاجتماع الاميركي الروسي على مستوى مديري مخابرات الدولتين الكبرتين في العالم.ترافق مع هذه المستجدات، انعقاد قمة دول العشرين في بالي، حيث أدى لقاء القمة الاميركي الصيني لنزع فتيل التصعيد في المواجهة بين اميركا والصين، والذي كان يمكن أن يودي الى مواجهات حربية، والى استعراض كل طرف لقدراته العسكرية، والافصاح عن تفوق، يملكه من اسلحة جديدة وتقنيات عالية الدقة. وقد كانت القمة الصينية الاميركية مناسبة، لكي يتم فيها تبادل الضمانات والتطمينات حول ملفات عديدة ؛ فقد اكدت الولايات المتحدة الاميركية للصين بان سياستها تقوم على مبدأ الاعتراف بصين واحدة، بما يعني عدم تأييد قيام تايوان كدولة مستقلة، فيما التزمت الصين، بعدم استعمال القوة لفرض سيادتها على تايوان واخضاعها لسلطة بكين. كما جرى التأكيد من كلا الطرفين، على استبعاد استعمال القوة لحل الخلافات القائمة، والإمتناع عن صياغة احلاف مهمتها المواجهة العسكرية في شرق اسيا.

بما يعني عدم تأييد قيام تايوان كدولة مستقلة، فيما التزمت الصين، بعدم استعمال القوة لفرض سيادتها على تايوان واخضاعها لسلطة بكين

ودعا الطرفان لتنظيم التنافس الاقتصادي بين البلدين كل حسب مصالحه.وبالنسبة للحرب الاوكرانية، فقد نأت الصين بنفسها عن تأييد الغزو الروسي ودعت الى حل سلمي للحرب في اوكرانيا. على خط آخر يتعلق بايران، فقد عادت وزارة الخزانة الاميركية الى فرض عقوبات جديدة على اشخاص وكيانات وشركات، قامت بنقل وتسويق النفط الايراني لمصلحة فيلق القدس وحزب الله، كما قام الاتحاد الاوروبي اضافة لبريطانيا بارسال رسائل تحذير وفرض عقوبات جديدة على ايران، على خلفية ثلاثة ملفات متوازية؛ اولها  القمع الدموي الذي قام به نظام خامنئي ضد ناشطي ثورة النساء رفضا للحجاب، وثانيها قيام ايران بتزويد روسيا بمسيرات عسكرية استعملتها في حربها في اوكرانيا، وثالثها فشل ايران في تبديد شكوك وقلق وكالة الطاقة الذرية الدولية، حول سلمية برنامجها النووي بعد اكتشاف الوكالة مواد نووية مشعة في منشآت ايرانية غير معلن عنها، ولا تخضع للرقابة الدولية. وقال جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في بيان « نقف مع الشعب الإيراني وندعم حقه في الاحتجاج السلمي والتعبير عن مطالبه وآرائه بحرية». وجاء في بيان للاتحاد الأوروبي أن من بين الذين فرضت عليهم عقوبات بحظر السفر وتجميد الأصول أربعة أعضاء من الفرقة التي اعتقلت مهسا أميني، التي توفيت لاحقا في مقر لشرطة الأخلاق، وأعضاء بارزون في الحرس الثوري ووزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي.
وطالت العقوبات ٢٩ شخصية ايرانية من الدائرة الداخلية لنظام خامنئي، بسبب مسؤولياتهم عن اعمال القمع والقتل الوحشي الذي تمت ممارسته من قبل اجهزة الامن، على المتظاهرين السلميين في مدن ايران وجامعاتها، خلال الثورة الايرانية التي ما تزال مستمرة منذ أكثر من ستين يوما.

يصبح تمرير انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هدفاً لا يستحصل عليه إلا إختطافا في لحظة اقليمية دولية سانحة ويحتاج تأمينها معجزة خارقة ومستوى آخر من اللاعبين المهرة


كما اتفق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بروكسل، على وضع قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي وقائد الوحدة الصاروخية، أمير علي حاجي زاده، على قائمة العقوبات، على خلفية إمداد روسيا بالمسيرات الإيرانية لاستخدامها في أوكرانيا.وعندما سُئل الرئيس الفرنسي ماكرون عما إذا كان سيدعم تصنيف «الحرس الثوري» منظمةً إرهابيةً، قال “إنه يتعين بحث المسألة مع تطور الأمور”. وقال الرئيس الفرنسي إن “أبناء الثورة الإيرانية يقومون بثورتهم الخاصة”، وذلك فيما تحتجز إيران سبعة مواطنين فرنسيين وسط تدهور للعلاقات بين البلدين. وانتقدت فرنسا إيران في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، متهمة إياها بالقيام بممارسات دكتاتورية واحتجاز مواطنيها رهائن، بعد بث مقطع فيديو ظهر فيه رجل وامرأة فرنسيان يعترفان بالتجسس… وأوضح الرئيس الفرنسي إنه لا يعتقد أن من شأن أي مقترحات جديدة الإسهام في إحياء الاتفاق النووي مع إيران في المستقبل القريب… وقالت القوى الغربية الأسبوع الماضي إن من “الضروري والعاجل”، أن تقدم إيران تفسيرا لآثار اليورانيوم التي عُثر عليها في ثلاثة مواقع في البلاد. ووافقت إيران على استقبال زيارة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الشهر، لتقديم إجابات على هذه المسألة.ويعقد مجلس حقوق الانسان للبحث في عمليات القمع في ايران، كما يعقد مجلس حكماء وكالة الطاقة الذرية اجتماعا لمعالجة الملف الايراني.وتتصور باريس، أن التعاطي مع إيران يجب أن يزاوج بين الضغوط بما فيها العقوبات، من جهة والحوار من جهة أخرى… يضاف الى كل ما تقدم، توتر بالعلاقات بين اذربيجان وايران وتبادل اتهامات علنية، حول عمليات زعزعة لاستقرار كل دولة من قبل جماعات تديرها اجهزة الدولة الاخرى … يضاف الى كل ما تقدم، توقف المفاوضات السعودية الايرانية التي كانت تجري في العراق، بوساطة من رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، بعد انتهاء الجولة الخامسة منها وعدم تحديد موعد لجلسة سادسة، وعودة التوتر الى الساحة اليمنية بعد هدنة طويلة لم يجري تجديدها…في قلب هذا  المشهد الاقليمي والدولي، تتردد  في لبنان دعوات لعقد مؤتمر دولي حول لبنان، وتتأرجح اهداف المؤتمر المقترح ومهماته حسب الطرف الذي يطالب به، فمنهم من يريده بابا لعقد جديد يتجاوز اتفاق الطائف، ويذهب اما الى نظام رئاسي او الى قيام نظام فدرالي، ومنهم من يريد تعديل صلاحيات المواقع الطائفية في الصيغة الحالية، عبر زيادة قوة الطائفة الشيعية في التوازن الوطني والسياسي، عبر ما يطلق له صفة المثالثة، ومنهم من يريد المؤتمر الدولي كرافعة سياسية ودولية تعيد الاعتبار لسيادة لبنان واستقلاله وحياده، و تفرض على ايران وحلف الممانعة فك اسر الجمهورية اللبنانية والاقلاع عن استرهانها!وبمعزل عن رغبات الداعين الى هذا المؤتمر واهدافهم، فان المؤتمرات الدولية لا تقررها الاطراف المحلية اللبنانية، ولا تعقد كرمى لعيون طرف لبناني هنا او جهة طائفية لبنانية هناك، كما ان المؤتمرات الدولية، تعقد لتكون تمهيدا لمعركة او حرب؛ تنقلب فيها وبعدها موازين القوى، ويأتي المؤتمر لتكريس مكاسب المنتصر فيها، واما في حالة ثانية لا تكون اداة حسم لمصلحة طرف في وجه طرف آخر، بل تعقد تسوية تراعي بها التوازن القائم فعلا وتكرسه بالتزامات متبادلة. وبكلمة أخرى المؤتمر الدولي اليوم من اجل لبنان ليس على طاولة الكبار او في اجنداتهم، وليس بقدرة الصغار ان يجنوا ثمارا منه بقواهم الذاتية. جلسات المجلس النيابي ومحاولات انتخاب رئيس جديد للجمهورية، التي تحولت الى مهزلة، هي مرآة مكبرة لحقائق لبنانية محزنة أولها انخفاض اهمية لبنان على جدول السياسات الدولية والاقليمية، وخواء المنظومة السلطوية الحاكمة وفشلها وعدم قدرتها على الاستمرار في تسيير عجلة المؤسسات، وتشغيل المرافق والمؤسسات والخدمات العامة، وانكشاف الداخل اللبناني باكثرية قواه سياسية كانت او طائفية، على خارج اقليمي ودولي، وعجزه عن اجتراح هامش حركة داخلية مستقلة عن رعاته في الاقليم، وحال المراوحة والعبث السياسي الذي اصاب نواب ١٧ تشرين، وغياب خارطة طريق واجندة اهداف سياسية تتحلق حولها قوى اجتماعية واسعة تدفع ثمن الانهيار وتتكوى بنار عذاباته. 

تتردد  في لبنان دعوات لعقد مؤتمر دولي حول لبنان وتتأرجح اهداف المؤتمر المقترح ومهماته حسب الطرف الذي يطالب به،


في خضم كل ماسبق، يصبح تمرير انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هدفاً لا يستحصل عليه، إلا إختطافا في لحظة اقليمية دولية سانحة، ويحتاج تأمينها معجزة خارقة، ومستوى آخر من اللاعبين المهرة.

السابق
حواران طريفان مع راهبتين
التالي
هذا ما جاء في مقدمات النشرات المسائية ليوم الثلاثاء 15/11/2022