الساعيات الى الحرية.. «عدوّات لدوادت»!

تنعكس ثقافة المجتمع، سواء كانت رجعية أو حديثة، على مكانة كلّ من المرأة و الرجل، و تحدّد مكوناتها. ومن الطبيعي أن تعارض الرجعية تحرّر المرأة، و تقف في وجه مسار تقدّمها، و تضعف إمكانياتها ، و تحول دون اعطائها الحق في إثبات جدارتها في الحياة العامة، اي المهنية و الاجتماعية والسياسية. و لا تعترف بأهمية دورها إلا في الحياة الخاصة، أي الزوجية و الأسرية، فتتيح لها الحق في إثبات نفسها كزوجة باعتبارها موضوعاً للتمتّع الجنسيّ، و أمّ باعتبارها "منجبة" أو "وعاء للإنجاب".


بمعنى آخر، تعزّز الرجعية مكانة المرأة على مستوى الوظيفية البيولوجية فقط. ولسنا هنا في صدد النيل من أهمية المرأة (الزوجة/الأم)، و إنما في توضيح موقف التيارات الرجعية والتقليدية من المرأة و عرض طبيعة نظرتها إليها. لطالما وقفت هذه التيارات في وجه انطلاقة المرأة كعنصر فاعل في الحياة الإجتماعية والإقتصادية و السياسية. و حتى عندما “أفتت”، إن جاز التعبير، بتعليم المرأة فإنها أجازت به شرط أن لا يتعدّى المرحلة الابتدائية، وذلك بهدف تعليم أبنائها و مراقبة وظائفهم المدرسية، وكأنها “شرعنته” كرسالة يجب تأديتها ضمن مجال مكانيّ محدود، وهو المنزل فقط.

أدّت المرأة دوراً تاريخياً في إطلاق الحداثة عبر مشاركتها في الكثير من الثورات التي اندلعت من أجل ارساء الديمقراطية والحرية و المساواة بينها وبين الرجل


ومن ثمّ أدّت المرأة دوراً تاريخياً في إطلاق الحداثة عبر مشاركتها في الكثير من الثورات التي اندلعت من أجل ارساء الديمقراطية والحرية و المساواة بينها وبين الرجل… و بدورها أسهمت الحداثة في تشريع القوانين التي كفلت دخولها ميدان التعليم والعمل، مروراً بانخراطها في الحياة الإجتماعة و أنشطتها وصولاً إلى ممارسة الحياة السياسية. بمعنى آخر، جسّد وعي المرأة عاملاً هاماً في نشوء الحداثة التي وضعت بدورها تقدّم المرأة وتمكينها ضمن أولوياتها.

يتعلّق المكبوت بالغرائز والرغبات التي عادة ما تتخّذ طابعاً جنسياً بحيث يمنع الواقع أو المجتمع تحقيقها إلا في إطار “شرعيّ”


و بالعودة إلى التيارات الممانعة لتحرّر المرأة، تأتي التيوقراطية لتتصدّر لائحتها، إن جاز التعبير، بحيث تقف سدّاً منيعاً في وجه انطلاقتها، و تتصدّى لأي محاولة للمطالبة بحريتها، ترهيباً أو ترغيباً. بالنسبة إلى الترهيب، فإنها تعمد إلى قمعها واعتماد الوسائل العنفية. أما فيما يتعلق بالترغيب، فإنها تستغلّ وضعها المادي الكدر، أو ضعف وعيها و تقديرها لذاتها و تحجّم “طموحها”. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن هذه الأنظمة تعاني من رهاب المرأة المتحرّرة. و لا نعمد هنا إلى تحليل سياسيّ لموقف التيوقراطية من تحرّر المرأة، وإنما نسعى إلى عرض موجز لمقاربته من زاوية سيكولوجية. وتفترض هذه المقاربة الوقوف على مسألة
أساسية، تطلق رهاب المرأة والخوف من تحرّرها، و تتمثّل في القلق من المكبوت. ومما لا شك فيه، أن هذه المسألة تتعلق بالسنوات الأولى من حياة الفرد، أي طفولته التي تمثّل المرحلة الأكثر حساسية و مصيرية من حياته. وفي هذه النقطة، تتجلّى أهمية دور التربية التي تؤدي دوراً رئيسياً في تشكّل شخصية الفرد. و بالنسبة إلى القلق من الكبت، يتبدّى خوف التيوقراطيين من “تفلّت” ما هو “مكبوت” و إعادة إحيائه بقوة. و يتعلّق المكبوت بالغرائز والرغبات التي عادة ما تتخّذ طابعاً جنسياً بحيث يمنع الواقع أو المجتمع تحقيقها إلا في إطار “شرعيّ” .

بمعنى آخر، يدخل ما يتمّ كبته، بالنسبة إلى المحافظين أو التيوقراطيين ، ضمن لائحة “الكبائر” التي يعدّ تفريغها “خطيئة”. و لذلك من الممكن أن تثير رؤية المرأة من دون حجاب رغبات “محرّمة” تجاهها، وتطلق خوفاً من الوقوع في “المحظور”. و في هذه الحال، يتبدّى القلق من قصاص “إلهيّ”.

لا يوجد فرق بين من يجبر المرأة على خلع الحجاب و من يفرضه عليها بالقوة و في الحالتين، تبرز عملية ابتزاز المرأة من أجل هدف سياسيّ أكثر مما هو ديني


و هنا تظهر المعاناة من صراع نفسيّ بين إلزامية الخضوع للرقابة الصارمة التي يضعها الدين من جهة، وبين التفلّت منها لتحقيق الرغبة تجاه المرأة من جهة أخرى٠. بمعنى آخر، هو صراع قائم بين إرضاء الله و إرضاء الذات.
و بالعودة إلى السؤال أو الإشكالية حول مسألة الحجاب، فإنه لا يوجد فرق بين من يجبر المرأة على خلع الحجاب و من يفرضه عليها بالقوة. و في الحالتين، تبرز عملية ابتزاز المرأة من أجل هدف سياسيّ أكثر مما هو ديني. لذلك يمكن القول أن موضوع الحجاب يطرح دائماً مسألة الحرية، ليست فقط على صعيد حياة المرأة، وإنما المجتمع أيضاً.

أينما يوجد نظام رجعي و تقليديّ وتيوقراطيّ، سيجيز لنفسه فرض ما يجب أن ترتديه المرأة وما لا ترتديه، وما يجب أن تفعله و ما لا تفعله


و ينظر من يحارب باسم الدين إلى النساء الساعيات إلى الحرية، على أنهنّ “عدوّات لدودات”. لكن ما يدعو إلى الاستغراب، هو أنه إذا ما قارنا الخوف من حرية النساء قبل الحداثة و بعدها، نلاحظ أنه بدلاً من انحساره مع ظهورها اتّسعت رقعته، خصوصاً بعد نشوء تيارات دينية متطرّفة اتخذت صبغة سياسية. و يتجلّى رد الفعل الرافض للحداثة في أنها تحرّر الفرد من ولائه “الأعمى” لزعيم طائفته، و تسحب “بساط السلطة” من تحت أقدام التيوقراطية.
خلاصة القول، أينما يوجد نظام رجعي و تقليديّ وتيوقراطيّ، سيجيز لنفسه فرض ما يجب أن ترتديه المرأة وما لا ترتديه، وما يجب أن تفعله و ما لا تفعله. إلا أنه سيواجَه، بالتأكيد، من قبل ثائرات “متحصنّات” بالوعي، يسعَين إلى نَيل الحرية التي تجيز لهنّ، أن يحدّدن بأنفسهنّ نمط حياتهنّ و أسلوبه.

إقرأ أيضاً : «الوعي السياسي عند المرأة».. انتعاشة للعمل النسوي في لبنان

السابق
حارث سليمان يكتب لـ «جنوبية»: ثكنة في عباءة القداسة
التالي
على وقع المناقشات.. هذا ما كشفه الجانب الإسرائيلي عن «اقتراح الترسيم»