لبنان في قلب «بؤر الجوع الساخنة» في العالم!

خارطة لبنانية للحدود البحرية

شكّل وصول سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال ENERGEAN POWER إلى قبالة المنطقة الحدودية البحرية المتنازَع عليها مع لبنان، عاملاً بمفعوليْن متوازييْن، أوّلهما «أيقظ» ملف الترسيم البحري مع إسرائيل الذي باتت معه بيروت تسابِق الوقائع الميدانية التي تفرضها تل أبيب بقوة الأمر الواقع وأخرجت معها، حتى الساعة، حقل «كاريش» من معادلة «صراع تحت المياه وفوقها»، وثانيهما «نوّم» الملفات الداهمة السياسية والمالية والمعيشية التي احتجبت في فترة الانتخابات النيابية وعاد جمْرها الحارق ليخرج من تحت الرماد.

وفيما كان لبنان غارقاً في خرائط خطوط الترسيم التي باتت محصورة واقعياً بين خطّيْ «فك الاشتباك» اللذين وضعهما الوسيط الأميركي الحالي آموس هوكشتاين وأحد الوسطاء السابقين فريديريك هوف، الواقعيْن بين الخطين 1 (تعتمده اسرائيل) و23 (وثّقه لبنان لدى الأمم المتحدة كحدود لمنطقته الاقتصادية الخالصة)، دهمتْه مجدداً خريطة «بؤر الجوع الساخنة» وخطوط الفقر المدقع التي حجزتْ «بلاد الأرز» موقعاً متقدماً فيها وفق ما عبّرت عنه لائحة 20 دولة رجّح برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن يتفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد فيها خلال فترة التوقعات بين شهريْ يونيو وسبتمبر، وخصّص لأربع منها تقريراً بالغ القتامة وهي اليمن وسورية ولبنان والسودان.

وإذ ارتكز التقريرُ على الوقائع الداخلية لهذه الدول وتأثيراتِ الحرب في أوكرانيا عليها متوقّعاً أن يؤدي ارتفاعُ أسعارِ السِّلَعِ العالمية «إلى زيادة تدهور الأزمة الاقتصادية في لبنان (…) ومن المحتمل أن تحدث اضطرابات وزيادة بالتكاليف مع سعي السلطات للعثور على مصادر استيراد بديلة»، فإن «جرس الإنذار» هذا لن يكون كافياً لدفع لبنان الرسمي إلى إنهاء «القفز على الخطوط» في ملف الترسيم ولا لإخراج الاستحقاقات الدستورية المُلازمة لولادة برلمان 2022 ولا سيما تشكيل الحكومة الجديدة من دائرة «القفز على الشجر» التي لطالما تحكّمتْ بمسار التكليف والتأليف من ضمن لعبة الشروط والشروط المضادّة على تخوم عملية صراع على السلطة و«مفاتيح» الحكومة المرشّحة هذه المرة لترث صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انقضاء ولاية الرئيس ميشال عون (31 أكتوبر) ودخول البلاد مرحلة شغور قد تكون مديدة.

 أجواء عون تتحدّث عن رغبته بحكومة سياسية يشارك فيها باسيل

وفيما تقاطعتْ المعطيات في قضية الترسيم البحري عند سقوط «المعنى التفاوضي» لخط «السقف الأعلى» 29 الذي وضعتْه بيروت على الطاولة وفُرِّغ من «تأثيراته» لجهة إحداث توازُنٍ في هذا الملف الشائك (يوسع المنطقة المتنازع عليها بـ 1430 كيلومتراً مربعاً ويجعل كاريش متنازَعاً عليه رسمياً) بعدما أفرط لبنان في «كشْف» هذا الخط ورفض توثيقه بالمرسوم 6433 عبر تعديله وإيداعه الأمم المتحدة، فإن معلومات توافرت لـ «الراي» عن أن المسؤولين اللبنانيين ليسوا جاهزين بعد لتقديم «الجواب الرسمي» الذي يريده هوكشتاين مصاغاً «بالحبر» على المقترح الذي كان قدّمه إبان زيارته الأخيرة لبيروت في فبراير الماضي.

وبحسب هذه المعلومات، فإن لبنان قد يستفيد من وضعية تصريف الأعمال التي دخلتْها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي واقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لواحد من أمرين أو كلاهما معاً: مزيد من شراء الوقت الذي يعكس صعوبةً في التفلّت «بين ليلة وضحاها» من الخط 29 أو مرتكزات اعتماده كخط تفاوض لتحسين شروط بيروت التفاوضية وتحصين كامل منطقة الـ 860 كيلومتراً المتنازَع عليها بين الخطين 1 و 23 أو أقله تحييد كامل حقل قانا عن أي اقتطاعاتٍ أو «تشارُكاتٍ» فيه مع اسرائيل.

والأمر الثاني «تعليقٍ إضافي» لهذا العنوان ذات الأبعاد الاقليمية، على «حِبال» ملفات المنطقة التي لم تنفكّ تلتف حول عنق الوطن الصغير الذي يكاد أن يلفظ أنفاسه.

وفي حين من شأن أي مماطلة لبنانية جديدة أن تمنح الجانب الاسرائيلي المزيد من الوقت لتكريس وقائع غير قابلة للتبديل، فإن حرص واشنطن على عدم تأكيد ما كان أعلن في بيروت عن عودة مرتقبة لهوكشتاين الأحد أو الاثنين المقبلين اعتُبر مؤشراً إلى أن الأخير لا يريد لزيارته أن تنتهي إلى «لا شيء»، وخصوصاً في ظل معطياتٍ عن أن لبنان يريد أن يطلب استكمال التفاوض غير المباشر، أي عملياً محاولة تعديل الخط الجديد الذي اقترحه الوسيط الأميركي لتثبيت «نهائية» حقل قانا له، هذا إذا كان الجميع سلّموا بعدم إمكان الحصول على كامل رقعة الـ 860 كيلومتراً مربعاً، وأتاحوا التخلي كلياً عن الـ 29.

استشاراتُ تكليف رئيس للحكومة مؤجَّلة أقله أسبوعاً… والحسابات الرئاسية تتحكّم بالتأليف

وفيما أكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أنه «ليس لديه أي إعلان عن سفر هوكشتاين في هذا الوقت، وأن مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قرار يجب اتخاذه من الدولتين، ونعتقد أن الصفقة ممكنة إذا تفاوض الجانبان بحسن نية وحققا فائدة لكلي البلدين، وندعم بقوة الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق مفيد للطرفين»، كان لافتاً استقبال وزير الخارجية عبد الله بوحبيب السفيرة الأميركية دوروثي شيا، قبل أن يزور قصر بعبدا مؤكداً«ان الاتصالات الديبلوماسية جارية لمعالجة الوضع الذي نشأ في المنطقة الجنوبية الحدودية في انتظار مجيء الوسيط الأميركي الى لبنان».

ولم تقلّ دلالةً مناشدة ميقاتي الجميع في لبنان وقف السجالات في موضوع الترسيم«فالخط 29 هو أصلاً خط تفاوضي وأنا شخصياً لست على استعداد للقيام بأي عمل ارتجالي يعرّض لبنان للمخاطر». هذا الموضوع يحل بديبلوماسية عالية وبروية، وقد أجريتُ العديد من الاتصالات لما فيه مصلحة لبنان، والأساس أن نبدأ باستخراج الغاز من مياهنا، ما يعطي البلد نوعاً من الازدهار. وأدعو الجميع الى التروي ووقف السجالات لان المسألة قيد الحل سلمياً».

إطلالة نصر الله و«تكليف» نواف الموسوي

وفي موازاة محاولةِ لبنان الرسمي التوافق على «إطار» مقاربة الخطوة الإسرائيلية وما سيحمّله إلى هوكشتاين، فإن الأنظار تتجه إلى إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله اليوم حيث من المرتقب أن يتناول ملف الترسيم في ضوء التطورات الجديدة.

وعلمتْ «الراي» أن نصر الله لن يخرج عن سقف الوقوف «وراء الدولة» في ما تقرره وتشكيل «عنصر القوة» في موقفها، رغم السقف العالي الذي سيعتمده بوجه أي اعتداء على حقوق لبنان في النفط والغاز، وسط قراءات عدة لخلفيات تكليف الحزب النائب السابق نواف الموسوي متابعة ملف الترسيم مع فريق من المهندسين والجغرافيين، وتنسيق المواقف مع القوى السياسية.

إقرأ ايضاً: خاص «جنوبية»: إغتيالات على وقع الإنقسامات.. ماذا يجري داخل «الحرس الثوري الإيراني»؟!

وإذ تعاطى خصوم«حزب الله»مع هذا التطور على أنه إعلانٌ من الحزب عن انتقاله من الصفوف الخلفية في هذا الملف إلى المقاعد الأمامية «شريكاً مع الدولة» في رسم أطر التعامل معه«بما سيجعل الموقف الرسمي والجواب المرتقب أن يسمعه هوكتشاين وكأن الحزب يبلغه بلسان الدولة»، فإن أوساطاً أخرى حاذرت القفز الى هذا الاستنتاج، على أهمية هذا التكليف للموسوي الذي كان انكفأ عن المشهد بسبب أدائه بإزاء مسألة عائلية، داعية إلى رصْد موقف نصر الله اليوم ومشيرة إلى «حساسية» أي تصوير لما جرى على أنه انتقال لهذه القضية إلى يد«حزب الله»، باعتبار أن هذا لا يُقاس بمعيار تأثيراته على صورة الدولة بل بميزان العلاقة بين الحزب والرئيس نبيه بري الذي لطالما كان المُمِسك بملف الحدود البحرية.

خطوط التكليف والتأليف “غير سالكة”

وخلف «غبار» هذا العنوان، احتجب استحقاق تشكيل الحكومة الذي يشي بأن الاستشارات النيابية المُلْزِمة لتكليف رئيس لتأليفها والتي يتعيّن أن يدعو إليها الرئيس عون مرشحّة لفترة انتظارٍ إضافية أقله للأسبوع المقبل، وسط «استفادة» الجميع من مجريات جلسة انتخاب اللجان النيابية أول من أمس لرمي كرة الملف الحكومي أسبوعاً آخر في ظلّ»انعدام الرؤية«حيال آفاقه، رئيساً وتشكيلةً وتوازنات.

وفيما استوجب فرض النواب التغييريين كسْر عُرف التوافق على اللجان تمديد جلسة الانتحاب الى يوم الجمعة المقبلة حيث تُعقد جولة جديدة لاستكمال انتخاب لجنتيْ الصحة والتربية (الثلاثاء تم انتخاب 5 لجان وفاز 9 بالتزكية) وانتخاب رؤساء كل اللجان ومقرِّريها، فإن المناخات التي تحوط تأليف الحكومة تحكمها الرمادية الكاملة في ظل انطباعٍ بأن لا خيار قابلاً للحياة في هذه المرحلة إلا معاودة تكليف ميقاتي الذي لا يريد العودة «كيفما كان» بل بضماناتٍ تسمح للحكومة الانتقالية باستكمال ما بدأه على صعيد التفاوض مع صندوق النقد الدولي ووضع الإصلاحات الأساسية على السكة وإنجاز القوانين الخاصة بها في البرلمان، وسط تقارير عن أنه لا يحبذ بقاء حقيبة الطاقة مع«التيار الوطني الحر» (حزب عون).

في المقابل، برزت تقارير صحافية أمس نقلت عن الرئيس عون أنه يفضّل حكومة سياسية تكون قادرة على ملء الفراغ الرئاسي بحال حصوله، وأنه يرغب في أن يكون رئيس التيار الحر جبران باسيل شخصياً في الحكومة، رغم إعلان الأخير قبل فترة أنه لا يرغب بمقعد وزاري، من دون أن يُعرف إذا كانت أجواء رئيس الجمهورية تعكس بدء التفاوض عن بُعد مع ميقاتي أو شروطاً مسبقة قد تعرقل كل المسار الحكومي على قاعدة تلازُم التكليف والتأليف (التوافق عليهما معاً).

وما يعزّز هوامش المناورة الواسعة أمام عون وحلفائه، الانطباع المتعاظم بأن الغالبية «الجريحة» التي كانت أعلنت عن نفسها بعد الانتخابات وأنها انتزعت الغالبية من ائتلاف «حزب الله» وعون لم تُظْهر في انتخابات رئيس البرلمان ونائبه وهيئة المكتب ثم اللجان أنها قادرة على ترجمة أكثريتها «المتشظية»، بل على العكس ظهّرت الموالاة أنها ما زالت تُمْسك بغالبية ولو«متحرّكة»، ما يمنحها أفضلية نظرياً في الاستحقاق الحكومي.

ولم يتوان ميقاتي أمس خلال جولة قام فيها في مطار رفيق الحريري الدولي عشية موسم سياحي يشي بأنه سيكون واعداً عن القول رداً على سؤال عن إمكان تسلمه رئاسة الحكومة الجديدة والشروط التي يطلبها: «لا أضع شروطاً على أحد، ولكن المطلوب ان يكون هناك التزام من الجميع خصوصاً من مجلس النواب الكريم، بإقرار الخطوات الإصلاحية المطلوبة والتي باشرنا بها. الخطة التي وضعت مع صندوق النقد الدولي ديناميكية وقابلة للتغيير والنقاش والتعديل. نحن عملنا ما نراه مناسباً ومستعدون للنقاش مع أي طرف بهدف إنقاذ البلد».

ورداً على سؤال آخر قال: «نحن في حكومة تصريف أعمال وأنا ضد أي فكرة تعويم، والمطلوب اتخاذ الإجراءات الدستورية لتكليف شخصية تتولى تشكيل الحكومة الجديدة. ولكن أمام الضرورة الوطنية فالحكومة الحالية تصرف الأعمال بكل مسؤولية وبشكل طبيعي، ولو لم يعجب الأمر البعض. ويبقى القرار النهائي في يد أعضاء مجلس النواب لاتخاذ القرار الذي يرونه مناسباً».

السابق
عويدات يطلب الادعاء «أخيرا» على رياض سلامة ورفاقه.. و هذا ما كشفته مصادر قضائيةلـ«جنوبية»!
التالي
كان يدفن 50 جثة لسجناء يومياً..«حفار قبور» يكشف للكونغرس فظائع نظام الأسد!