لبنان «الحائر» يستعدّ لعودة الوسيط الأميركي في الترسيم مع إسرائيل

مجلس النواب الاونيسكو

حرّك وصول سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال Energean power إلى حقل كاريش الإسرائيلي، الذي أحدث لبنان «ربْط نزاع» ديبلوماسياً معه لم يكتمل «نصابه» قانونياً وأممياً، مفاوضات الترسيم البحري بين بيروت وتل أبيب التي تستجرّ منذ اكتوبر 2020 وعُلِّقت قبل نحو عام، قبل أن يرسمَ الوسيطُ الأميركي آموس هوكشتاين في فبراير الماضي ما بدا «خط نهايةٍ» لها عبر مقترح «آخر الطريق» فـ… «يا أبيض يا أسود».

اقرأ أيضاً: لبنان في مواجهة تحدي منصة الغاز الإسرائيلية «كاريش»

وبعد «استنجاد» لبنان بالوسيط الأميركي واستعجاله أن يعود، أكد رئيس البرلمان نبيه بري في مستهل جلسة انتخاب برلمان 2022 لجانه النيابية أمس أن هوكشتاين سيصل إلى بيروت الأحد أو الاثنين المقبليْن، لتشكل الأيام الفاصلة عن هذه المحطة فسحةً لكبار المسؤولين، لاسيما رؤساء الجمهورية ميشال عون وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبري، لأن يحسموا أمرهم في ما خص مسألتيْن متشابكتينْ:

  • الأولى إنهاءُ الازدواجيةِ بين «الخط الموثّق» (لدى الأمم المتحدة) 23 الذي يحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وبين «خط التفاوض» 29 الذي جرى التلويح به من بيروت بوجه اسرائيل في محاولة لحماية كامل «رقعة الـ 23» التي تنازعه تل أبيب عليها (انطلقت الأخيرة لتحديد منطقتها الاقتصادية مع لبنان من الخط 1 شمال الخط 23) في بقعة بمساحة 860 كيلومتراً مربعاً. علماً أن الخط 29 يوسّع المنطقة المتنازَع عليها إلى 2430 كيلومتراً يقع فيها جزء من حقل كاريش.
  • والثانية إعطاء جوابٍ مازال الوسيط الأميركي ينتظره منذ فبراير الماضي على المقترح الذي كان قدّمه في ضوء زيارته الأخيرة لبيروت في الشهر نفسه، أي «خط هوكشتاين» الذي زاوَج فيه بين الخط 23 (ينطلق منه مقترحه) وبين «خط هوف» الذي يعود ويلتقي معه والذي كان منح بموجبه الوسيطُ السابق فريدريك هوف لبنان 55 في المئة من المنطقة الواقعة بين الخطين 1 و 23 ونسبة الـ 45 في المئة الباقية لاسرائيل، وذلك بما يضيف إلى حصة بيروت من رقعة الـ 860 كيلومتراً بين 50 و80 كيلومتراً، ولكن بما لا يضمن لـ «بلاد الأرز» كامل حقل قانا (ثلثاه في البلوك 9 اللبناني وثلثه تحت الخط 23 ويمتد جنوبه) ويقتطع جزءاً من البلوك 8 الذي ينبئ بثروات دفينة.

ورغم إعلان بيروت أنها تتهيأ لاستقبال هوكشتاين، إلا أن أيّ إشارات حاسمة لم تبرز إلى أن لبنان الرسمي «تَحَرَّر» من لعبة المزايدات في هذا الملف البالغ الدقة والتي جعلت رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه في «قفص» اتهاماتٍ سياسية بالتفريط بحقوق لبنان عبر اعتباره أن الخط 23 هو الحدود البحرية وأن الخط 29 هو فقط خط تفاوض، أو من «ألاعيب» يُخشى أن تكون تتحكّم ببعض جوانب إدارة قضيةٍ من «العيار» الاستراتيجي وفق حسابات ضيّقة أو طموحات سياسية.

وإذ كان «مفهوماً» ان يحاول لبنان الرسمي التخفيف من وهج الاندفاعة الاسرائيلية في اتجاه استخراج الغاز من حقل كاريش عبر التركيز على أن المنصة العائمة لم تتجاوز الخط 29، فإن أوساطاً مطلعة تذكّر بأن بيروت كانت وفي رسالة وجّهتْها إلى الأمم المتحدة قبل أشهر اعتبرت «كاريش» في ذاته متنازَعاً عليه، وسط انطباعٍ بأن هذا «التبريد» اللبناني مردّه إلى رغبةٍ في عدم حشْر الذات في زاويةٍ تضيّق الهامش الضيّق أصلاً من الخيارات التي يُخشى أن تكون باتت محصورة بين خط هوف أو «نسخته المعدّلة» أي خط هوكشتاين.

ولا تقلّ دلالةً على أن بيروت لم تُكْمِل بعد «ملفّها» في ملاقاة العودة المرتقبة لهوكشتاين، التسريباتُ عن رفض لبنان الشروط المسبقة، في الوقت الذي يبدو واضحاً أن الوسيط الأميركي يريد سماع الجواب الرسمي على مقترَح فبراير، بعدما كان اعتبر سابقاً أن وقت التفاوض «بالسقوف» انتهى وأن ساعة الاتفاق أو عدمه دقّت، جازماً بأن مرحلة «طاولة الناقورة» (استضافت المفاوضات عبر رعاية أممية ووساطة أميركية منذ اكتوبر 2020 حتى تعليقها في مايو 2021) طويت لمصلحة مفاوضات مكوكية يتولاها بين بيروت وتل ابيب، وأن أياً من الطرفين لن يكون قادراً على تحقيق 100 في المئة من شروطه في ما خص منطقة الـ 860 كيلومتراً.

وفي أي حالٍ، فإن لبنان الذي يمتنع حتى الساعة عن إكمال التواقيع المطلوبة لتعديل المرسوم 6433 (ليوسّع الحدود البحرية وفق الخط 29) وذلك لإبقاء الباب موارَباً أمام حلّ يمنحه حق الانتفاع من حقل قانا كاملاً مقابل «كاريش» الذي فقدتْ بيروت بوصول «انرجين باور» ورقة ضغط كان سيشكّلها «توثيق» وقوعه في منطقة متنازَعاً عليها، أمامه حتى الويك اند لتوحيد موقفه وتحديد خياراته، وسط توقف أوساط مطلعة عند تَعَمُّد «حزب الله» إعلان الوقوف «وراء الدولة» في ما تقرره في هذا الملف، الأمر الذي عَكَسَ عدم رغبة في استدراج صِدامٍ فوق «برميل بارود» في المنطقة، علماً أن مثل هذا المنحى يبقى «مفتاحه» إقليمياً وفي يد إيران تحديداً وفق حساباتها المربوطة بمجمل الخطوط الساخنة في الاقليم.

وفيما كانت الخارجية الأميركية تؤكد «أننا ندعم أيّ جهود للتوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل، في شأن خلافهما حول الحدود البحرية»، تابع الرئيس ميقاتي «نتائج الاتصالات الديبلوماسية الجارية في شأن ملف ترسيم الحدود البحرية، وما هو متوقع على صعيد مهمة هوكشتاين»، مؤكداً «أن الدولة اللبنانية تتابع معطيات هذا الملف السيادي بامتياز والذي تجري معالجته بالطرق الديبلوماسية للخروج بنتائج ايجابية، وتحرّك المفاوضات غير المباشرة مجدداً».

ولم يَغِبْ هذا الملف عن جلسة انتخاب اللجان النيابية التي عقدها برلمان 2022 أمس لإكمال مطبخه التشريعي، حيث ردّ الرئيس بري على إعلان النائبة بولا يعقوبيان أنه رفض فتْح جلسة تشريعية لإقرار اقتراع قانون معجّل مكرر لتعديل المرسوم 6433 فقال: «بولا خرجت من الجلسة وصرّحت أنني رفضت تعديل المرسوم المتعلق بترسيم الحدود فأين كانت بولا منذ 12 سنة؟ ولا يمكن التشريع في جلسة انتخاب، ويبدو في ناس جايي تتشاوف مش تشتغل تشريع، رح نسكت لأن زوجها صاحبنا».

ولم يكن هذا «التصويب» المتعدد الاتجاه من بري على يعقوبيان التطور الوحيد الذي تردّدت أصداؤه خارج «ساحة النجمة» التي شهدت «أول تمرين» ديموقراطياً بهذا الحجم منذ نحو 3 عقود كرّس قيام «لعبة برلمانية» جديدة فرضها «اقتحام» مجموعة النواب التغييريين (13 يمثلون انتفاضة 17 اكتوبر 2019) البرلمان و«دكّهم أسوار» الحرس القديم الذي تعوّد «حياكة» تفاهمات أقرب إلى محاصصات و«تعليبات» توزّع «كعكة» اللجان الـ 16 الدائمة، عضوية ورئاسات ومقررين، على الأحزاب والقوى وكتلها.

وإذ لم يكن ممكناً في جلسة أمس الخروح باستنتاجات واضحة حيال التوازنات السياسية في مجلس النواب المنتخَب بعدما ظهر في جلسة انتخاب رئيس البرلمان ونائبه وأمينيْ السرّ و3 مفوّضين الأسبوع الماضي أنها «لم تنتقل» بشكل صريح من ضفة (ائتلاف حزب الله والتيار الوطني الحر) إلى المعارضة (قوى سيادية وتغييرية ومستقلون) بمقدار ما أنها تحوّلت «أكثرية متغيّرة ومتحركة»، فإن الأكيد أن كتلة الـ13 من التغييريين نجحت في «خربطة التفاهمات» وفرضت انتخاباتٍ مضنية في لجان أساسية، وإن كان «القديم سيبقى على قدمه» في ما خص غالبية رئاساتها (للأحزاب على اختلافها)، كما تمكّنت من «اختراق» غالبية اللجان الأساسية (ما عدا الإدارة والعدل) لتبقى الأنظار على ما إذا كانت ستتمكّن من الفوز برئاسة أيّ من اللجان الـ 16 (يتعيّن إجراء انتخاب الرؤساء والمقررين بعد 3 أيام).

وتَسَبَّبَ «التغييريون» في إسقاط مبدأ التزكية عن العديد من اللجان أبرزها المال والموازنة (رشحوا لها 3 نواب وفاز بينهم ابرهيم منيمنة) والإدارة والعدل، وفوز 5 لجان بالتزكية هي: الخارجية والمغتربين، الاعلام والاتصالات، الشباب والرياضة، المرأة والطفل وحقوق الانسان، وذلك في الجولة الأولى من الجلسة التي استُكملت عند السادسة مساءً حيث بقيت 9 لجان كان الرهان على محاولة إنجاز انتخاباتها بالتزكية أمس عبر حصر عدد المرشحين لعضويتها ليكون مطابقاً لعدد أعضائها (5 من اللجان الـ 16 تتألف من 17 عضواً و10 من 12 وواحدة من 9).

وانطبعت الجولة الصباحية، بسجالات بين نواب تغييريين وآخرين من كتل حزبية (مثلاً بين النائبين فراس حمدان وعلي حسن خليل)، وسط حال من الفوضى والصخب في ضوء بروز ترشيحات مفاجئة لدخول لجان، وتذمّر النواب «القدامى» من البطء في عملية الانتخاب والفرز (إحداها تطلبت ساعتين ونصف ساعة)، في حين طلب آخرون «سندويشات ونحنا مندفع حقّها». علماً أن بري كان أعلن في بداية الجلسة «كنت أتمنى أن يحصل التوافق وإلا سنستمر لأسابيع في الانتخاب خصوصاً أن هناك أماكن لكل النواب».

السابق
منخفض جوي في طريقه الى لبنان.. وتساقط للرذاذ شمالاً
التالي
خاص «جنوبية»: التحضيرات للانتخابات البلدية البيروتية تنطلق.. والمرشحون يتجاوزون الالف!