«تنفيسة» مصرف لبنان ترجئ انفجار الـ«تفليسة»!

مصرف لبنان

بعدما بَلَغَ لبنان «فمَ التنين» مع تَطايُرِ «لهيبِ» الانهيار الشامل في كل الاتجاهات، تجدّدتْ محاولةُ تبريد «الحريق الكبير» عبر إجراءاتٍ «تنويمية» للمصرف المركزي يُراهَن على أن تكون كفيلةً بجعْل بيروت تدخل مرحلةَ «الأعاصير السياسية»، على تخوم استحقاقيْ تشكيل الحكومة الجديدة والانتخابات الرئاسية، مع شراء المزيد من «الوقت الإضافي» الفاصل عن حصول ارتطامٍ تدافعتْ إشاراته «السبّاقة» في الأيام العشرة التي تلت الانتخابات النيابية ولن يكون ممكناً «النجاة» منه إلا بانتظامٍ سريع لعملية إعادة تكوين السلطة بحدّ معقول من التوازنات ذات الامتداد الإقليمي وتحت سقف خريطة الطريق المالية التي رسم خطوطَها الاتفاقُ الأولي مع صندوق النقد الدولي.

وغداة معاودة «المركزي» فتْح الباب أمام «جميع حاملي الليرة اللبنانية من مواطنين ومؤسسات ويريدون تحويلها الى الدولار» لـ «التقدّم بهذه الطلبات الى المصارف اللبنانية ابتداءً من الاثنين وذلك على سعر صيرفة»، بدت بيروت وكأنها «التقطت أنفاسها» التي كانت حُبست يوم الجمعة حين ناطحت العملة الخضراء في السوق الموازية سعر 40 ألف ليرة مُنْذِرةً بـ «حرْق» ما بقي من «الأخضر واليابس»، وسط بلوغ «طنجرة الضغط» المعيشية أعلى مستويات غليانها، قبل أن يباغت مصرف لبنان الأسواق بقراره الذي «أرجأ الانفجار» وساهم في غضون أقل من 24 ساعة بإعادة «عقارب الدولار» عشرة أيام إلى الوراء، إلى حدود 27 الف ليرة (بعدما تجاوز 38 ألفاً، الجمعة).

 بري «يُنافِس» بري على رئاسته المحسومة للبرلمان والمعركة على نائبه… توازنات ورمزيات

وسيكون إجراء «المركزي» الذي أرفقه بالطلب من المصارف ابتداء من الإثنين «ولثلاثة أيام متتالية ان تبقي على فروعها وصناديقها مفتوحة يومياً حتى الساعة السادسة مساءً لتبية طلبات المواطنين من شراء الدولارات على سعر«صيرفة» لمن سلّم الليرات كما دفْع معاشات الموظفين في القطاع العام بالدولار على سعر«صيرفة»، أمام اختبار مزدوج:

  • أولاً لمدى التزام المصارف بهذا القرار، وآلياته العملية ومدته وقدرة «المركزي»على تمويله.
  • وثانياً للكلفة الباهظة لـ «التعويم الاصطناعي والوهمي» لليرة، في ظل خشية من أن «تمتدّ» مرة أخرى (كما حصل منذ يناير وحتى موعد الانتخابات النيابية بهدف توفير«ممر آمن» لهذا الاستحقاق وقواه الرئيسية) إلى «الرمق الأخير» من الاحتياطي الالزامي الذي لا بدّ من «إدارته» بما يتكيّف مع مرحلةٍ مرشّحة لأن تكون مديدةً من التأزم الكبير على مساريْ تأليف الحكومة والانتخابات الرئاسية (موعدها الدستوري بين 31 أغسطس و 31 أكتوبر) واللذين باتا متشابكيْن في ذاتهما، كما أسيريْ التوازن السلبي الذي أفرزه استحقاق 15 مايو النيابي على صعيد البرلمان و«الغالبية المركّبة» التي أنْتَجَها.

وإذ واكبتْ السلطاتُ اللبنانية ما اعتُبر«الخرطوشة الأخيرة» لـ «المركزي» – ورغم المخاوف من أن تكون بمثابة إطلاق رصاصة «في الرأس»- عبر إجراءاتٍ لتدارُك جنون فلتان الأسعار، وبينها فتْح «دفاتر»عمرها نصف قرن و «نبْش» المجلس الوطني لسياسة الأسعار (صدر قرار إنشائه العام 1974) وإصدار جداول سريعة بأسعار مخفّضة للمازوت والغاز (ملاقاةً لانخفاض سعر الدولار)، بالتوازي مع تحذيراتٍ للتجار من التفلّت من السقوف التراجعية للعملة الخضراء، فإن هذه «التنفيسة» عاودت تركيز الأنظار على الجلسة التي دعا إليها رئيس السن في برلمان 2022 أي الرئيس نبيه بري بعد غد الثلاثاء لمعاودة انتخابه على رأس مجلس النواب للمرة السابعة على التوالي واختيار نائبه وأمينيْ السرّ و3 مفوّضين.

وباتت المعركة على رئاسة البرلمان «منتهية قبل أن تبدأ» حيث يُنافِسُ بري نفسَه على هذا الموقع ساعياً مع «حزب الله»- بعدما اختار زعيم «أمل» التخفّف من لعبة مقايضاتٍ مع «التيار الوطني الحر» اعتبرها مضخَّمة و«لا تستحقّ» المقابل «المضمون أساساً بأصوات التيار ومن دونها» – لرفْع أدنى عدد أصوات سينالها شريكه في الثنائية الشيعية منذ 1992 أقلّه لنصف أعضاء البرلمان زائد واحد (65 نائباً) لِما لذلك من بُعد معنوي، إضافة إلى كونه سيفضي لمزيد من «التمويه» حول انتقال الأكثرية البرلمانية من ضفة إلى أخرى وحول هل ثمة مَن يُمْسِك فعلياً بغالبية «دائمة وثابتة».

أما الصورة في ما خص انتخاب نائب الرئيس فما زالت محكومة بضبابية ترتكز على مسألتين:

  • الأولى تَعَدُّد المرشحين، المعلَنين مثل النائب الياس بوصعب الذي رشّحه تكتل النائب جبران باسيل، والنائب سجيع عطية (قريب من نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس وأعلن تشكيل كتلة من نواب شماليين بينهم قدامى تيار «المستقبل»)، كما المُضْمَرين، مثل النائب المستقل غسان سكاف (البروفيسور ورئيس قسم جراحة الأعصاب والدماغ والعمود الفقريِ في الجامعة الأميركية في بيروت – المركز الطبي)، والنقيب السابق لمحامي بيروت ملحم خلف (من التغييريين).
  • والثانية هل تحتفظ الأطراف المعنية بالمنازلة على هذا المنصب بـ «أوراق مخفية» لربع الساعة الأخير، باعتبار أن هذه المحطة ستشكّل أول «قياس» حقيقي لحجم القوى الخارجة على ائتلاف «حزب الله» – التيار الوطني الحر وحلفائهما وقدرتها على إدارة تَنوُّعها (بين قوى سيادية وتغييرية ومستقلون) بما يجعلها مؤثّرة في المسارات السياسية المُقَرِّرة، بدءاً من تكوين المطبخ التشريعي ثم ملفي الحكومة والرئاسة.

وبدا الترشيح «الاضطراري» من تكتل باسيل للنائب بوصعب لمركز نائب رئيس البرلمان محاولةً لجذْب بري (الذي لن يصوّت له نواب باسيل) إلى هذا الخيار الذي سيشكّل «حزب الله» رافعةً له وذلك على قاعدة إعلاء أولوية إبقاء «8 مارس» مُمْسِكة برئاسة المجلس ونيابته معاً، في أول «اختراقٍ» لِما سبق أن اعتبره الحزب أكثرية «وهمية».

الجسم القضائي يضرب بمطرقته في وجه «الزعماء السياسيين وغسْل أيديهم»: اعتكاف قضائي شامل لأسبوع

في المقابل، اعتبرت أوساط مطلعة أن المعلومات عن أن التكتلات السيادية والتغييرية والمستقلة اختارت أن تصوّت أيضاً بالأبيض لهذا المنصب على غرار رئاسة مجلس النواب ليست دقيقة، موضحة أن الاتصالات تستمرّ بين هذه المكوّنات للتوصل إلى تفاهمات.

إقرأ أيضاً: باسيل إلى «بيت الطاعة الأصفر» مجلسياً..والعين على الجنوب بعد «مسيرة الأعلام»!

وإذ كان بوصعب يزور أمس بري في محاولة لتوفير أرضية لـ«فك اشتباك» حول موقع نائب الرئيس بين «التيار الحر» وزعيم «أمل»، فإنّ الأوساط العليمة أبلغت إلى «الراي» أن قوى الغالبية «مع وقف التنفيذ» لا مصلحة لها في «الاستقالة» من معركة نيابة رئاسة مجلس النواب وتسليمها «على طبق من فضة» لـ «حزب الله» وحلفائه، ولا سيما أن هذا الموقع له دور مهم نصت عليه المادة 6 من النظام الداخلي لمجلس النواب في فقرتيها: الأولى وتنص على أنه «يتولى نائب الرئيس صالحيات الرئيس في حال غيابه أو عند تعذر قيامه بمهمته»، والثانية تقول: «إذا تعذر على الرئيس ونائبه متابعة رئاسة الجلسة، يتولى الرئاسة أكبر الأعضاء الحاضرين سنا وذلك بتكليف من الرئيس أو نائبه”.

وترى الأوساط نفسها أنّ حتى اجتذاب كتلة رئيس البرلمان (وهو ما يبقى صعباً) لانتخاب بوصعب – ولو لم يمنح التيار لزعيم «أمل» أصواته – لن يضمن وصول الأول، باعتبار أن «المراعاة» لبري (من الحزب التقدمي الاشتراكي وبعض النواب سواء كانوا مستقلين او من قدامى المستقبل) لا تنطبق على الموقف من باسيل وحزبه، وتالياً ثمة إمكانية لخوض معركة رابحة على هذا الموقع، وسط رصْد إذا كانت عمليات تدوير الزوايا ستتيح وصول خلف الذي لا يمانعه بري أو سكاف الذي قد يشكّل نقطة تقاطُع بين أكثر من طرف سيعتبر كل منهم أن له «حصة» فيه.

قرار «المركزي» أعاد عقارب الدولار في 24 ساعة 10 أيام إلى الوراء

وفي الانتظار، توالت الدعوات الدولية لضرورة تشكيل حكومة جديدة سريعاً في لبنان والسير بالإصلاحات الضرورية، وفق ما عبّر الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لويس ميغيل بوينو، فيما كان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب يسمع في المقر الرئيسي لصندوق النقد الدولي في واشنطن «ان الصندوق لن يتمكن من مساعدة لبنان من دون إقرار الإصلاحات الضرورية بما يشمل إقرار الموازنة والكابيتال كونترول وتعديل قانون السرية المصرفية وخطة استراتيجية للقطاع المصرفي وتقييم الموجودات الخارجية لمصرف لبنان».

وفي موازاة ذلك، ضرب الجسم القضائي بمطرقته في وجه «الزعماء السياسيين (…) إذ لا يمكن الاستفادة من ترف السلطة وغسل الأيدي عند جوع المواطنين»، فأعلن «اعتكافاً قضائياً شاملاً من دون استثناءات» بدءاً من يوم غد ولمدة أسبوع كخطوة تحذيرية مبدئية لحضّ المسؤولين على «تحمل مسؤوليتهم المعنوية بحدها الأدنى»، في ظل ما وصلت إليه أحوال «الغالبية الساحقة من المواطنين، بمن فيهم القضاة والمساعدون القضائيون، من عجز عن تأمين قوتهم اليومي».

السابق
باسيل إلى «بيت الطاعة الأصفر» مجلسياً..والعين على الجنوب بعد «مسيرة الأعلام»!
التالي
إستنفار فلسطيني..إصرار إسرائيلي على مسيرة الأعلام والمستوطنون يقتحمون الاقصى!