هدم الإهراءات..صدى إنفجار المرفأ ما يزال مدوياً!

انفجار المرفأ

قرر مجلس الوزراء “الموقر” هدم الاهراءات في المرفأ، كأنه قرر محو آثار الجريمة الكبرى!

كارثة انفجار المرفأ ما زالت مستمرة رغم مرور أكثر من سنة وسبعة أشهر على حدوث “الزلزال” ، فقد انضمت ضحية جديدة لقافلة شهداء “نترات الأمنيوم”، يوم السبت الفائت، اذ اعلنت ماريان فاضوليان شقيقة ضحية إنفجار المرفأ غايا فاضوليان عن وفاة ريتا أنطوان حرديني التي أصيبت إصابة بالغة جراء إنفجار 4 آب.

وبقيت ريتا حية على التنفس الإصطناعي وتعاني الألم الشديد، إلا أنها توفيت، وهي في مطلع العشرين من عمرها. وقد اقيم صلاة الجنازة عن نفس ريتا في كنيسة مار مخايل – طريق النهر.

إذاً، كارثة انفجار المرفأ ما زالت مستمرة، و “نترات الأمونيوم” تنفجر تِباعا ولا يتوقف صداها رغم مرور أكثر من سنة ونصف السنة على الكارثة، فما زال مكان المرفأ والدائرة المحيطة به تنذر وتشي وتشير وتفي وتُعلِم وتُعلن عن استمرار هذا الانفجار المُزلزل ، لكن صوت الانفجار يبدو محجوباً بكاتم صوت، وكاتم نظر ، وكاتم شعور ، يكتم النظر والروح ويشطر القلب، ففي مسافة الغسق ، في غروب طريق النهر المُحاذي لبحر الإنفجار ، تسمع بعينيك ما تعجز عن سماعه أذناك.

كارثة انفجار المرفأ ما زالت مستمرة و “نترات الأمونيوم” ينفجر تِباعا ولا يتوقف صداها رغم مرور أكثر من سنة ونصف السنة عليها

تسير وتدور وتمشي مثقلاً كانك في مشقة دهاليز وسراديب وأنفاق ، يذهلك المسير ، واذا حاولت التوقف قليلا ، عبثاً تحاول أو ترى ما يشدك للتمعن والتحديق والنظرة المثابرة. لا يمكنك البقاء مع فسحة مريحة أو فسحة هادئة الشكل .

في وضح النهار تمتد عتمة تليها ظلمة لا يلغيها ضوء من هنا أو هناك، عتمة سميكة بتجاعيد الانفجار. هنا محل مخضّب بلا روح وبلا حضور، ربما تعرّض لعملية جراحية وفقد قفصه وصدره وعظامه ورأسه. وهناك ملهى مطفأ، مُتشح “بتكشيرة”وسواد كثيف. وهناك مُنتجع مُغلق بلا اسم ولا عنوان. أضواء وألوان بلا لون، ربما مضاءة بألوان النار والحرائق والدخان المنبعثة من مستودعات الحديد المحاذية.

إقرأ أيضاً: «الثنائي» يَستنجد بالدولة «المُغيّبة» لضبط «أمن الضاحية»..و«حزب الله» يَقبض على «الرئاسة»!

قوس من الخراب ينحني، رائحة موت لا تزال تعسعس في جيوب الأزقة المهجورة. ضحكات عمال عالقة في الزوايا المسننة، هذه الزاوية برائحة التعب، وتلك الزاوية برائحة التهجير. وثمة مطعم لا رائحة لبخار طبخه، وتخرج من نوافذه غيوم صغيرة كخبز محمص. اما الزجاج المهشم تحت قدميك، فيمتد ولا ينتهي،مثل سجادة وسع العذاب والتعب.

للمكان أصوات كثيرة ومتعددة الايقاعات، أصوات أهاجيز وطبول متضاربة ، متصادمة في بعضها البعض، صوت آخر يعكس هزات وترنّحات، وتظنها صوت “النيترات” تتفاعل،في حين تكتشف أنها أصوات الخوف والحسرات على الطريق وفي المحلات التجارية وعلى الأرصفة التي ما زالت محافظة على سواد الحريق والانفجار.

عتمة وظلال بغير موعدها وبغير سبب تحجب أمكنة وتطلي عمارات بنوافذ محطمة. ما زالت الأبواب والشبابيك على ترنّحها ولا من معين ومرمم لها. عتمة تتداخل بين الزائر العابر ونفسه، وتعلق نفسك وخطواتك مع العالقين فتعلق علقة “حزين علِق في حفرة طين”. وتدخل في مربعات لا تعرف كيف “تربعت”.

جولة في أزقة الخراب تؤكد انه انفجار نووي ضرب المدينة ولا يمكن التكهن بنتائجه الوخيمة النهائية على البلاد والعباد.

في المسافة الفاصلة بين منطقة “الصيفي” و”برج حمود” تمتد مسافة هادئة وشارع عريض تعبره سيارات حاشدة بالمشاهدين والمتفرجين،”سواح الخراب”، يراقبون الحياة والموت وما بينهما.

وفي المبنى السكني الذي تزوره تقف حائرا، تحاول الصعود الى طوابقه المفككة، فتضيع وتتوه عن الهدف.

جولة في أزقة الخراب لا ترحم خطواتك المنهكة، وكل خراب حفظته نظراتك، وتكتم عليه سمعك، وتحفظت عليه كل حواسك، تأخذك الى يقين السؤال والجواب: حقاً انه انفجار نووي ضرب المدينة ولا يمكن التكهن بنتائجه الوخيمة النهائية، على البلاد والعباد.

الجميزة مبنى منهار
السابق
لبنان أمام تآكُل مُهل «ترجمة النيات» الإصلاحية والسياسية!
التالي
آن للجنوب أن يعود لأهله!