الاصلاح في فكر السيد محمد حسن الامين: التجديد الديني والحضاري

السيد محمد حسن الامين
كان السيد محمد حسن الأمين، رضوان الله عليه، بوصفه مفكرا اسلاميا يحمل همّ الاصلاح الديني، ويعتبر نفسه مسؤولا عن بثّ وعي اسلامي جديد، يسمح للمسلمين بتقبّل دخول أفكار حيوية جديدة تلائم العصر، وتحافظ على القيم الدينية والاخلاقية، بما يساعد المجتمع الاسلامي على المدى الطويل، أن يصنع حداثته الخاصة القائمة على مبادىء العدالة والديمقراطية وحقوق الانسان.

دعا السيد محمد حسن الامين، الى كشف ومعالجة الامراض والاورام العالقة بجسد الدين، التي تمنعه من التعافي والتقدم بالمجتمعات الاسلامية نحو الأفضل ، فأكد انه “يجب أن نتخلص من عقدة الدين بوصفه لدى الكثيرين أنه سدّ مانع من إنتاج أي شكل من أشكال الحداثة، علماً ان جوهر ما يقوم عليه الإسلام يتضمن كل المفردات من حرية وديموقراطية وحقوق الإنسان وحق الفرادة والمسؤولية الفردية وغيرها من القيم التي تشكل مصدراً لاستلهام نهضة جديدة يمكن أن ندرجها تحت عنوان “التجدّد الحضاري”، وهذا لا يعني بحال من الأحوال إلغاء القيم الدينية، بل تعزيزها وإتاحة التوسع في مفاهيمها على النحو الذي لا يعود فيه الدين عقدة تحول دون التطلع إلى إنجاز هذه الحداثة الضرورية للاجتماع الإسلامي وخاصة في هذا العصر”. 

اقرا ايضا: السيد محمد حسن الأمين يتوهّج في ذكراه الأولى.. حين يطغى الحضور على الرحيل!

عدم شرعية الدولة الدينية 

بداية أكد السيّد ان “الدولة الدينية التي يقاتل الاسلاميون لإقامتها بالقهر والغلبة هي دولة غير شرعية، فيقول رحمه الله “إذا كانت الدولة الدينية تعني السلطة بإسم الدين وهي فعلاً كذلك، فمن وجهة نظري فإن هذه السلطة لا شرعية لها على الإطلاق إذ لا يجوز أن يكون الدين غطاء لأي سياسة بما يعني أن مصدر الشرعية للدولة هو الدين الذي يقضي بالضرورة أن يكون ممثلوه هم رجال الدين، فقد أصبح من الضروري أن يحسم هذا الجدل لصالح أن الدولة لا تكتسب شرعيتها أو السلطة، إلا بالعقد الذي يقوم بين السلطة وشعبها، أي الذين تمثلهم وتمثل اختياراتهم، وفي هذه الحالة، قد يكون الطابع لهذه الدولة في بعض البلدان طابعاً دينياً ولكنه ليس نابعاً من أن الدين هو مصدر شرعية الحاكم أو السلطان أو الحكومة، فهذا الطابع الديني الذي أشرنا إليه قد يكون ناشئاً عن التوجهات الدينية الغالبة في هذا المجتمع والتي من شأنها أن تنتج قوانينا مستلهمة من الدين، وبالتالي فهي حين تفعل ذلك تمارس حريتها واختيارها الحرّ للقوانين التي تطمح إلى تطبيقيها في إطار الاجتماع السياسي والاجتماعي والأخلاقي وعلى كل المستويات، وهذه في نظري هي دولة شرعية ولكنها ليس دولة دينية، أي أن السلطة لا تحكم فيها بوصفها ممثلة لله على الأرض كما كان شأن الكنيسة في العصور الوسطى، وكما كان شأن الخلافة الإسلامية بعد العهد الأول لهذه الخلافة أي الخلافة الراشدة، حيث أصبح الخليفة وهو السلطان الحاكم يستمد شرعية سلطته من أنه يمثل إرادة الله على هذه الأرض “. 

يجب أن نتخلص من عقدة الدين بوصفه لدى الكثيرين أنه سدّ مانع من إنتاج أي شكل من أشكال الحداثة 

بعث الحرية الفردية والمجتمعية 

واذا كانت الدولة الدينية تمنع المسلمين من اي مسعى للتجديد والاصلاح كما قال، فان الحرية دون شك هي الكفيلة بفتح الباب كي ينتج  المسلمون لاحقا حداثتهم الخاصة، ويؤصل السيد محمد حسن الامين رضوان الله عليه لمفهوم الحرية الفردية والاجتماعية كضرورة قبل الولوج في اي مشروع اصلاحي  من خلال الاية الكريمة “يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه” باعتبار أن الحرية هي المعيار الذي تقاس من خلاله قدرة الإنسان على حمل أمانة الله في الأرض”. 

هذا الحرية تصل الى حدها الاقصى الخلاق برأي السيّد مع  “الفردانية”، أي “حق الانسان بالفرادة والاستقلال الشخصي بعيدا عن سلطة المجتمع أو سلطة الدولة، وهي باتت حقّا أساسيّا من حقوق المواطنة وحرية الاعتقاد”. وفي اعتقاده أنّ “أيّ مراقب لا يستطيع أن يتجاهل دور الفردانيّة في إطلاق الطاقات الخلاقة بشكل يجعل الإنسان أكثر قدرة على الإبداع في ميادين الحياة المختلفة، وأن أي مجتمع لا يستطيع أن يصل إلى الحداثة بشكل كامل دون أن يقوم بتكريس الفردانية”. 

 انتبه السيد محمد حسن الأمين الى غياب ما اسماه “الفقه السياسي” كعامل اساسي للتجديد والنهضة

وحول التأصيل الفكري الإسلامي لمسألة الفردانيّة يشرح :“أودّ أن أشير إلى حقيقة دينية إسلامية هي حقيقة المسؤولية الفرديّة، وأن أضع لها عنواناً واحداً من عشرات العناوين الصالحة للاستشهاد من داخل القرآن الكريم،منها قوله تعالى: “ولا تزرُ وازرة وزرَ أخرى”، وقوله أنّ “لكل امرئ ما سعى”. بل كل أدبيات الإسلام تركّز على مساحة واسعة لحريّة الفرد داخل المجتمع، لكن بطبيعة الحال فإنّ هذا الحقّ، أي حق الفرد بالشعور باستقلاليته، لا ينفي كونه عضواً في الجماعة التي ينتمي إليها. ومن حكمة ذلك أن تنشيط الفرادة داخل المجتمع هي تنشيط للتنوّع والتعدّد الضروري داخل الجماعة الواحدة. وهي مصدر من مصادر الإبداع الذي يتطلّب في كثير من الأحيان شعور خاص بهذه الكيانية المستقلّة لهذا الفرد، وبالجملة فإن الاجتماع البشري، كما قضت حكمة الله، ليس قطيعاً من الكائنات المتماثلة” من هنا كان الحساب يوم القيامة يتناول كل فرد بذاته. وهذا واضح في قوله تعالى: “من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره”، فالمسؤولية لا تقع على الجماعة بسبب شذوذ الفرد كما لا تقع على الفرد بسبب شذوذ الجماعة”.. 

غياب “الفقه السياسي” 

و بوصفه مفكرا اسلاميا، تنبه السيد محمد حسن الأمين الى غياب ما اسماه “الفقه السياسي” وأن انفتاح العقل في تلك الفترة، على موضوع العلوم السياسية كان سيؤدي، بالضرورة وبالمقارنة مع التطورات التي أنجزها، في مجالات العلوم الأخرى، سيؤدي بالضرورة إلى تطوير العلوم السياسية، بما يجعلها تصل، قبل ألف سنة، إلى ما وصلت إليه في عصر النهضة الغربية، وأن تصل إلى ما نسميه، اليوم، بـ”العقد الاجتماعي”. 

أليست الشورى في الإسلام هي تعبير واضح وبليغ وصريح على أن أمور الأمة، لا يمكن أن يتم إبرامها، إلا عن طريق الشورى؟ فلم يهتد العلماء المسلمون أو المفكرون المسلمون، لم يهتدوا إلى هذه المسألة، نظراً لمنع هذه العلوم واستغلالها للدواوين، دواوين الخلفاء التي كانت تشرّع ما يؤكد حق الحاكم في أن يكون هو مصدر السلطة. وإلى درجة – أنا مضطر لأُعلن أسفي الشديد عليها – هو أنها شكلت انقلاباً على فكرة الإسلام الأساسية، وهي أنه لا يوجد على الأرض من يمثل الله في السماء. يعني أن الإنسان لا يمكن أن يكون – مهما كان – أن يكون ناطقاً بإسم الحق الإلهي على الأرض. 

تجديد الاسلام وتحديثه، كان هو المشروع الفكري للعلامة الراحل السيد محمد حسن الامين رضوان الله عليه، وهو لا يرتبط فقط بتجديد التراث ولكن ايضا بتجديد الوعي وادخال روح الحداثة الخاصة بمجتمعاتنا وليست المنسوخة عن الغرب، والقائمة على العدالة الاجتماعية بالدرجة الاولى، والديموقراطية المنبثقة من الحرية والفردانية اي حق كل فرد بمعزل عن مجتمعه ان يتمتع بحريته وبحقوقه الخاصة، وذلك دون تعرضه لأدنى شكل من أشكال الاستبداد، سواء من الحاكم أو من استبداد المجتمع نفسه الذي تتحكم فيه عقائد مغلقة تمنع التنوّع والتغيير والإبداع. 

السابق
بالفيديو.. الشيخ دندش يضرب مجدداً: الأحزاب العميلة تحتل منطقة بعلبك الهرمل!
التالي
مرة جديدة.. غارات إسرائيلة تستهدف مواقع في حماة من شمال لبنان