من العمالة إلى البندقية.. اللبنانيون والفلسطينيون «ما لهم وما عليهم»!

ياسين شبلي

حدثان “فلسطينيان” طَبَعا الأسبوع المنصرم في لبنان، أعادا تظهير العامل الفلسطيني في المشهد اللبناني المتشابك، في تزامن قد يكون مريباً أو ربما نتج عن “صدفة” ما غير معتادة في الأحداث السياسية. الحدث الأول كان قرار وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم “توسيع” هامش المهن التي يحق للاجئ الفلسطيني العمل بها في لبنان، مستخدما الهامش الذي يمنحه له القانون، في إستعمال صلاحياته كوزير مسؤول عن سوق العمل في لبنان، وإحتياجاته في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها البلد، والتي تسببت بهجرة الكثير من أصحاب المهن الحرة من اللبنانيين، ما أدى إلى نقص في سوق العمل حاول الوزير تعويضه بهذا القرار.

اقرأ أيضاً: الأمن يَهتز من الجنوب الى البقاع..قتل وسرقات وإنتحار بالجملة!

الحدث الثاني كان الإنفجار، الذي دوى في مخيم البرج الشمالي في منطقة صور، والذي تضاربت الأنباء حوله من حيث مسبباته والمواد المتفجرة فيه وضحاياه، ما أثار الإستياء بين عامة الناس، وأعاد طرح سلاح المخيمات إلى دائرة الضوء .

موضوع العمالة الفلسطينية في لبنان هي في الحقيقة وصمة عار في جبين الدولة اللبنانية التي تمنع الفلسطيني من ممارسة حوالي 73 مهنة


في الموضوع الأول، موضوع العمالة الفلسطينية في لبنان، التي تحكمها قوانين بالية وغير إنسانية، هي في الحقيقة وصمة عار في جبين الدولة اللبنانية التي تمنع الفلسطيني من ممارسة حوالي 73 مهنة، وتتخطى بممارستها هذه كل إدعاءاتها عن إحترامها لحقوق الإنسان، وهي ممارسات بعيدة كل البعد عن كل القيم الإنسانية والوطنية والقومية، وحتى الإقتصادية التي تدعي التعلق بها، والأنكى من هذه الممارسات هي التبريرات لها، على طريقة “عذر أقبح من ذنب”، وهي تبريرات تتلطى تارة خلف مصلحة اللبناني، وأولويته في العمل في وطنه وهو أمر من المسلمات طبعاً، لكنه في هذه الحالة، يبدو بمثابة كلام حق يراد به باطل، ونكتة سمجة من سلطة لا تعير أدنى إهتمام لمواطنيها، الذين ساهمت في تهجيرهم وغربتهم مرتين، قبلاً عبر التمييز والحرمان لبعض المناطق من التنمية ومن ثم الحرب، ومرة أخرى بعد سرقة أموالهم التي عادوا بها من غربتهم الأولى إلى بلاد العالم. وتارة خلف كلمة “التوطين”، هذا المشروع الذي إتخذه البعض كفزاعة، تنفيذا لمشاريعه في تأخير الإصلاح السياسي للنظام اللبناني، الذي كان السبب الرئيس في إندلاع الحرب الأهلية منتصف السبعينات، ولا يزال حتى اليوم مولِّداً للأزمات، وسبيلا للتدخلات الإقليمية والدولية في الشأن اللبناني، تحت عناوين مختلفة، وكأن ممارسة الفلسطيني لأي مهنة كفيلة بجعله ينسى فلسطين، أو كأن هذه السلطة العاجزة عن حماية أدنى مقومات السيادة الوطنية، قادرة على مواجهة مشروع التوطين – إن وجد – عبر هذه القرارات “الخنفشارية”، والتي ما هي سوى قرارات سياسية لا علاقة لها، لا بالإقتصاد ولا بمصلحة اللبنانيين، بل هي إنما تستخدم في صراعات الزواريب الطائفية الداخلية اللبنانية، عبر تهييج الناس وترهيبهم لوضعهم في موضع الدفاع الوهمي عن وجودهم.


وهو ما حدث هذه المرة أيضاً، سيما وأن هذا القرار يأتي، والبلد دخل معمعة الإنتخابات المقبلة، مع ما تحمله من مزايدات طائفية وسياسية، يُلبسها أصحابها المأزومين سياسيا وإنتخابيا لبوس الوطنية، والحفاظ على المصير، لينجح هذا الفريق مرة أخرى، وهو هنا التيار الوطني الحر، في جر بقية الأفرقاء المسيحيين، إلى إستعادة خطاب غير عقلاني متطرف، كي لا نقول أكثر، وهو خطاب كان قد بدا في مرحلة من المراحل بأن هؤلاء الأفرقاء قد تجاوزوه لصالح خطاب أكثر عقلانية، وهدوء قائم على الحوار لتجاوز أي خلاف أو مشكلة قد تستجد.


إنفجار البرج الشمالي أعاد إلى الواجهة قضية السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها خاصة وأنه حصل بعد البيان السعودي – الفرنسي، الذي أعاد التأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد القوى العسكرية اللبنانية

الموضوع الثاني، وهو إنفجار البرج الشمالي أعاد إلى الواجهة قضية السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها، خاصة وأنه حصل بعد البيان السعودي – الفرنسي، الذي أعاد التأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد القوى العسكرية اللبنانية، وهو ما يطرح عدة شكوك وأسئلة عن توقيت الإنفجار وأسبابه وأهدافه، سيما وأن موضوع السلاح خارج الشرعية في لبنان – وهو هنا سلاح حزب الله – هو موضوع شائك وجدلي بالنسبة للبنانيين أنفسهم، كما هو معروف ، وهو السبب الرئيسي لكل الخلافات الداخلية اللبنانية، منذ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري العام 2005، وهو محور الصراع خاصة بعد حرب 2006، ومن بعدها تمدده ليصبح شأناً إقليميا يمتد من سوريا وصولا إلى اليمن، مرورا بالعراق كما هو معروف، فكيف والحال هنا أن الموضوع هو السلاح الفلسطيني – وهو هنا سلاح حماس بالتحديد – خصوصاً وأن هذا السلاح كسلاح حزب الله، لا يمكن إعتباره إلا سلاحاً إيرانياً هو في خدمة المشروع الإيراني في المنطقة، كوسيلة ضغط وورقة من أوراق المساومة على طاولة المفاوضات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعتباره سلاحا فلسطينيا، يخضع للقرار الفلسطيني المستقل في ظل الإنقسام الفلسطيني الحالي، وبالأخص في أعقاب الحديث مؤخرا عن تنظيم عسكري خارجي لحركة حماس، وهو ما يطرح الكثير من علامات الإستفهام، عن ما قد يتم تحضيره في ظل الإنسداد الداخلي اللبناني، ومعركة عض الأصابع في فيينا. وما الأحداث التي تلت الإنفجار، وأسفرت عن قتل ثلاثة أشخاص إلا دليلا إضافيا، وتأكيدا على عبثية هذا السلاح وأهدافه، ولنا في تجارب الحرب اللبنانية الكثير من العبر والدروس. المثير للدهشة حقيقة في مواقف بعض اللبنانيين، أن قضية العمالة الفلسطينية في لبنان كان لها الصدى الأكبر، قياساً لموضوع السلاح، ربما لإعتقادهم بأن السلاح الفلسطيني هذه المرة، هو خارج مناطق نفوذهم السياسي، وهم بالمناسبة أصحاب نفس العقلية، التي قايضت الإصلاح السياسي في السابق بإتفاق القاهرة عام 1969 مع الفلسطينيين، وأعادت نفس العقلية مقايضة إتفاق الطائف على إصلاحاته القليلة، بإتفاق مار مخايل مع حزب الله عام 2006، وهو ما يؤكد بأن تناول البعض للأمور، إنما ينطلق من حساباته السياسية والشعبوية الداخلية الضيقة، وليس من منطلق وطني حقيقي، يقتضي أخذ الأمور مهما كانت بحكمة وروية، بعيداً عن التهييج والتجييش السياسي والطائفي المقيت .

بقدر ما نحن مع تسوية وتحسين الأوضاع الإنسانية للفلسطيني في لبنان بقدر ما نحن ضد السلاح


في المحصلة نقول، بأننا بقدر ما نحن مع تسوية وتحسين الأوضاع الإنسانية للفلسطيني في لبنان، بقدر ما نحن ضد السلاح من منطلق أن من ساواك بنفسه ما ظلمك، فليس من المعقول ولا المنطقي أن نكون كلبنانيين ضد السلاح “اللبناني” خارج الشرعية اللبنانية، ونكون مع هذا السلاح الفلسطيني، ولن نكون مع الأخوة الفلسطينيين فيما يضرنا ولا ينفعهم في نهاية الأمر، خاصة في الظروف الإقليمية الراهنة، حيث الصراع على أشده بين “جيران العرب اللدودين” على الأرض العربية، ووحده الإنسان العربي المنهك هو من يدفع ثمن هذه الصراعات، في ظل غياب تام للنظام الرسمي العربي، وللمشروع العربي الجامع، هذا عدا عن أن ظروف لبنان التي باتت معروفة للجميع، والتي لم تعد تحتمل أية مغامرات من أي طرف كان، فلبنان بات فاقدا لقدرته على التحمل والصمود، جراء وضع الإهتراء الذي يعيشه على كل المستويات، وغني عن القول وبإختصار.. بأن فاقد الشيء لا يعطيه.

السابق
بعدسة «جنوبية»: تشييع ضحايا «حماس» في برج الشمالي.. ومطالبة بتسليم القَتَلة
التالي
يوم الغضب.. «النقل البرّي» يتوعّد بتحرّك شامل وعام الخميس