حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الخطوط الاماراتية الايرانية.. «البرمائية»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

هل بدأت الامارات باعادة تنظيم علاقاتها الخارجية، السياسية والاقتصادية والامنية والمصالحية مع دول الاقليم؟ سؤال تفرضه الزيارة التي قام بها رجل الظل مستشار الامن الوطني الاماراتي، خلال الشهرين الماضيين الى كل من تركيا وايران، اذ انتهت الزيارة الاولى واللقاء مع رئيس الجمهورية التركية رجب طيب اردوغان، لتمهيد الارضية لزيارة ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد الى انقره، بعد سنوات من الصراع المحتدم بين البلدين حول العديد من الملفات الاقليمية، خاصة في بعض الملفات العربية، من تونس وليبيا ولا تنتهي في سوريا وقطر.

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «حلال» رئيسي..«حرام» روحاني!

ولعل الدافع الابرز لهذا السؤال ايضا، هو الزيارة التي قام بها الشيخ طحنون بن زايد الى العاصمة الايرانية، وهي الزيارة التي تأتي تتويجا لمسار من الحوارات واللقاءات، بدأت بين الطرفين منذ عام 2018، جرى فيها التفاهم على مسائل تتعلق بامن الطرق البحرية التجارية، وعناوين مختلفة اخرى ذات الاهتمام المشترك، خاصة في المسألة اليمنية.

يمكن وصف الزيارة الاماراتية، والتأسيس لمرحلة من الانفتاح السياسي بين البلدين، بانها تأتي بعد عقد من التوتر والخلاف حول العديد من الملفات، لعل ابرزها الطموحات النووية الايرانية، والدور المزعزع الذي تمارسه في المنطقة، من خلال اذرعها وحلفائها او بشكل مباشر، عبر تطوير منظومتها الصاروخية، التي وضعت القيادة العسكرية في النظام الايراني هدفا له، هو استهداف القواعد الامريكية المنتشرة في الدول الخليجية بالدرجة الاولى.

يمكن وصف الزيارة الاماراتية بانها تأتي بعد عقد من التوتر والخلاف حول العديد من الملفات لعل ابرزها الطموحات النووية الايرانية

سعي الامارات لاعادة تنظيم علاقاتها الخارجية، مع دول المحيط الاقليمي او العواصم المؤثرة في المنطقة، تشكل الارضية لخلق نوع من التوازن في المصالح والالتزامات المطلوبة او الضرورية، فيما يتعلق بساحات التنافس والاشتباك، بما يخدم المصالح الاستراتيجية وتعزز جهود توفير الاجواء المطلوبة، من اجل تحقيق الرؤية الاقتصادية، التي تعمل على تحقيقها وتفرضها، كلاعب مهم وشريك اساسي في الاقتصاد الدولي، وخطوط نقل الطاقة والترانزينت الدولية. وهذا البعد يشكل العامل المساعد، على فهم وتفهم الحراك الدبلوماسي، التي لجأت اليه الامارات في الاشهر الاخيرة، والذي تبلور في زيارة وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد الى العاصمة السورية، وترطيب العلاقة مع دولة قطر، قبل العودة للانفتاح على تركيا. 

الدول الاقليمية تذهب الى خفض التوتر مع النظام الايراني لهدفين الاول تعزيز العلاقة مع طهران قبل ان تكون في مواجهة حقيقة الاتفاق بينها وبين واشنطن والثاني محاولة تحييد المنطقة عن التداعيات السلبية لعدم التوافق

واذا ما كانت طهران، ترغب في توظيف الانفتاح الاماراتي وتوسيعه، ليشمل المحيط العربي عامة والخليجي تحديدا، في اطار جهودها لتوظيف مؤشرات التفاهم، مع الولايات المتحدة حول ازمتها النووية، بالاضافة الى امكانية التعاون الجدي في المسائل الاقليمية، و مصادر الخوف من طروحاتها الصاروخية، في حال انتهت المفاوضات النووية الى النتائج المطلوبة وانهت حالة الحصار والعقوبات الاقتصادية. فان الدول الاقليمية تذهب الى خفض التوتر مع النظام الايراني لهدفين اساسيين، الاول تعزيز العلاقة مع طهران، وفتح قنوات التواصل معها، قبل ان تكون في مواجهة حقيقة الاتفاق بينها وبين واشنطن، والثاني محاولة تحييد المنطقة عن التداعيات السلبية لعدم التوافق، وامكانية ان تذهب الامور الى مواجهة مفتوحة بين الطرفين قد تدخل المنطقة في المجهول.

والانفتاح على ايران، يأتي بعد ان استطاعت ابوظبي، تكريس الفصل بين العلاقة المستجدة بينها وبين اسرائيل، والمخاوف الايرانية من استغلال اسرائيل هذه العلاقة، لتحويلها الى مصدر تهديد لامنها واستقرارها، وبالتالي الانتقال الى مرحلة توظيف الدور الذي بنته، خلال العقد الاخير في الازمات الاقليمية، لتكريس واستكمال الاستراتيجية الاقتصادية او الاضطلاع بالدور المحوري الاقتصادي، في خطوط النقل البحرية وامن هذه الخطوط والاستثمارات التي وظفتها في هذا المجال، التي باتت تشكل مؤشرا استراتيجيا على النفوذ الذي تطمح له. خاصة وان الرؤية الاماراتية للخمسين سنة المقبلة التي كشف عنها في سبتمبر/ ايلول 2021، تؤكد على ان الاقتصاد الاماراتي يقوم على التجارة، والنشاط البحري الذي تمثله شركة موانئ دبي، وهي التي تحكم السياسات الخارجية للدولة، وبحيث تمنح الدولة الوصول الى اهدافها الوطنية والدولية، وتكرس موقعها على الخريطة الدولية. 

الرؤية الاماراتية للخمسين سنة المقبلة تؤكد على ان اقتصادها يقوم على التجارة والنشاط البحري الذي تمثله شركة موانئ دبي وهي التي تحكم السياسات الخارجية

من هنا تأتي اهمية خيار التهدئة واعادة ترميم الصدوع، التي اصابت العلاقة مع ايران في اطار هذه الرؤية، خاصة وان احد اهم محاور البحث في زيارة المسؤول الاماراتي في طهران، دار حول المشروع الاماراتي في بناء خط نقل تجاري اقتصادي بري، يربط بين الامارات وتركيا ومنها الى اوروبا عبر الاراضي الايرانية. فضلا عن التركيز على صياغة تفاهمات بين الطرفين حول امن الخطوط البحرية التي تحتل فيها الامارات موقعا متقدما، سواء في مياه الخليج (ميناء جبل علي) وبحر العرب (ميناء الفجيرة) والبحر الاحمر ( في جزيرتي سوقطره وميون في باب المندب) والقرن الافريقي، وصولا الى موانئ البحر الابيض المتوسط واوروبا والغرب عموما. وهي رؤية تساعد على فهم الدور الاماراتي في المناطق، التي تشكل العمق الجغرافي لهذه الخطوط البحرية واستراتيجية هذا النفوذ. 

احد اهم محاور البحث في زيارة المسؤول الاماراتي في طهران دار حول المشروع الاماراتي في بناء خط نقل تجاري اقتصادي بري يربط بين الامارات وتركيا ومنها الى اوروبا عبر الاراضي الايرانية

امن البحار وخطوط التجارة البحرية، وارتباطها باستقرار المنطقة، تعتبر احد محركات السياسة الخارجية لدولة الامارات، سواء في الحالة الهجومية التي سادت في العقد الاخير، والدور الذي لعبته في العديد من الازمات في المنطقة والاكلاف التي تكبدتها، او في التحول الجديد، الذي يتمثل في سياسة خفض التوتر والانفتاح، على العواصم الاقليمية المنافسة. 

امن البحار وخطوط التجارة البحرية وارتباطها باستقرار المنطقة، تعتبر احد محركات السياسة الخارجية لدولة الامارات

من هنا يمكن فهم كلام الاماراتي، حول الاسباب التي دفعت ابوظبي للانتقال الى سياسة تخفيف التوتر، مع جوارها القريب والاقليمي، والتي كلفتها الكثير من الخسائر، ان كان نتيجة سياسات الادارة الامريكية السابقة بقيادة الرئيس السابق دونالد ترمب، وتزايد الاعتقاد بتراجع اهتمام الادارة الجديدة بازمات المنطقة، والتخلي عنها تمهيدا للانسحاب من التورط بهذه الازمات، او نتيجة لجائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية على الصعيدين المحلي والعالمي، ووضع مسألة اعادة النظر في السياسات الاقليمية والعمل على تثبيت نفوذها في المناطق، التي تشكل جغرافيا النفوذ الاقتصادي، وتأمين استثماراتها في خطوط التجارة البحري، على رأس الاهتمامات الاستراتجية لادارة ابوظبي، العمل على التفاهم مع اللاعبين المؤثرين في المنطقة، بما لهم من تأثير على المجموعات والقوى الاقليمية التي تدور في فلكهم، خاصة الاذرع التي تملكها ايران على امتداد هذه الخطوط البحرية والبرية التي تشكل اساس محور الاستثمار الاماراتية.

السابق
«إنفجار غامض» لمخزن سلاح لحماس «يَخُض» الجنوب..وكباش حكومي بين عون وميقاتي!
التالي
الأستاذُ المتحرّش والزعيمُ الفاسد .. طينةٌ شرّيرة واحدة!