حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العراق ينتخب وإيران «تنتحب»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ما من شك بان النتائج الاولية للانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، لم تأت متطابقة او متقاربة مع توقعات القوى والاحزاب الموالية لايران، ولا حتى للقيادة الايرانية، التي كانت تتوقع ان يحصل حلفاءها والقوى التي تدور في فلكها على الاكثرية المريحة، التي تسمح لها بفرض نفسها خيارا اولا في تشكل الحكومة المقبلة، وبالتالي تكون عاملا مساعدا وضامنا، في دفع المواجهة الايرانية مع الولايات المتحدة على ارض العراق، ومشروع اخراج القوات الامريكية الى الامام، في اطار تطبيق استراتيجيتها التي اعلنها المرشد الاعلى، بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، باخراج  هذه القوات من منطقة غرب آسيا، وتحديدا من افغانستان والعراق وسوريا، بينما بدأ الحليف اللبناني حزب الله، بادخال الساحة اللبنانية الى هذه الاستراتيجية، بكلام رئيس المكتب السياسي هاشم صفي الدين بان حزبه لم بيدأ بعد معركة اخراج الامريكي من الادارة اللبنانية. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الانتخابات العراقية..«العين» على رئاستي الوزراء والبرلمان!

وفي وقت لم تتوصل طهران الى بلورة رؤية واضحة، في التعامل مع التطورات الافغانية وعودة طالبان الى السلطة، بعد الانسحاب الامريكي الذي كانت تسعى له، نتيجة انقسام الموقف داخل غرف القرار، بين الذهاب الى خيار الايجابية مع طالبان، والتزام الحذر خوفا من وجود تواطئ  بين الادارة الامريكية وقيادة طالبان، قد ينقلب سلبا على ايران، هبت عليها رياح مقلقة وتحمل الكثير من الانذارات، من جارها على الحدود  الجنوبية الغربية في العراق. وهي رياح اثارتها نتائج الانتخابات التي قلبت كل المعايير وخالفت كل التوقعات، خصوصا وانها تنذر بامكانية دخول العراق، في حالة من الفوضى والاقتراب  من الاحتراب الداخلي، ما يجعلها امام واحد من خيارين، اما ان تدفع باتجاه تبني المظلومية، التي يدعي حلفاءها انهم تعرضوا لها باعلان نتائج، تدور حولها الكثير من علامات الاستفهام والشكوك بوجود تلاعب، واما ان تقبل بهذه النتيجة، وتوطن نفسها على التعامل مع المتغير العراقي، وما افرزته هذه الانتخابات من انزياحات في مراكز القوى، وكرست تقدم طرف من داخل البيت الشيعي الذي ترعاه على الاطراف الاخرى، خصوصا وان هذا الطرف عانت الكثير في ترويضه من دون ان تنجح، او على الاقل ان تطمأن لتطويعه، بالشكل الذي لا يشكل لها قلقا دائما لعصوية ضبطه.

لم تأت الانتخابات متطابقة او متقاربة مع توقعات القوى والاحزاب الموالية لايران ولا حتى للقيادة الايرانية،

يمكن القول ان اكثر ما لا تريده او لا ترغب فيه طهران، هو دخول العراق في حالة فوضى امنية وحرب اهلية، لانها وحسب اعتقادها واجماع كل المعنيين بالشأن العراقي، في ايران والعراق على حد سواء، انها ستكون داخل المكون الشيعي وفي المحافظات والمناطق، التي يتنشر فيها ابناء هذا المكون في الفرات الاوسط والجنوب على مقربة من حدودها. ما يعني التأسيس العملي والفعلي لاخراجها او خروجها من هذه الساحة، او على الاقل تراجع نفوذها ودورها بشكل كبير وواسع، نتيجة انها ستكون مجبرة على الوقوف الى جانب طرف في مواجهة طرف اخر، وهو ما يفقدها المظلة الابوية التي تحاول تكريسها لجميع اطياف هذا المكون.

بدأ حزب الله بادخال الساحة اللبنانية الى هذه الاستراتيجية بكلام صفي الدين بان حزبه لم بيدأ بعد معركة اخراج الامريكي من الادارة اللبنانية

مرجعية سياسية عراقية ذات طابع ديني، يكمن اعتبارها من القيادات، التي استطاعت انتزاع مسافة خاصة لها، في علاقتها مع ايران من دون عداوة، كانت ترى قبل الانتخابات ان ايران ستكون مجبرة، على تغيير آليات تعاملها مع الساحة العراقية، وجهود قوى عراقية وطنية لبناء دولة ذات سيادة وقرار مستقل. وان هذا التغيير في التعامل قد يفرض على طهران تقديم تنازلات، ليس فقط للقوى العراقية وتخفيف مستوى تدخلها في التفاصيل الداخلية، بل ايضا فيما يتعلق بموقع العراق على خارطة التفاهمات التي تسعى لعقدها مع الادارة الامريكية. مضيفة ان هذا المسار الجديد في التعامل الايراني مع العراق، بدأت بوادره بتجربة التسوية التي قبلتها طهران في تسهيل عملية تشكيل الحكومة الانتقالية، واختيار مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء قبل سنة ونصف، بعد ازمة التظاهرات واستقالة رئيس الوزراء السابق عادل  عبدالمهدي، عندما وافقت على هذه التسوية القبول بهذا المستوى من التنازل، حتى لا تخسر كل شيء وتتشكل حكومة من خارج ارادتها او رأيها. 

منسوب القلق الايراني ارتفع مع انكشاف حقيقة تراجع المشاركة الشعبية، على الرغم من الرقم الرسمي الذي اعلنته الحكومة ومفوضية الانتخابات

منسوب القلق الايراني ارتفع، مع انكشاف حقيقة تراجع المشاركة الشعبية، على الرغم من الرقم الرسمي الذي اعلنته الحكومة ومفوضية الانتخابات، والذي وصل الى 41 في المئة، اذ تذهب التقديرات غير الرسمية ولدى الجانب الايراني المراقب للانتخابات، انه لم يتجاوز الثلاثين في المئة في افضل التقديرات، ما انعكس سلبا على حجم التمثيل الذي حصلت القوى والاحزاب الموالية لها، وبالتالي فان هذه النتائج وما قد يطرأ عليها من تعديلات او تغييرات، لا تساعد على تشكيل حكومة قوية وذات تمثيل، ما يضفي على المشهد غموضا لم تكن ترغب به، خصوصا وان هذه النتائج وتراجع مستوى المشاركة، عبر عن حجم الاعتراضات التي يعيشها المجتمع العراقي، خصوصا الجيل الشاب منه، على النظام السياسي التحاصصي، الذي ارسته على مدى عقد ونصف القوى التي تدور في الفلك الايراني، وتحسب على الاسلام السياسي، ووجد تعبيره في حجم المقاطعة التي برزت لصناديق الاقتراع. 

استطاع التيار الصدري والكتلة الصدرية الحصول على العدد الاكبر من المقاعد البرلمانية وهذا الزيادة في التمثيل للصدريين جاءت بالدرجة الاولى على حساب الفريق الاقرب لطهران

في المقابل، فقد استطاع التيار الصدري والكتلة الصدرية، التي شارك عبرها في الانتخابات، الحصول على العدد الاكبر من المقاعد البرلمانية، وهذا الزيادة في التمثيل للصدريين، جاءت بالدرجة الاولى على حساب الفريق الاقرب لطهران “تحالف الفتح”، ما يعقد الامور امامها ويفرض عليها البحث عن آليات التعامل مع الواقع المستجد، خصوصا وان التنازل من قبل التيار الصدري عن طموحاته، في قيادة العملية السياسية والاستئثار بالسلطة قد يكون صعبا، وقد تدفعه الضغوط التي من الممكن ان تمارس عليه للجوء الى الشارع الذي تحدث عنه في خطاب النصر، ولن يتردد في الذهاب الى هذا الخيار، على الرغم من الليونة التي ابدها زعيم هذا التيار مقتدى الصدر، من موقع المنتصر الذي يحاول استيعاب ردود فعل خصمه الجريح، لكن من دون ان يقدم اي مؤشر على امكانية تخليه عن طموحه، محتفظا بامكانية التفاهم والتسوية بالشروط التي يريدها. 

الفريق المنافس لتيار مقتدى وكتلته، اي رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، الذي يقود ائتلاف دولة القانون واللقاء التنسيقي الذي حل مكان “البيت الشيعي”، الذي يسعى لاستيعاب النتائج والعمل على تأسيس تحالف، يضم كل القوى الشيعية المتضررة من تقدم التيار الصدري، وتشكيل الكتلة الاكبر، ليحفظ حقه في مقارعة الصدر على احقية تسمية رئيس الوزراء المقبل، قد لا يكون على فرض امر واقع، خصوصا وانه عاجز عن الدخول في مواجهة في الشارع مع الصدريين، لا دخول القوى العسكرية لفصائل الحشد المشاركة في هذا التحالف، سيزيد من خسارتها السياسية والشعبية، وسيدفع الحكومة ورئيسها الذي بات في حكم تصريف الاعمال، لدخول في مواجهة مفتوحة معها، تحت غطاء الحفاظ على الانتظام العام، وبالتالي تكون قد اعطت للكاظمي والصدر، الذريعة التي طالما بحثا عنها منذ عامين. 

الايام المتبقية لاعلان النتائج النهائية والتي من المحتمل ان تطول اكثر من المتوقع، ستدفع الطرف الايراني للبحث عن السبل التي تسمح له بهندسة المرحلة المقبلة

الايام المتبقية لاعلان النتائج النهائية، والتي من المحتمل ان تطول اكثر من المتوقع، ستدفع الطرف الايراني، للبحث عن السبل التي تسمح له بهندسة المرحلة المقبلة، والعمل على ايجاد مخارج باقل الاضرار الممكنة، وقد يكون من مداخلها السعي لترتيب تفاهمات، مع الزعيم الصدري حول طبيعة الحكومة المقبلة، مع الحفاظ على تمثيل القوى المحسبوبة عليها. اي انها ستكون مجبرة على الاعتراف، بان الامور بدأت تتفلت من قبضتها، وعليها التفتيش عن آليات جديدة للتعامل مع المشهد العراقي، لا يقوم على الاستتباع او المصادر. 

السابق
بعد اشتباكات أمس.. كيف افتتح دولار السوق السوداء؟
التالي
«لغم» إقالة البيطار في الشارع ينفجر في وجه «الثنائي».. وتحذيرات من إغتيالات!