حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الانتخابات العراقية..«العين» على رئاستي الوزراء والبرلمان!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تزداد مع الساعات الاخيرة على موعد انطلاق عمليات الاقتراع في الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، الجهود لرسم معالم المرحلة التي من المفترض ان تنتجها هذه الانتخابات، لجهة المساعي المبذولة من اجل تأسيس تحالفات بين الكتل السياسية والبرلمانية، التي من المتوقع ان تسيطر على مشهد النتائج الانتخابية، بما فيها محاولة التفاهم على الشخصية، التي ستتولى منصب رئيس الوزراء، سواء تم الاتفاق على التمديد لرئيس الحالي مصطفى الكاظمي، او في التفاهم على شخصية بديلة، ومن هي الجهة التي يحق لها ان تسمي هذه الشخصية، من بين الاسماء المتداولة او من خارج صندوق هذه الاسماء، ومدى قدرتها على لعب دور معتدل، وقادرة على فرض نوع من التوازن السياسي بين مختلف القوى، التي تمثل مكونات الشعب العراقي من جهة، وبين القوى الاقليمية والدولية الفاعلة على الساحة العراقية من جهة اخرى. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الوكالة وايران.. و«الشيطان ثالثهما»

في هذا الاطار، تحتل التسريبات حول جهود تبذل لتسويق، عدم احداث تغييرات في رئاستي مجلس الوزراء والبرلمان، اي العمل لاقناع الكتل والقوى والاحزاب السياسية، الابقاء على مصطفى الكاظمي ومحمد الحلبوسي في موقعهما، في حين يترك الصراع على منصب رئاسة الجمهورية مفتوحا، بانتظار التفاهم الكردي – الكردي على هذا الموقع. 

تحتل التسريبات حول جهود تبذل لتسويق عدم احداث تغييرات في رئاستي مجلس الوزراء والبرلمان في حين يترك الصراع على منصب رئاسة الجمهورية مفتوحا

هذه الجهود التي يبذلها كل من مسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبنانية الشيخ محمد كوثراني، ومعه الشخصية الاشكالية العراقية محمد عبدالرضا الهاشمي (ابو هشام)، الذي  سبق ان شغل منصب رئيس مكتب رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي والمعروف بقربه من ايران، والشخصيتان سبق ان ادرجتهما واشنطن على اللائحة السوداء، ساهمت في ارتفاع اصوات من داخل الكتل السياسية العراقية المحسوبة على المكون الشيعي، وتحديدا المقربة من فصائل الحشد الشعبي العسكرية والسياسية، مستهجنة ومعترضة على هذا المسعى، ومتسائلة عن الاهداف التي تدفع بهذين الرجلين، للعمل على تسويق هذه التسوية على حساب المكونات الاخرى المعترضة، على وجود الكاظمي على رأس السلطة التنفيذية والحلبوسي على رأس السلطة التشريعية. 

وعشية الانتخابات، ومع بدء العد العكسي لموعد اجرائها، برزت مؤشرات من منطقة الحنانة في النجف الاشرف، مقر اقامة السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري وكتلة سائرون، تحمل على الاعتقاد بوجود قراءة موضوعية لنتائج هذه الانتخابات، وصعوبة المرحلة المقبلة بناء على قراءة موضوعية للنتائج التي ستخرج من صناديق الاقتراع. وهي قراءة تجنح اكثر نحو اعتماد  الحوار والتفاهم، والتسويات مع القوى الاخرى لاخراج الاستحقاق النيابي، ومن بعده الاستحقاق الوزاري وابعاده عن الوصول الى طريق مسدود. 

مع بدء العد العكسي لموعد اجرائها برزت مؤشرات من منطقة الحنانة في النجف الاشرف تحمل على الاعتقاد بوجود قراءة موضوعية لنتائج هذه الانتخابات وصعوبة المرحلة المقبلة

فبعد ان كان التيار الصدري مطمئنا لقدرته على تحقيق مفاجأة انتخابية، على صعيد محافظات بغداد والفرات الاوسط والجنوب، وان يحصل على 100 مئة مقعد نيابي على اقل تقديراته، بات اليوم اكثر واقعية في التعامل مع المشهد الشعبي، خصوصا بعد الموقفين الواضحين من المرجعية العليا للحوزة السيد علي السيستاني، والمرجع السيد كاظم الحائري، الذي يعتبر او اعتبر لفترة طويلة، المرجعية الخاصة بالتيار الصدري من العملية الانتخابية ودعوة الناخبين لاختيار الافضل، والابعد عن الفساد والمحاصصة، ويعمل من اجل العراق وسيادته ونهضته. بالاضافة الى خطوة متقدمة صدرت عن الحائري، والتي دعا فيها لانتخاب من يؤيد الحشد الشعبي ويدعمه، واعتبار التصويت لغير هؤلاء بمثابة المعصية الدينية، وهو الموقف الذي فهم منه التلميح الى موقف الصدر ، خصوصا في دعوته الى دمج الحشد مع المؤسسات الامنية والعسكرية. 

التيار الصدري لم يتراجع عن طموحاته السياسية، بان يكون الجهة التي يجب ان تسمي رئيس الوزراء المقبل، وان يكون هذا الرئيس من صفوفها، وواضحا في انتمائه او هويته السياسية الصدرية، الا انه تراجع خطوة في التعامل مع الحكومة المقبلة، محاولة التمييز والتفريق بين منصب رئاسة الوزراء والتشكيلة الوزارية، تاركا الباب مفتوحا امام تفاهمات مع الكتل البرلمانية والاحزاب والقوى السياسية، على تشكيل حكومة توافقية او ائتلافية او تشاركية يتمثل فيها الجميع. وهذه الليونة لدى التيار الصدري قد يكون مردها الى مراجعات، قام بها للحالة الشعبية بناء على تقديرات، تتحدث عن تراجع المشاركة الشعبية، بالاضافة الى بروز الكثير من الاسئلة حول اداء التيار داخل وبين قواعده الشعبية، بالاضافة الى الدور السلبي الذي قد يلعبه القانون الانتخابي الجديد، القائم على الدوائر الضيقة بتوزيع الاصوات، بناء على انتماءات مناطقية وعشائرية، قد تؤثر سلبا على مرشحي التيار وتقلل من حظوظ البعض منهم في الوصول. 

التيار الصدري لم يتراجع عن طموحاته السياسيةبان يكون الجهة التي يجب ان تسمي رئيس الوزراء المقبل وان يكون هذا الرئيس من صفوفها

ما يمر به التيار الصدري، يمكن تعميمه الى حد كبير على كل القوى والفصائل والاحزاب السياسية، سواء الشيعية او الكردية او السنية، المنتمية الى الاسلام السياسي او التيار الليبرالي المدني والعلماني، وحتى قوى التي تدعي تمثل الحراك الشعبي التشريني، والتي يراهن عليها رئيس الوزراء الحالي، في خلق واقع جديد قد يعيد فرضه خيارا لمنصب رئاسة الورزاء. 

وفي مقابل ما يمكن ان يذهب اليه التيار الصدري، من مروحة تحالفات ما بعد الانتخابات، لفرض الكتلة الاكبر بمحورية كتلة سائرون التي تمثله، وان يضمن الى جانبه وجود تحالفات شيعية، مثل تحالف النصر بزعامة حيدر العبادي والحكمة بقيادة عمار الحكيم، وامكانية التوافق مع كتلة الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني، الى جانب كتلة تقدم بقيادة رئيس البرلمان الحالي محمد الحبلوسي. فان تحالفا اخر يسعى لتكوين كتلة اكبر موزاية، وهو دخل قبل الانتخابات في تحالف شبه نهائي، مؤلف من كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وائتلاف الفتح بقيادة هادي العامري، الذي يضم الاحزاب السياسية لفصائل الحشد الشعبي وقوى اخرى تدور في هذا الفلك، وتراهن على بناء تفاهمات ما بعد الانتخابات، مع تحالف عزم بقيادة خميس الخنجر من المكون السني، والاتحاد الوطني الطالباني وحزب كوران الكرديان، تسمح لهم تحديد الرئيس المقبل لرئاسة الوزراء، الذي من المستبعد ان يكون الكاظمي، لكون هذه المكونات الشيعية لا تخفي موفقها السلبي من رئيس الوزراء الحالي، وترفض اعادة التجربة التسووية معه. 

الا ان الواقع السياسي العراقي يؤكد، بان العامل الداخلي او الانتخابي، وما سينتج عنه من تكتلات برلمانية، لا يتفرد او ينفرد في تقرير مصير العملية السياسية. وقد يكون دوره هامشيا امام مصالح القوى الخارجية المؤثرة على الساحة العراقية، التي تحول القوى التابعة او المؤيدة لها داخليا، الى ادوات لترجمة اراداتها او صفقاتها السياسية. 

الواقع السياسي العراقي يؤكد بان العامل الداخلي او الانتخابي وما سينتج عنه من تكتلات برلمانية لا يتفرد او ينفرد في تقرير مصير العملية السياسية

من هنا فان العاملين الامريكي والايراني، يلعبان الدور المقرر في مستقبل تركيب السلطة المقبلة في العراق، وان الهامش الذي تمتلكه القوى الداخلية، لا يشكل سوى المساحة التي يسمح بها هذان اللاعبان بانتظار اللحظة الحاسمة التي تنضج بها التفاهمات بينهما. وعليه فمن غير المستبعد ان تشهد المرحلة المقبلة مفاجآت على مستوى تركيب التحالفات، وهنا يمكن ان تشهد الساحة العراقية، عودة الى بناء تحالف بين كتلة الفتح وكتلة سائرون، وامكانية ان تنضم اليهما كتلة دولة القانون، وهو تحالف لن يكون من دون تأثيرات خارجية، اقليمية بالحد الادنى، وقد يكون ثمنها تمرير استحقاق الرئاسة بالتفاهم مع الصدر بعيدا عن الكاظمي. ما يعني ان التسريبات حول جهود الهاشمي والكوراني، قد تصطدم بحائط مصالح داخلية واقليمية لا تتوافق مع هذه الجهود. 

اذا كانت هذه الجهود تحظى بتأييد وموافقة الجانب الايراني الاقليمي فقد يكون الهدف منها رسالة من طهران برغبتها في الذهاب الى خيارات التهدئة

اما اذا كانت هذه الجهود تحظى بتأييد وموافقة الجانب الايراني الاقليمي، فقد يكون الهدف منها رسالة من طهران، برغبتها في الذهاب الى خيارات التهدئة مع القوى الدولية والاقليمية المعنية بالساحة العراقية، خصوصا الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية، والتي ترى في عودة الكاظمي ومعه الحلبوسي، امكانية الحفاظ على مساحات الحوار والتفاهم، وتعميمها على الملفات الاقليمية الاخرى في المستقبل. 

السابق
من لم يزرها بعد.. جاستن بيبر إلى السعودية مطلع كانون المقبل
التالي
من «الإكسبو» إلى مدن «الملح والزجاج والنيترات».. أين لبنان من الخليج؟!